23 ديسمبر، 2024 10:16 ص

بحثُ في حقيقة علم الله بكل شيء من عدمه

بحثُ في حقيقة علم الله بكل شيء من عدمه

مقدمة:
أنا لا أدعي أني أعلم، فعلمي بعدم علمه لأفعال البشر قبل وقوعها من كلماته في كتابه، ستقولون وما تقول في قول الله ( وهو بكل شيء عليم) الحديد ٣… أو (أحاط بكل شيء علما)؟ الطلاق ١٢.

والآيات كثيرة!
هذا صحيح؛ لكن الفقهاء هم من فهموها كما يحلو لهم، ونسوا صراحة آياته الأخرى بشأن أفعال البشر، والتي بين فيها غياب علمه، كما قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ المائدة ٩٤). وهذا بيان صُراحٌ بُواح؛ أن الأنسان الخليفة بات في حقل الألغام البلائية ليختار مايفعل، وقوله تعالى، فمن إعتدى…هي مستقبلية ولم يقل إنه يعلم أن فلان سيعتدي وفلان لا! فهذا له الجنة وذاك له النار!

أو قوله تعالى في سورة الأعراف:
(قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ١٢٩
كيف ستعمل.. ليس بعلم الله!

الأنسان مخلوق الله المختار، فإما أن يكُ شاكراً وإما كفورا.
وإلا لسأل العبد ربه: لم خلقتني وتعلم إنني سأختار الفاحشة لترميني في النار؟ هل هذه حكمتك وعدلك؟ أم إنها حاجتك للتمتع برائحة الشوي البشري؟

وقد يقول قائل إن الله قال أيضاَ؛

( يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ د) التغابن٤.

نعم، تفسير الفقهاء لآيات القرآن تركزت على مُسلّمة العلم بكل شيء ولامناص منها، ومن قال بغير ذلك كفر أو جاهل لايعلم كيف يفسر القرآن. والآن تعالوا لنعلم الحق وبالدليل.

أولاً:

ليس من عدل الله أن يعلم أفعال الإنسان قبل وقوعها، ولذلك منحه فرصة زمنية للعمل والإختيار بإرادة حرة، كما منحه حق الندم والتوبة، وإلافمثل هذا العلم المسبق لاحكمة فيه!
حكمة الخلق لم تكن مجرد فنتازيا في مخياله، أُعجِبَ الخالق بها، فهّم لكتابة سيناريو قصة الخلق والحياة والموت مسبقاً والأنبياء وأبا لهب وحمالة الحطب، وعندما حلت الساعة ورغب بمشاهدتها نقلاً حياً، فخلق الخلق وبدأت لعبة الحياة والموت، وأغلق الأبواب والشبابيك عن محاججته في حكمته تماماً بقوله تعالى(لايُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون) الأنبياء ٢٣.

ثانياً:

أوليس الله بقادرٍ على خلق إنسان يختار الفعل دون علمه هو، ولكن حين وقوع الفكرة ونية الأختيار في وقتها، تصل الخالق مباشرةً، بشكل وكأنك أمام خلية كهروضوئية ما إن مررت بها أنارت أو رنّت، وهذا تقريب للفهم لا كما هو الأمر في طرائق وصول الخبر لله، ولذلك الله يعلم ماتسرون وماتكتمون، لأنها حصلت في الفكر وليس قبل وقوعها قبل خلقه، فالله لايعلم مالذي ستكتسبوه في حياتكم من علم وأفكار ومشاهدات، والتي على ضوئها يطبخ العقل تصوراته وخيالاته ثم نواياه في العمل أو دونه في حيز الجسد الروح، فما تكتسبه حواس الإنسان تتفاعل مع كيوننته فقد يشاهد مايثير غرائزه، أي تُفّعل أجهزته المصممة لذلك والتي تؤثر على أختياراته وأفعاله سلباً وإيجابا، ولذلك لايعلم الله حتى يخلق الإنسان وأجهزته ثم يمرره في فلم نفق الحياة التجريبي ليرى أيهم أحسن عملا.

ثالثاً:

قد يقول قائل وما قولك في قصة موسى والعبد الصالح الصريحة في القرآن؟ اوليس فيها ما يخبر الله الخضر بالغلام وفعله قبل وقوعه وكذلك بناء الجدار لليتيمن؟

أجيب:

أولاً:

المشكلة ليس في أن تفهم الكلمات وتعرب اللغة وتأتي بالأحاديث وشيء من فقه اللغة، وتخلطها لتصل الى النتيجة، لأن مع كل ذلك تبدو النتائج مخزية غير عادلة، والله لاذنب له، في أن لاتفقه من كلماته سوى فعل وفاعل ومرفوع ومجرور، وعنعنة أحاديث وتسمي ذلك علم وتطلق على نفسك لقب فيلسوف أو عالِم وفقيه!

إن ماتقرأ في قصة موسى والعبد الصالح التي ختمت بالفراق بينهما، وهذا منطق الحق، والنتيجة المتوقعة لمن تعقل القصة وفحواها كما هي.

الحق ليس من السهل الوصول للمعنى الحقيقي لإعتبارات عديدة لامحل لها في هذا المبحث.
ما يجب أن تركز عليه وأنت تقرأ القرآن هو ماوراء السطور من مقاصد خفيت لإختفاء المُبيّن لها، لقوله تعالى:
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. النحل ٤٤.

والبيان عام لكل حرف مما أنزل عليه، ولايصح القول بمعنى؛ يقتصر على الصلاة والصوم ووالخ.

مفاتيح اللغة العربية والأحاديث – بالرغم من أهميتها- قد لاتعينك في الغالب على الفهم الصحيح، بل ربما على الفهم الخاطيء، كما هو حاصل في فهم قصة موسى والخضر، لذا فقد تكون قدحات فكرك ، هي من تعينك على إيجاد المعنى الأقرب للصواب بما لايذهب بك الى التعسف في التأويل.

