18 ديسمبر، 2024 11:07 ص

بانُوراما مِنْ تراجيديا الحَربِ وَالحِصار/ج 3 الأخير

بانُوراما مِنْ تراجيديا الحَربِ وَالحِصار/ج 3 الأخير

عِندَ غِيابِ ضَوءِ الشَّمس

تتقاسمُ بيوت الحارّاتِ

بِنظامٍ صَارمٍ الظَّلامِ الدّامس

لا يكادُ يفارقها ذُعر الخَوف

المتربّصَ خَلفَ الدّارِ وَالأسوار

الليل يطولُ فيه السُّهاد

فَتَتَناسلُ فيهِ الآمالَ وَالأوهام َوَالأَحلام  

بَيْنَ الحقُولِ الخَضراءِ وَالمَناجِلِ وَالسَّنابل

وَقطف ما نضج من الأثمار.

وَبَيْنَ ذلِ الفاقةِ وَأنينِ الشَّجن والحِرمَان

وَزغاريد وأغاني الأفراح بأعياد الصمود والنصر المبين

وأجملها وأكثرها طرباً وموسيقى فِي شهرِ نيسان

بمولديّ القائد وَالحزب القائد

تَمضِي سِّنينِ العُمر الواحدةَ تِلوَ الأخرى

مُسرعةً وَنَحنُ نَنحدرُ مِن حالٍ بائِسٍ يائِسٍ

إلى حالٍ أكثر يأساً وَأشد بؤساً وعوزاً

فيما الناس بهذهِ الصَّدماتِ المُروعة والمآسي المُستمرة  

كانتْ فرق التفتيش الدوليَّة

تجوبُ مَصانع وَقصور وَحصون القائد

السريَّة والعلنيَّة

فالبلاد عَلَى لائحةِ الارهاب

فلا يجوزُ أنْ يكونَ أمام اللجان

عوارض حاجزة أو أبواب موصدة

أعيننا بقلقٍ ترقبُ

كل شارة وواردة تصدر من

السَّفير السويدي الوسيم (رولف إيكيوس) (9)

بجولاته المكوكية التفتيشيَّة المستمرة

لنحلل حركات الجَسد المختال

هَلْ أبتسم ؟

هَلْ أقطبَ حاجبيه وَزَعل؟

هلْ صرحَ للصحافة أَم أمتنع عَنْ الكلام؟

فعليها تتحد في الأسواق

قِيمة الدِينار العراقي  بالدولار

مثلاً: إنْ زَعلَ وَ اقطبَ حاجبيه وَنسحب

فهذا دليل قاطع، إن قيمةَ الدينار ستهبطُ للحضيض.

في تلك الأوقات

منذ منتصف النصف الأول من التسعينات والحصار الجائر

يشددُ مِنْ طوقِ جوره

بدأ القائدُ بتنفيذ خطة جديدة

لفك الحصار للتخفيفِ مِنْ معاناةِ الشَّعب

فباشر بفريقِ كبير العددِ وَمتعددِ الخطط

لحملتهِ الإيمانيَّة

مبتداً بشعاراتٍ إيمانية

وَبمعاهدٍ دينيَّةٍ للقيادةِ الحزبيَّة

وَبمسابقاتٍ لمختلفِ التخصصات الفنيَّة وَالهندسية َوالمعمارية

لهندسةِ وَتصميم عددٍ مِنْ الجوامع الفاخرِة الكبيرة

وَفق أدق المعايير العلمية  

لم يمر وقت قصير على الحملة المباركة  

حتى زادت ألقاب القائد القباً جديدة

أبرزها  

(عبد الله المُؤمن)

(قائِدُ الجَمعِ المُؤمِن)

كنتُ في أشدِ حالات الاستغراب والشك

مَنْ حملة الرئيس الإيمانية

لماذا في مثل هذا التوقيت يعلن الرئيس حملته؟

فَهيَّ مخالفة صريحة واضحة

لأيدلوجية حزب البعث العلمانية المعلنة في مناهجه وكتبه

ودروس التربية الدينية وتحفيظ القرآن موجود وتدرس

فِي عمومِ مدارس البلاد

كنتُ أرصد تغيرات كبيرة طرأت على (أزياء) الناس

بدأ انتشار سريع للزَيّ الإسلامي النسائي

فِي الشارعِ والجامعات والمدارس والدوائر الحكومية

وانتشار أسرع لحجابِ الرأس (النسائي )

ارتداء الزَيّ الإسلامي (الوهابي) الدشداشة القصيرة وَالسروال الأبيض واللِحية

دورات إلزامية لدراسةِ القرآن وَالسنة النبوية لقادة حزب البعث

حملة نشطة كبيرة سخية

لبناءِ المراقدِ والمَسّاجد السِّنية

إدخال عقوبات شرعيَّة ( الحدود) كقطع اليد بالنصوص القانونية.

