18 ديسمبر، 2024 8:49 م

اختلف المفكرون في أسباب طبيعية حكم الشرق إلا أنهم لم يختلفوا في نموذج النظام الذي اسموه بـ الاستبدادي.
و هنالك أكثر من رأي في اسباب هذا الحكم الاستبدادي.
في كتاب الطاغية للكاتب عبد الفتاح إمام بين أهم الأسباب في استبدادية الشرق وفقا إلى آراء المفكرين .
وقد يجد القارئ شيء من العنصرية في اراء الفلاسفة مما يجعلها محض نقاش مستفيض.
فهم يصفون الاستبداد الشرقي بالاشد قساوة ! لكن هذه الاراء وضعت قبل الحروب الاهلية التي حدثت اوربا و مئات الالاف من المجازر التي حدثت فيها .
للاستبداد عدة نظريات منها :
1- صفة الألوهية: كانت المجتمعات تجد الحاكم كما هي تعتبره بانه الاله ,اي ان الحاكم يضفي على نفسه الصفة القدسية وهذا ما تطرق إليه القرآن إلى فرعون الذي طغى و غيرهم من الملوك و هناك من المفكرين من أيد هذا الشيء حينها .
2- طبيعة العبيد : وفي هذه النظرية شيء من العنصرية حيث تطرق أرسطو في افكاره الى ان شعوب الشرق بطبيعتها مهيأة للاستعباد وهو يقسمها إلى ثلاثة أقسام يضع اليونانيين في قمتهم .
3- النظرية الاقتصادية : التي تبناها فيتفوجل و التي تعتبر الاقتصاد عامل أساس في استبداد الحاكم في دول الشرق ونظرا لطبيعة جغرافيتها المتشاطئة والتي تعتمد على الري و الزراعة و بالتالي فإن الدولة هي المسيطرة على مصير معيشة الحياة ومنها يظهر حكم الاستبداد في السيطرة على الأراضي ومصادر المياه و غيرها .
4- النظرية السادومازوخية (السادية و المازوخية ) : وهي نظرية السيد و العبد ففى السادية التي تظهر عند الأسياد يتطلعون الى الحكم وفق نزوى شهوانية تتحكم بها العوامل النفسية و دوافع الشر ,و المازوخية هي ميول الفرد و تقبله للمحكومية او الدونية كصفة ذاتية متأصلة في النفس لديه نتيجة الضعف أو الخوف لذلك يميل الى الاقوى و الانصهار فيه لينتزع الخوف الذي لديه فيتلكم بمنطق قوة السيد الذي ينتمي إليه ويدافع عنه بقوة .
هذه اهم النظريات التي طالت تفسير الحكم الاستبدادي في الشرق
لكن
هذه النظريات لا يمكن أعتمادها بالمجمل و هي بحاجة الى مناقشة اكثر فطبيعة المجتمعات اليوم اختلفت ولم يعد فيها قدسية الحاكم كأله و النظرية الاقتصادية تطورت بعد الثورة الصناعية فضلا على أن القوانين الوضعية بدأت تعالج حقوق الفرد نوعا ما,
فلم هذا الاستبداد او الاستقتال على الحاكم ؟
كل ما اعزيه في حكم الطغاة اليوم اواستقتال الجماهير عليهم هو ضعف ثقافة الشعوب او القومية و الإثنية التي تعتمدها في الانتماء الى الحاكم فضلا عن النزوع إلى غرائزهم الشخصية. وهي صفات طالما حاربتها نصوص القرآن والسنة
وهنالك عامل اخر مهم وهو العولمة اي ان الحاكم يفرض على الجماهير من الخارج فالعولمة طالما حاربها الطغاة الشموليين لان خيوطها ستلتف على فرائصهم عاجلا ام اجلا ولعل اشهر مؤسسة للعولمة اليوم هو العولمة السياسية المتمثلة بالدول الخمس وصلاحياتها بقرار الفيتو والعولمة الاقتصادية المتمثلة بصندوق النقد الدولي و العملة العالمية التي تتداولها الدول وهو الدولار حيث اصبح اغلب أرصدة الدول داخل البنوك الأمريكية.
فلو التقطنا عينة من الحكم الاستبدادي وهو
#صدام_حسين
نجد ان هناك فئة كبيرة تتباكى عليه بعد سقوطه اي انه لم يعد حاكما و مع ذلك هنالك فئة من الشعب تتبجح بأهليته في الحكم رغم المقابر الجماعية والحروب المراهقة ! فلو قلنا ان صدام كان من طائفة سنية وهذا هو السبب فلم إذن يتباكى عليه بعض الشيعة و يمجدون في حكمه ؟
هنالك عوامل متعددة وضب صدام على تسخيرها في حكمه و هي الطائفية ليكسب فيها طائفته على الاعم الاغلب منهم
و عوامل اقتصادية بكافئة المنتمين إليه من الطوائف الأخرى نفسيا واجتماعيا حيث جعل لهم الجاه و الوجه داخل قومهم وهذا ما انتعش عند البعض في الطائفة الشيعية بالاخص حيث الفرد الذي يميل الى حب الوجاهه و تسيد المجتمع أكثر من المال نفسه حتى لو اضطره الى دفع المال.