فعن قصة موسى – الذي كان نبياً ورسولا – مع العبد الصالح، الذي يفترض أن يؤمن بموسى ويتبع شرعه، ويتعلم منه ويحتكم إليه لا العكس، نجد أن موسى في السورة طلب مرافقة العبد الصالح للتعلم منه، وفي النتيجة نفر موسى من أفعال العبد الصالح قاطبةً، مما تسبب بفراقه عنه، كإفتراق الحق عن الباطل.
هذا أمر لابد منه لأن العبد الصالح في القصة هو رمز لتَمثُّل التقيّ بالشيطان بأفعاله، فالسورة فيها أيات عن رواية يقصها الله للرسول محمد ليجيب علماء بني إسرائيل، فقصة مشاهدة موسى وفتاه للخضر صحيحة ، لكن قصة الخضر مع موسى فقط، فالرؤيا التي إنتابت موسى مع الخضر، قلبت الحق باطل وخرقت المنطق المعقول، فمن عادة الأحلام خروق المنطق والقوانين، فقرار العبد بفراق موسى لإنتهاء حلم اليقظة، هو لعدم تمكن موسى من ترك شرع الله وقوانينه.

موسى تعلم المنطق الحق من الله، وتعقل به، ومن الطبيعي أن يرفض ماهو خارج المعقول.
وهذه القصة لبيان أن ليس فقط العلماء بل حتى الأنبياء بشر تنتابهم الشياطين ( وسوسة النفس القهرية) لكن عباد الله الصالحين لايركعون لهم، ولذلك قال الله للرسول تعوذوا من الوسواس في سورة الناس، والتعوذ مطلق لكل الناس ومنهم الأنبياء. بل هي ثقافة اليوم قبل البسملة لكافة المؤمنين.

من سورة الكهف:

فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا-٦٥

قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا-٦٦

قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا-٦٧

وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا-٦٨

قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا-٦٩.

الله يخبر عن أمر عبدٍ صالح تقي ورع صادفه موسى وفتاه، لكنه سلك مسلك الشيطان في أغلب أفعاله، ولذلك لم يقتنع موسى بشرعية عمله، إذ لاشيء يدل على تقاه وعلمه ، فَقَتل الغلام عمل جاهل بالحق، ولا أخلاقي ولاعدل، ولايدل صدوره ممن علمه الله العادل من لدنه علما، ولذلك لم يستطع موسى صبرا، ولكن حكمة الله في الأختبار، جعلت من تمثل العبد الصالح – (الخضر كما تذهب أليه أكثر المراجع الإسلامية) – لأوامر الله بالعمل على نقيض العدل والمنطق ليرى رد فعل موسى، على إمكان تَمَثُّل العالِم التقي بأفعال الشيطان، كما في قتله للغلام، فكيف يكون ذلك عدلاً والعدل يقول : لاقصاص قبل الجناية؟
ألا يدعوا ذلك للتساؤل: لم عاش هتلر وستالين وماو وصدام وفرانك…والخ؟
ولذلك ترى المفسرون يتوقفون عندها ويقرون بعدم إمكانية فهم حكمتها، والحق أن حكمتها واضحة لصراحة الله في طلب الأنسان بالتعقل والتفكر وعدم الإنخداع بالمظاهر والأقوال، وهذا مافعله موسى فأبى القبول، والرفض لأفعال الخضر، بالرغم من أعلميته وتزكيته من الله، فشأن العقل هام وكل عاقل يحاسب على أفعاله هو، والله يخاطب العقل والذي به سيعاقب وبه يثيب.

خرق السفينة:

لو كان خرق السفينة كمثال لقوله: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيراً لكم لوافقناه بتحفظ لوجود خيارات أفضل طالما هو بقوة الله يفعل مايريد.

بناء الجدار:

أما بناء الجدار على كنزٍ، فهو تدخل خارجي لصون الحقوق والكرامات الإنسانية، وهذا لايصح، إذ لانعلم لم لايتدخل بمانع ما لكنز النفط المنهوب بيد الظالم وأيداعه ليد العادل، في أفريقيا والعراق واليمن، والذي غالبية أناسه أيتام لاحول ولاقوة، فلو كنزه لهم لما مات اليوم الكثير منهم جوعاً؟ بل لماذا يطلب قرآنيا من البشر صيانة أموال اليتامى؟

لايجوز أن نعتبر بأن بعض الأفعال من الله، كَنَزَها لنا للمستقبل، فهذا يشير لعلمه بكل قصة الخلق وأعمال الإنسان قبل خلقه، وهنا يخرق الله قانونه العادل.

إن الأعذار الخضرية كخبر عن لسان الله جاءت، كتفاسير لأفعال لايعقلها المنطق، ويريد الله أن يفهمنا ويفهم موسى أن ليس كل تقي وعالم تراه هو ملاك، فالواقع فيه من الغرابة المنطقية بما يشيب الرأس، بما تتفق تماماً مانراه من أضغاث أحلام، لأنها تحزين حقيقي من الشيطان،كما يقول النبي محمد وحديثه مشهور:

الرؤيا ثلاث:

الهامٌ من الله
ثم..

تحزينٌ من الشيطان.

ثم…

مايحدثك في اليقظة فتراه في المنام.

ختماً:

نقول: أن الله عدل، يخلق الأنسان لا أفعاله، وخلق قوة الفعل لا الفعل ذاته ولا بدفع منه وإرادته، ولذلك الله بريء مما يزعمون من علمه عن فعل العبد قبل خلق العبد أو حصول تفكير العبد في الفعل .