أسلمة العلم العراقي

إشهار إسلام قائد ومؤسس حزب البعث (ميشيل عفلق)المسيحي الأرثوذكسي

وإبدال أسمه بـ (أحمد ميشيل عفلق).

بدعمٍ سخيّ تم إعادة الحياة

للتيارات الصوفية وأوكلت المهمة

لنائبه الأول (عزة إبراهيم الدوري)

فازدهرت أيما ازدهار التكايا والمدارس والمعاهد الصوفية  

فيما أُغلقتْ مَقاصِف الأكل والشرب واللَّهو

وأوصدت أبواب الخمارات

وزادت القيود على المراكز الإجتماعية الترفيهية  

وَوَضعت تَحتَ عُيونِ العَسسِ الخاص

وَ نخبة خاصة مِنْ فدائيي صَّدام (10)

مَتاجر وَمَنافذ بَيع الخُمور

وَمنازل وَمواخير الدَّعارة

أقسى القصاص طالَ بائعات الهوى

فعُقوبَتُها باللحظةِ بضربِ الأَعناق(بحَدِّ السَّيفِ)

بدلَ الرَّجمِ بالحجارة.

كانَ هذا يتناقض مع وضع السّلطان (عبد الله المؤمن)

فهو في حالة حرب مستعرة

وللحروب قوانينها التي تَبتعدُ عن التقوى وَالرحمة والشفقة وَالصدق والعدل

ففيها الكثير من العنف وَالقسوة وَالتعسف وَالغطرسة

وَالنهب وَنكث العهود والمواثيق وَالمعاهدات

وَفيها الغدر وَالاستبداد

وَالمناورة وَالحيلة وَالخداع وَالدهاء وَالكذب وَغيرها

كانتْ مجموعة كبيرة مِن الأسئلة تكبر برأسي بدون أن أهتدي لجواب له

مِنْ أين جاءت للرئيس هذه الفكرة العبقريّة لقائد حركة سياسية علمانية ؟

هلْ يريد التكفير عمّا مرَ بالشعب والبلاد من أهول ودمار خلال فترة حكمه؟

هلْ يريد تخليد أسمه (كسَلاطين المُسلمين) بتشييد أبنية (مقدسة) شامخة مبهرة تبقى على مدى التاريخ ؟

هلْ الرئيس بحملته الايمانية يُمهد لأسلمةِ قوانين الدولة وَلو بَعْدَ حِين؟

هلْ هو تمهيد لتحويل البلدِ عَلَى المَدى البعيد وبالتدريج ليتقبل  نظام ثيوقراطي؟

هلْ أنتهى دور الأَحزاب القوميَّة العربيَّة في الساحة السياسيَّة ؟

لقد بانت نتائج الجرعة الكبيرة المكثفة من ( الدين)

في جسد الحزب سريعاً

وجاءت بتغيرات هائلة في عموم كيان النظام العراقي  

وَنَحنُ فَي خضمِّ أجواء الحَملة الإيمانيَّة

والحصار والبرد والظلام على أشدِ وَتيرة ضغطه

حكومَةُ بغداد ، تُعرقلُ وَتَعيقُ عَمل لِجانِ التفتيش الدوليَّة

هكذا جاء بتقرير رئِيسها (ريتشارد باتلر)

تَلبدتْ الأجواء بالتصعيد

تنذر بعدوانٍ (أمريكيّ بريطانيّ) جديد

فِي ليلةِ ممطرةٍ شديدة البرد غاب فيها القمر

فِي السادس عشر مِنْ ديسمبر 1998

دُكَتْ مُدن العراق

بصواريخٍ ذكية مِنْ قاذفات (بي 52) الإستراتيجية  

وبـ (400) صاروخ (توما هوك) ذات القدرة التدميريَّة الهائلة

استمرَ القَصف (4 أيام) متتالية

إنها عَملية (ثَعلب الصَحراء) التأديبيَّة .

