23 ديسمبر، 2024 10:13 ص

بتوجيه من السيد الرئيس !!

بتوجيه من السيد الرئيس !!

في احدى مراجعاتي لأحدى الدوائر الخدمية في بغداد لفت نظري أن معظم غرف الدائرة لا يوجد لافتات تعريفية على جدرانها ليتسنى للمراجعين معرفة الغرفة المقصودة للمراجعة !! وقلت في نفسي أن التقشف وصل الى حد غير معقول ؟ ثم وصلت في نهاية ممر في تلك الدائرة واذا بقاطع المنيوم ذهبي اللون معمول بحرفية ليقطع الممر ويخفي ما وراءه وفيه باب يقف عليه رجال شداد غلاظ , مكتوب على جباههم ابتعد أو تقتل !!ورحت أتساءل في سري خوفا: من يا ترى يقبع خلف ذاك القاطع الذي يحرسه ثلة من اغلظ الرجال؟ أيكون هتلر أو الاسكندر الاكبر ؟ ثم نظرت الى عدة لافتات ملصقة على ذلك القاطع ففهمت أن السيد المدير العام وحاشيته هم من يقبعون خلف ذلك الباب المغلق ووجدت اكثر من خمس لافتات مخطوطة بماء الذهب معلقة على ذلك القاطع, كلها تشير الى تعظيم حضرة السيد المدير العام لجذب الانتباه , غير أن واحدة جذبت نظري مكتوب فيها : يمنع منعا باتا بأمر السيد المدير العام دخول المواطنين والموظفين الى غرفة المدير العام !! 
وكأن المدير العام غير مصدق أنه صار مديرا عاما ؟ فاذا لم يسمح للموظفين وللمواطنين فكيف سيعرف مشاكل دائرته ويمشى اشغال الناس؟ ثم هل هناك مخلوقات غير الناس يراجعون سيادته ؟ وفي مفارقة غريبة فقد منعت دولة مثل الامارات الابواب المغلقة ومنعت كذلك ان يكون للمدراء سكرتيرا أو حاجبا حتى يتسنى للمواطنين جميعا وباي وقت يشاءون الدخول مباشرة الى المدير لقضاء اعمالهم , ثم خرجت وأنا ألعن القاطع وبابه وشباكه واللافتات المكتوبة على زجاجه والعن (ساعة السودة ) التي صار فيها صاحبنا مديرا عاما!!.

ركبت السيارة ووصلت الى احد التقاطعات وسط المدينة واذا بغرفة صغيرة موضوعة على جانب التقاطع مخصصة ليقف فيها شرطي المرور ومكتوب على جدارها العلوى بخط عريض هدية السيد فلان الفلاني , وهو نفسه قائم مقام تلك المدينة !! وهنا طامة كبيرة أخرى , فكيف يفهم مسؤولينا المسؤولية وهم بهذا الافق الضيق من التفكير ؟ فلا يجوز للمسؤول أن يصور للناس ماهو من صميم عمله على انه منة وفضل منه على الناس , فهو لا ينفق من ماله الخاص على مرافق الدولة , ومن المعيب استخدام لغة المتفضل المترحم على مواطنيه وهو الذي من المفروض أن يعمل دون استغلال وظيفته للدعاية الرخيصة والفجة وبأسلوب يظهره على أنه مواطن استرالي يقوم بالتبرع من ماله لبناء مرفق في بلد من العالم الثالث مثل العراق ؟؟ متى يفهم أي مسؤول أن المسؤولية أمانة ثقيلة عليه أن يصونها لا أن يستغلها للتبجح والتبختر والتندر على ابناء جلدته , وعلى الدولة القضاء على هذه المظاهر الساذجة الرعناء. المهم قررت أن أعود أدراجي الى البيت وبعد أن ارتحت قليلا فتحت التلفاز لأشاهد الاخبار وأذا الخبر الاول يسرده المذيع بنفس الطريقة الرتيبة المملة التي تنفخ بالسيد المسؤول وتظهره على أنه المنقذ والمخلص الذي يتحلى بكل الصفات الخارقة وانه فقط يعيش لينقذ الاف الضحايا والابرياء من أبناء البلاد ثم استطرد المذيع بالخبر: قام السيد وزير ….. بأفتتاح مشروع تربية مئة دجاجة لأنتاج بيض بقشر ابيض وبصفار اصفر وبتوجيه مباشر من السيد رئيس الوزراء وبمتابعة ميدانية من السيد رئيس الجمهورية وبحضور السيد رئيس البرلمان !!! وكأنهم يفتتحون مشروع انتاج الطاقة النووية ليغذي كل البلاد بالكهرباء ؟

, اغلقت التلفاز وفتحت حسابي في الفيس بوك ليطالعني اول منشور فيه لأحد الاصدقاء : بأشراف مباشر من السيد رئيس الجامعة المحترم وبتوجيه مباشر من السيد العميد تم تشكيل لجنة من السادة التدريسيين فلان وفلان للذهاب الى الكلية ؟؟؟ , الكلية التى هم موظفون فيها اصلا, فأين الانجاز في ذلك؟ هل هم ذاهبون لتحرير الرقة والموصل من داعش مثلا ؟؟ لم الاصرار على التضخيم والتهويل في امور عادية لا تستوجب هذا كله ؟ لم لا نعمل بجد وبصمت دون هالة كاذبة تضخم وتمجد ابسط اعمالنا ؟ لم لا نجعل اعمالنا هي من تحكي عنا وتشير الى همتنا وتفانينا ؟ يجب أن نمتلك الوعي الكافي لنحارب هذه المظاهر الخداعة التي صارت اساليبا قديمة مكشوفة تدل على سطحية ونظرة قاصرة للامور وتستغبي المتلقي وتجعل المسؤول يستجدي رضا الناس عليه . يا سادة ارحمونا من فجاجتكم ورخص اساليبكم وتعلموا فلا عيب أن نتعلم كيف نتخلص من موروث الماضي الذي يبجل ويعظم كل ماله صلة بالقائد الضرورة الاوحد وبطلوا النفاق الرخيص المكشوف , لأن المنافقين في الدرك الاسفل من النار .

ملاحظة : كتبت هذا المقال من دون توجيه من السيد الرئيس ولا باشراف من السيد المدير العام ولا بتشجيع من السيد الوزير بل من تلافيف دماغي دون قيد أو شرط .