وعوامل اجتماعية حيث انه دعم القبيلة و هدد الفرد الذي لاينتمي الى شجرة قبيلته ان يحاربه بسمعته قبل أن يضايقه في تعاملاته الادارية و أبتدأ بنفسه مستعينا خاله خير الله طلفاح واضعا لنفسه شجرة تتأصل جذورها إلى نسب النبي (ص) .
العامل القومي حيث انعش الانتماء للقومية العربية امتدادا لسلفه احمد حسن البكر و الذي سبقه عبد السلام عارف فكسب نسبة معتد بها من جميع الطوائف ولا زالت تلك النسبة تلفظ بقية القوميات الاخرى و تنادى بالعروبة حتى يومنا هذا بل يتباكون عليها ! ربما لان القوميات الاخرى أكثر تعسفا للقومية العربية .
العامل الخارجي : ولعل افضل العقوبات التي خدمت نظام حكم صدام هي الحصار الاقتصادي بل وجده افضل حل لوأد الحركات الثورية بعد انتفاضة 1991 كما بينه المرحوم فالح عبد الجبار في كتابه العمامة و الافندي.
لكنه لم يلتفت ان الشعب عادة تزدهر فيه الحركات الدينية كملاذ للمضطهدين الذين يجدون في رجل الدين مسلكا في التقرب الى الله تعالى وفقا الى إرشاداته و نظرا لابتعاده عنه طيلة عقود .. و فعلا انتعشت الحركات الدينية في أواخر حكم صدام و قد انتبه اليها بانزعاج الأمر أفضى الى إصدار حكم الاغتيالات للعلماء التي نجح في تنفيذ بعضها و فشل في بعضها الاخر لكن قواعدها الجماهيرية بقيت …..
هل انتهى نموذج الطاغية اليوم ؟ وهل ان الحكم اصبح خارج نظام استبداد الحاكم ؟
كلا فنحن دخلنا في نموذج اخر وهو حكم الاغلبية الغير مثقفة بحقوقها (طغيان الاغلبية في ادبيات افلاطون) الذي انعشته الديموقراطية في العراق اليوم, حيث الناس في الاعم الاغلب لم تفقه حقوقها المدنية بالكامل و ليست على وعي باللعبة الاقليمية فضلا على أن تغيير سقوط الطاغية لم يخرج من أزقة الشوارع ,بل ان الشعب في أواخر حكم صدام حسين قد جند وفق مؤسسات و مسميات متعدد قبيل السقوط ولم يعد للمعارضة المسلحة او الدينية اي جهد مؤثر.
نظام الحكم الديموقراطي هو نظام الارقام و الشعب فيها ونتيجة لحكم الطاغية السابق فان الشعب قد تأدلج الى جهات عدة و قواعدها الجماهيرية التي اشرنا اليها بقيت في المجتمع …
تلك الجهات المتمثلة بقياداتها انتعشت في ظل النظام الديمقراطي وراحت توجه قواعدها الجماهيرية بطبيعة اهتماماتها و توجهاتها .
أعقد تلك الجهات التي مارست الديمقراطية اليوم هي تلك التي تنتمي بأدلوجياتها الى خارج البلد فان انتماءها الايدلوجي قد و ليس شرطا هو الذي يتحكم بمسير العملية السياسية اليوم .
التوجهات السياسية لتلك الجهات و قواعدها الجماهيرية لم تهتم بالمستقلين من الشعب بل إن المستقل وجد نفسه يحاول الانتماء الى الجهة التي يجدها متنفسا الى اهتماماته و بدء يتنفس هواءها عبر تحركاته و تصريحاته و ذلك لاسباب متعدده منها الخوف الذي اعتراه نظرا لطبيعة السلوك السياسي كضرب من المازوخية او محاولة منه لكسب بعض المواقع الادارية التي يجد نفسه مؤهلا فيها لكنه بحاجة الى دعم تلك الجهة او غيرها و قد يكون الدافع الى توجيهاته هو المصالح الشخصية النفعية
النظام الدولي لا يهتم بالضرورة الى تحركات الداخل بقدر اهتمامه بالنتائج.
و ما أسميه بالاغلبية هو ربما مصطلح زائف إذا ما محصنا و دققنا في النظام السياسي العالمي و الاقليمي الحالي ,كيف ؟
لان المتتبع للعملية الديموقراطية اليوم فإنها لم تأتي بأي مرحلة من مراحلها دون رغبة النظام الدولي المسيطر على العراق وذلك لأن ادوات الحكم وتشكيل الحكومات يتم توقيعه عبر بريد القادم من الخارج .
أّذن الطاغية اليوم بصورته المتجلية هو النظام الدولي المسيطر على العراق
وما يجري من ممارسات ديمقراطية هي بمثابة السيمفونية التي يعزفها الشعب على هامش احتفالات تشكيل الحكومات من قبل السفارات و نظام المخابرات العالمي .
هل من أمل في المستقبل ؟ نعم
و ذلك بالاصرار على نظامنا الديمقراطي (بشكله الدستوري لا المتمثل بالأفراد الذين يمارسونه اليوم ) لانه لا خيار لدينا افضل من هذا النظام ولا رجعنا الى حكم الرجل الطاغية المستبد الذي طالما يظهر في الفوضى كشخص ودود ليرسخ نظامه و يغذيه بالاوردة الدموية لاحقا.