طَويلة ثقيلة موجعة تمرُّ سنين الحِصار  

وَالنّاس فِي دوامتِها كالناعُورِ تَدور

بَيْنَ الفاقةِ وَالجورِ وَعَلَى المَكروه تَتَصَبر

وَتَرقب مُفاجآت القَدر

وَها هِيَ أحداها تَحلُ علينا

فِي أيلول 2000

باحتفالٍ مُهيبٍ مفاجيء

لتلفزيون جمهوريَّة العراق وقناة الشباب الفضائيَّة

(الأخ الأكبر) وهو يطيل النظر

بنسّخةٍ مبهرةٍ منْ كتاب (القرآن الكريم) بحجمٍ كبيٍر فَريد

خطتْ بأناملِ أمهر الخَطاطين

بِعدةِ (لترات)ٍ مِنْ دمِ القائد

وَوضعت كألواحٍ ماسّية

فِي مُتحف حَصين خصص لهذا الغرض

فِي مسجدِ (أُم المَعارك) الحَديث بعمارته

فيما البلاد والعباد كانت تغرق فِي لجةِ بحر

الفاقةِ وَالعوزِ وَالحرمان وَالضنك مِنْ شظف العيش  

كانَ يقالُ فِي الهَمسِ وِبِيْنَ المقربين

أنَّ القائد (مُنعكف فِي مخدعه) عَلَى كتابة

الروايات الدراميَّة، لا يعنيه أمر الرعيَّة.

ويشاع كذلك بين الناس أخبار أن (الأخ الأكبر)

منذ عام 1991 تجنب الاتصال بالهاتف

خوفاً من تمكين الأمريكان رصد المَكان المتواجد فيه واغتياله

وازداد وجله وذعره أكثر بعد إغتيال الرئيس (جوهر دادايف) عام 1996

بصاروخ مقاتلة روسية عَنْ بُعدٍ

بَعدَ رصد مكالمته الهاتفية.

فِي غيابِ القائد عَنْ التلفازِ بالخطاباتِ وَالتصريحات

كانَ عَرابُ الإعلام وَالدبلوماسية

(الصَحاف سَّعيد) يطلُ مِنْ الشاشة بوجههِ العابس  

وَهوَ يتلو خِطاباته المُتلفزة

بلغةٍ عربيَّة سَّليمة فَصيحة

لا ينفك فيها مِنْ الأفك وَالزَيف وَالتخدير وَالتحذير

وَهوَ يؤكدُ حًتميّة النَصر المؤزر للقائد

وَاندحار (العلوج) إنْ حَدثتْ المُنازلة.

كانت مئات الدعوات توزع في الخارج

لكل من يناصر صمود حكومة (بغداد) ضد الحصار

للأفرادِ وَالشركاتِ وِالأحزاب العربية والأجنبية

وللإطلاع عن كثبٍ على الأوضاع

كانت الوفود تتقاطر لزيارة البلد

ومن كلا الجنسين.

للعلم

كانتْ جميع نفقات الزيارة عَلَى خزائِن مال الشعب

ويأخذ الزائر الكريم معه

ملايين الدولارات هدايا وهبات

أطلق عليها فِي الإعلام أسم (الكابونات)

أقيام لملايين مِنْ براميلِ النفط

الصحف فِي (عَمان) تفضح احدى البرلمانيات

الاردنيات بعد أن تسربت اخبار

انتفاخ رصيد حسابها بالبنوك

بملايين الدولارات من هبات الكابونات

اضحك بمرارة وأنا اشاهدُ في التلفاز

الآلف مِنْ (المغتربين العراقيين)

وَهم بأبهى أناقتهم

بعطورهم الباريسيَّة الأخاذة

قد جاؤوا بمحضِ أرادتهم

لزيارةِ وتفقد أهوال نتائج ضغط الحصار

وإلى أيّ مدى وَصل الصبر وَالدمار

بالطبع كانتْ بطاقات السَّفر وَالإقامة

فِي فنادق الخمسة نجوم

والحفلات الراقصة

وزيارة المراقد الدينيَّة والأماكن الأثريَّة

كجنائن بابل وزقورتي (أور) و(عكركوف)

حسابها مدفوع لهم من خزائِن العراق

كانت أعداد  المدعوين تزداد بشكل ملحوظ

أيام المهرجانات الثقافية والفنية

مثل مهرجان بابل الدولي للفنون

لكن للأمانة والإنصاف

أحد المغتربين العراقيين مِنْ الصحفيين

وكذلك أحد السياسيين العرب

دونا بمذكراتهم الشخصية أثناء الزيارة وقائع حقيقية عنْ أحول بغداد أقتطع منها:

– الشوارعُ وَالأزقة فِي (بغداد) تغرقُ بالأزبال وَالأوحال وَتعاني مِنْ الإهمال.

