17 نوفمبر، 2024 2:00 م
Search
Close this search box.

بدعة (32%) في كركوك… ضلالة

بدعة (32%) في كركوك… ضلالة

كركوك والكثير من المناطق الكوردستانية الأخرى، تعرضت على أيدي الحكومات العراقية المتعاقبة، وبالذات في عهد البعث، الى حملات ظالمة وفواجع كثيرة، وبعد إقرار الدستور العراقي في العام 2005 ظلت الأوضاع في تلك المناطق مرهونةً بالمادة الدستورية 140، ولكن الحكومات العراقية المتتالية تنصلت من التزاماتها تجاه تنفيذ هذه المادة الدستورية التي جسدت تصورات الكورد السياسية، والتي على أساسها بنى الكوردستانيون شكل علاقاتهم مع الحكومة الإتحادية.

سياسيو العراق العقلاء، سنتهم وشيعتهم، كانوا قد تفهموا المطالب الكوردية وإعتبروها مطالب مشروعة، لاسيما وأن الدستور، ومن قبله قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت إستوعب ذلك التصور والمصلحة الكوردستانية والعراقية، ورسم على أساسها خارطة طريق وبالذات في المادة 140 التي إحتوت على ثلاث مراحل: التطبيع، الإحصاء السكاني، الإستفتاء العام حول تبعية تلك المناطق فيما اذا إختار سكانها البقاء مع الحكومة المركزية أم الانضمام الى إقليم كوردستان، ونصَّ القانون على انهاء تنفيذ كل إجراءات تلك المادة قبل ٣١ / ١٢ / ٢٠٠٧، أي قبل أكثر من عشر سنوات، ولكن، جرى تسويف تلك المادة الدستورية وتعطيلها بذرائع شتى، وسعى الإنتهازيون والمنتفعون والمصفقون والمهللون الى تكذيب الواقع وتضييع الحقوق وقلب الحقائق والاثباتات والوثائق، وحاولوا إعادة الزمن والتاريخ الى الوراء، ومسح الذاكرة، وكل ما في القلوب والعقول بسجالات لا تنتهي لبث النعرات وزرع بذور الفتنة وإثارة الفرقة بين الجميع، وأصبح الخصام والصراع والنزاع والتباغض سادة الموقف، وإستفاد من هذا الامر نفر ضال دون الشعور بحساسية الأوضاع وإحتمال تفجرها.

وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على تجاوز مرحلة تنفيذ المادة 140 من الدستور، وبدلاً عن تبني مشاريع الحلول الدائمية والمنطقية، نسمع اليوم مهاترات وتصريحات غير دستورية وغير قانونية تحاول السير وفق تقويم سياسي يخلق الصراعات والأزمات بين مكونات كركوك وبقية المناطق، وإضفاء الشرعية على الخطط و الممارسات الظالمة التي أدت إلى تفتيت محافظة كركوك وتصغيرها وتغيير ساكنيها و تبديل طابعها، ولاينتظرون الإحصاء ونتائج الاستفتاء العام المثبتين في الدستور.. يدعون الى إجراء الانتخابات وفق قانون توافقي يرضي البعض على حساب البعض الآخر، وهذا (التوافقي) في نظرهم يعني نسبة 32% لكل قومية، ويتجاهلون سجلات الاحوال المدنية وقوائم المواد التموينية ونتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في العام 2014 والتي تشير الى أن نسبة الكورد أكثر من 60%…

هذه البدعة، أي نسبة 32 في المائة للكورد والعرب والتركمان التي لا تتوافق مع الواقع الجغرافي والتاريخي للمدينة، وتتعارض معه ومع ضمير الدستور وقوانين الإنتخابات في كل بلدان العالم، قد تكون سببا لتوترات سياسية وأمنية. كما تعتبر تصرفاً عدوانياً جديداً ضد الكورد، وخطوة بعيدة كل البعد عن مبدأ الشراكة الحقيقية في إدارة البلد، وتكرارا للأخطاء التي مررت في الماضي، والعاقل لا يحتاج إلى برهان لتأكيد إنحراف الفئات التي إنتشرت ونشرت معها الخراب والدمار، لأن كل مشاهد الكوارث توضح أن الفكر الذي يقف خلف تخطيط وتنفيذ تلك الممارسات هو فكرمريض غير سوي، يتلذذ بممارسة التفرقة المجردة من روح التعايش والتصالح، والبعيدة كل البعد عن سماحة الأديان السماوية والقيم والمثل الاخلاقية، وهذه الممارسات تؤكد إستحالة الركون إلى كلامهم أو وعودهم، أو الاطمئنان اليهم..

أما التعاطف المشكور للبعض معنا، وتأييدهم لقضايانا وحقوقنا العادلة والدستورية، والذي يتحدث عنها الكثيرون، فإنه لايوازي قطعا سكوت البعض الآخر تجاه الممارسات الخاطئة الموجهة ضدنا، أو الهجمات الظالمة التي نتعرض لها من أناس كانوا الى الامس القريب عملاء للمخابرات الأجنبية، أو كانوا هاربين يحتمون في خنادقنا ونعتبرهم من الاخوة، وبحساب الفرق بين من يدينوننا بشتى التهم الباطلة وبين الذين يؤيدوننا، نرى أن الأولين هم الاكثرية..

وأخيراً نقول : على الجميع التفكير بعقل وحكمة وعدم الإصرار على نسبة وبدعة غير صحيحة، في الانتخابات البرلمانية والمحلية القادمة، هذا إذا جرت، لأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

أحدث المقالات