قالوا: إن تقول رأيك ويقول الآخرون آراءهم فهذه تسمى “حريّة رأي”…، وأن تقول رأيك ولا تريد أن تستمع لآراء غيرك فهذا يسمى “ضيق أفق”…، وأن تقول رأيك وتمنع الآخرين من قول آرائهم فهذه “دكتاتورية” وطمس للحريات….، ولكن أن تقول رأيك وتعتدي على من يعبّر عن رأيه فهذه (ليست فقط جريمة وإرهابا) بل لوثة في العقل كونك وضعت نفسك في موضع “المقدس” الذي لا تجوز تخطئته ويمنح من يوافقه الجنة ولمن يخالفه النار!!!.
إن اختلاف الرأي أمر طبيعي بين البشر لأسباب يطول المقال بذكرها، وحين يؤمن الجميع أن الاختلاف لا يفسد للود، تصبح القضية ظاهرة صحيّة تعمل على منع حدوث الإحتقان، وتنويع المواهب، وإتاحة الفرصة لبروز أفكار ومبادرات جديدة ومختلفة، فالمهم هو أن لا يتحول الإختلاف إلى خلاف، والخلاف إلى عنف، والعنف إلى سفك دماء وإزهاق أرواح وتدنيس مقدسات وسلب أموال. إختلاف الآراء ظاهرة إنسانية قبلتها كل الديانات والرسالات السماوية بما فيها رسالة الإسلام، وقبلها الرسول من صحبه الكرام في مناسبات كثيرة، وقبلها بعده الخليفة عمر بن الخطاب وقال: “لا خير فيكم إن لم تقولوها و لا خير فينا إن لم نسمعها”، وزيد بن ثابت حين بعث إليه ابن العباس برسالة حول مسألة في الميراث، جاء فيها: أين تجد في كتاب الله أن للأم ثلث ما تبقى؟ فرد عليه زيد دون تقريع أو حتى محاولة إثبات: إنما أنت رجل تقول برأيك وأنا رجل أقول برأيي”.
ثقافة اختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية غائبة تماما في أدبيات وأفكار ومواقف ابن تيمية وأتباعه ومنهم الدواعش، بل إنهم ذهبوا إلى أخطر من ذلك حيث كفّروا كل مَن يختلف معهم في الرأي او لا يؤمن بعقيدتهم الشاذّة المنحرفة القائمة على أساس المتناقضات والتدليس والأساطير والخرافة والجهل بأبسط البديهيات، ولم تقف ديكتاتورية وإستبداد ابن تيمية وأتباعه والدواعش إلى حد التكفير بل راحوا يرتّبون الآثار على ذلك فإرتكبوا أبشع الجرائم والمجازر بحق بني البشر من مختلف الديانات والتوجهات.
الدعوة إلى ثقافة إختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية وإحترام حرية الرأي دعوة لطالما نادى بها وحث عليها المرجع الصرخي الحسني، وكان منها ما صدر منه في سياق مناقشته للفكر التيمي وإثبات زيفه وتهافته في المحاضرة التاسعة من بحث “وَقَفات مع.. تَوْحيد التَيْمِيّة الجِسْمي الأسطوري”، حيث وجّه كلامه إلى التيمية وأتباعه وطالبهم بالتأدّب بآداب الإسلام ورسالة الإسلام ونبي الإسلام حيث قال: ((وما عندنا أي مشكلة فإننا نحترم رأيه واختياره ووجهة نظره ونناقشه علميا نظريا ونطلب منه ومن اتباعه أن يتأدبوا بآداب الإسلام ورسالة الإسلام ونبي الإسلام عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام بدون إرهاب و لا سفك دماء ولا انتهاك أعراض وسلب أموال)).