– لَمْ تزلْ الناس وَالصحف تتحدث بفخرٍ عَنْ قصفِ العراق لـ (تل أبيب) وَمفاعل (ديمونا النووي) بصواريخ (سكود) نوع ( الحسين والحجارة السجيل).

– سَّماعُ سُعال الأطفال فِي الأزقة القديمة الرطبة لمدينة (بغداد) مؤلم يعصر القلوب.

– كثيراً مِنْ عمالِ (المساطر) يتناولون لفات (الفلافل) مِنْ عربات تبيع عَلَى قارعةِ الطريق.

– ازدحامٌ وَتدافع فِي (المستشفيات الحكومية) وكثرة بالأمراض وَشحة بالدواء.

– الخدمة الفندقية فِي فندق (ميليا منصور) جيدة جداً

– أسواقُ (الشورجة) مزدحمة صاخبة تعجُ بحركةِ الناس، عامرة ببضاعتها خصوصاً (الكرزات، البهارات، الحناء، الخريط ، الشموع، القناديل النفطية – الفوانيس واللمبات – علكة الماء،عطر ماء الورد، وليف الغسيل للحمام)

– الحِصةُ الغذائيَّة التي توزعها الدولة (شبه مجاناً) لجميع العوائل العراقيَّة كانتْ متنوعة وممتازة جداً.

– ( عَرق العصريَّة ) الانتاج العراقي الأصيل لَمْ يزلْ نوعيَّة فاخرة وَسعره رخيص.

– حصلت على نسخة من رواية (زبيبة والملك / لكاتبها ) هدية من مسؤول عراقي كبير

– التقطت صورة بجانب تمثال كبير الحجم للقائد (صدام حسين) في نفس مكان (الجندي المجهول) القديم بساحة الفردوس.

– فيما كتب كاتب وَفنان بمذكراته ( زرتُ أبن أُختي بدارهِ ببغداد فاستقبلني أبن أختي وزوجته وَطفلته بالأحضان و أقام ليَّ عزيمة باذخة، ويسكي نوعية فاخرة و(بط)- وز- عراقي محمص، وَلمْ ينسَ أن يدون فرحَ وَسعادة طفلتهم البكر الصغيرة عندما قَدمَ لها (هَديّة) عشرة دولارات أميركية كادت أن تطيرَ مِن الفرِح، بَعْدَ السهرة عدتُ لغرفتِي فِي فندق منصور ميليا.

خِلال سنين الحصار

نَفَذَتْ السُّلطة القابضة عَلَى الرِّقاب

حُكم الموت عَلَى آلاف العراقيين

مِنْ العسكريَّين وَالمَدَنيّين

اللِيبراليين وَالمُتدينين

مِنْ كِلا الجِنسيَّين

بالجُملةِ وَالمفرق

بحبَّالِ الشَّنقِ

أَو الرمِّي بالرَّصّاص

أَو تقديمهم كوَجبات طعامٍ طازجٍ نابضٍ بالحياة

لفِرقِ الكلابِ المَسعورة

أَو يُبعثُونَ لأِهلِهم (جُثَثٌ) بصنادِيقٍ مُقفلة

وَالسبب تهمة التفكير أو التخطيط لإنقلاب عسكري

أو التحريض ضد رأس النظام

فيما غصتْ السجون بآلاف أُخرى مِنْ المعتقلين العراقيين

خلال هذه السنين العجاف

كانتْ ( ظاهرة عُديّ) الابن البكر للقائد

قد أصبحتْ  كالنارِ عَلَى عَلم

فِي السّطوةِ وَالبَطشِ وَالقتل والتنكيل

أنه كيان لدولة مستقلة ذات سلطات مطلقة

في إطار دولتنا البولسيَّة الإيمانيَّة

فله مطلق اليد بإدارة العديد من مفاصل الدولة وإعلامها وأمنها

له واردات التجارة منلسجائر والخمور وتهريب النفط)

