حتى الآن، أغلب استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة تشير الى تقدم واضح للسيد بايدن على منافسه الرئيس ترامب، ولكن لا داعي لأن يتفاجأ أحدكم، لو فاز الأخير بولاية ثانية، وهذا أكثر قليلاً من مجرد تخمين.
لنحلل إذن المسألة في إطارها العام، ولنقل أن ٦٠٪ ، وفقاً للإستطلاعات (يميلون) الى السيد بايدن و ٤٠٪، لمنافسه الرئيس ترامب، ولنمنح تلك المسألة ككل نسبة ٥٠٪ من التحليل ونمنح الجزء الذي سنُخضعه الى التحليل بعيداً عن استطلاعات الرأي نسبة ٥٠٪ أيضاً، ثم نجري في نهاية المطاف عملية حسابية بسيطة ونرى بماذا يمكن أن نخرج.
في هذا الجزء، سنتحدث عن أكثر أحداث السياستين الداخلية والخارجية للولايات المتحدة أهميةً في عهد السيد ترامب:
شهد الداخل الأمريكي عدداً من الأحداث خلال ولاية الرئيس ترامب كان أهمهن، مقتل السيد جورج فلويد وما تبعه من أحداث وتحول الولايات المتحدة الى البلد الأول في عدد الإصابات بجائحة COVID-19.
لو أمعنا النظر جيداً في قضية السيد فلويد التي أضرت نسبياً بموقف الرئيس ترامب، لوجدنا أن حوادث العنف المتعلقة بتطبيق القانون من الشرطة الأمريكية قد وقعت في مختلف العهود ولا تُعَد ظاهرةً مرتبطةً بإدارة الرئيس ترامب. طريقة التعبير عن الغضب التي أخذت مساراً عنيفاً من طرف المحتجين، ساهمت في خفض نسبة المتعاطفين مع تلك القضية وبطبيعة الحال كانت هناك مراجعة لتعليمات تطبيق القانون وضوابطه الإجرائية ومحاسبة قضائية ما تزال قائمة ضد الشرطي الذي تسبب بمقتل السيد فلويد. بكلمة أخرى السيد ترامب خسر نقطة وربح غيرها في حدود تلك المسألة.
ألقت جائحة كورونا بظلالها على الولايات المتحدة بقوة في عهد الرئيس ترامب وما تزال، لكن الصورة ليست كما تبدو من ظاهرها، فالسبب الرئيس للأرقام الكبيرة لعدد المصابين يعود الى أن الرئيس قرر أن تكون اختبارات الكشف عن الإصابة بالمرض مجانيةً ومتاحةً للجميع وهذا دفع ملايين الأمريكيين الى إجراء تلك الفحوصات وأدى بطبيعة الحال الى ظهور تلك الأعداد الكبيرة من الإصابات بمختلف مستوياتها. بالمحصلة، فإن نسب الإصابة الى نسب الشفاء الى نسب الوفيات الناجمة عن الجائحة في الولايات المتحدة، تقترب كثيراً، صعوداً أو نزولاً من نظيراتها في بقية دول العالم وأن الفارق في الحالة الأمريكية هي أن الأرقام هناك تبدو أكثر مصداقيةً مما تُعلن عنه دولٌ أخرى.
المعالجات الاقتصادية التي أقرها الرئيس ترامب لمواجهة الجائحة من دعم لقطاعات الاقتصاد والجهود العلمية لإنتاج مصل، وصولاً الى دعم دخل الفرد كانت ناجعة بوضوح وعليه يمكن في هذه المسألة أن يكون الرئيس ترامب قد خسر نقطة وربح نقطتين.
لنصف هنا مسألةً ثالثة حول الصراعات السياسية داخل الولايات المتحدة خلال عهد السيد ترامب وقد كانت كثيرة ولبعضها شبهة ارتباطات خارجية وهذه في الإجمال لم تكن في مصلحة الرئيس ويمكن أن نسجلها نقطةً ضد إدارته.
على صعيد السياسة الخارجية، تمكن السيد ترامب من تحقيق نقاط يمكن أن يساهمن في رفع رصيده الإنتخابي الى حد مقبول.
فقد حصلت الولايات المتحدة في عهد السيد ترامب على الكثير من الأموال الطائلة من دول الخليج التي دعمت الاقتصاد الأمريكي وهذه تسجل له.
استطاع أيضاً السيد ترامب أن يُربك السياسة الخارجية الإيرانية في الشرق الأوسط بوضوح وهذه نقطة لصالحه في الحسابات السياسية لبلاده.
التطبيع بين إسرائيل وعدد من دول الخليج يُسجل أيضاً لصالح إدارة الرئيس ترامب.
تهدئة الأجواء مع كوريا الشمالية كانت في صالح السيد ترامب، فقد تمكن على الأقل من خفض نسبة خطر قيام مواجهةٍ عسكرية مع ذلك البلد النووي.
الحقيقة أن الرئيس ترامب حقق، على عكس ما توقعه الجميع، الكثير من النجاحات على مستوى السياسة الخارجية، بإستثناء مسألة المواجهة الإقتصادية مع الصين التي تُعد المأخذ الرئيس على سياسته الخارجية.
هنا يحصل الرئيس ترامب، في حدود السياسة الخارجية على أربع نقاط لصالحه ونقطة واحدة ضده، ويحصل على ثلاث نقاط لصالحه وثلاث نقاط ضده في حدود سياسته الداخلية، ولو أجرينا حساباً رياضياً بسيطاً نجمع فيه كل ما تناولناه، فإن السيد ترامب يحصل على سبع نقاط لصالحه مقابل أربع نقاط ضده وتكون النسبة حينها ٦٣,٦٪ لصالح السيد ترامب.
وبهذه الحالة تكون نسبة فوز السيد ترامب بمواجهة منافسه السيد بايدن هي ٥١,٨٪.
هذه النسبة التي توصلت إليها ليست سوى مجرد إحتمال، ولكنها لا تستبعد إمكانية فوز السيد ترامب بولايةٍ ثانية على الرغم مما تشير إليه إستطلاعات الرأي حتى الآن التي يتقدم وفقهن السيد بايدن بوضوح على منافسه الرئيس ترامب.
فما الفيصل إذن في التنبؤ بالفائز؟ هنا لدي رأي شخصي، ففي تصوري أن للسياسة الخارجية الأمريكية دور لا يقل أهميةً عن دور السياسة الداخلية في رسم مسار الانتخابات في الولايات المتحدة. وأتصور أن ما بدأه ترامب في ملف السياسة الخارجية في الشرق الأوسط وتحديداً ما يتعلق بموضوع إيران والتطبيع العربي مع إسرائيل، سيلعب دوراً لا يمكن إغفاله في التأثير بمسار الإنتخابات الرئاسية عبر الناخب الأمريكي.
الأمر الذي لا أستطيع أن أقرأه بوضوح يكمن في الإجابة عن سؤال واحد وهو، هل أن منجزات الرئيس ترامب على صعيد السياسة الخارجية من النوع الذي يستدعي أن يستكملها هو بنفسه وفق أسلوبه في الإدارة، أم أنها من النوع الذي يمكن أن يُتممها رئيس أمريكي آخر حتى من الديمقراطيين؟
إن كان الجواب هو أن ما بدأه ترامب هو من يجب أن يُتمَّه، فعلينا هنا أن نرصد دور اللوبيات في عالم السياسة في الولايات المتحدة وأن نتوقع فوز الرجل بولايةٍ ثانية رغم كل شيء.