وَهو رئيساً اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية

رئيساً لاتحاد الكرة العراقي

رئساً لنقابة الصحفيين العراقيين

المسؤول عن منظمة (فدائيي صدام) المرعبة

أسس جريدة (بابل) الناطقة بسياسته

أسس مجموعة قنوات  الشباب التلفزيونية والتي تعمل على مدار اليوم

أسس العدد من السجون في الرضوانية واللجنة الأولمبية

باتت أسم (عدي) لنْ يقل رعباً عن اسم (ناظم كزار)

وسجونه لا تقل وحشية عن (قصر النهاية) سيء الصيت.

بسرية تامة بالخفاء وأغلبها بالهمس

تتناقلُ أفواه الناس وَهي تَرتعدُ مِنْ الهلع

أَخبار الحصار والجوع والوجع

وَما يدور مِنْ كلامٍ لمفسرين الأحلام

والعرافين بطالع النجوم والأبراج فِي الفضاء

عن ماذا ينبأ قادم الزمن

كثيراً من التنبؤات المقربة من دهاليز المؤتمرات والمؤامرات

التي تعقد برعاية (العم سام وشريكه أبو ناجي)

بالسِّر وَالعلن كانتْ تتنبأ

بعاصفةٍ مُرعبةٍ ستنطلق

مِنْ البحرِ وَالصحراءِ وَالسَّماء

فيها: الفَرج القريب

سيصاحبها هرج أكيد

وَاضطراب بالأمن

فيما نبوءة أخرى

كشفَ النقاب عَنْ حساب طالعها

أكدت إنَّ هجوماً كبيراً وَشِيك

كأنها تعلم بالقدر والمصير

وباتت كلما تتقدم إلى الأمام الأيام

يكون الطالع أسوأ

رغم كنوز الخير الوفير، التي تزخر بها البلاد

لكن الخوف من الفوضى الخلاقة

أن عمَ  انتشارها (ستشرعن)  بقانون مضطرب

وهي أُسٌ يؤسس للفساد وَالخراب

والكثير منهم حذر بالعلن والاحتجاج

وبالتلميح بالغمز واللمز

لاختلافهم  فِي تفسِير مَعنى الهجوم المُرتقب

هَلِ هوِ تَحرير أَم غَزو أَم احتلال؟

والخوف من احتمال إنه

سيكثر المَوت وتنصب المأتم  بالمفرقِ وَالجملة

وتتفاقم الأزمات والأحزان

وينتشر الانتقام و الجهل والإملاق والجريمة والسراق

فيما كانت تنتشر كالنار في الهشيم

أغنية (قاسم السلطان)

(ألما عنده مين يجيب يا خلك الله)

كلمات الشاعر الغنائي الجريء المتمرد الصعلوك النبيل( طالب السوداني)

معبرة عَنْ حالِ الشَّعب المغلوب عَلَى أمره

بعد أن اضحى الراتب الشهري للموظف (3000) دينار، يعادل دولاراً واحداً في السوق

ويعادل طبقة بيض واحدة فقط

والراتب الشهري للموظف المتقاعد (500) دينار، ربع دولار

يشتري بقيمته علبة واحدة من (السجائر) نوع أسبين  

في خريف أيلول /  2001

بَعْدِ أكثر مِنْ (عشرة سنوات) مِنْ ذلِ حصارٍ جائرٍ مرعبٍ

عشتُ كل وَيلات وأوجاع مآسيه

وتَحتَ سطوة سيف جور واستبداد سّلطة غاشمة دمويَّة ظالمة

قررت الهجرة لخارج البلاد بلا رجعة

لا أريدُ أنْ تَستمر كل حياتي بهذا الوَضع المقلق المزري

حبيس بسجن بسورين محكمين (سور صدام والحصار الأممي)

ولا احبُ  لأولادي أن يبقى دليلهم للمستقبل فِي يدِ ذات (الغراب)

الذي حولَ أجمل ما مَوجود فِي البلادِ إلى يَباب.

أحرقتُ كل مراكبي  

فَبعتُ كل ما أملك بأبخسِ الأَثمان

دارُ سَكننا، أثاث بيتنا، سيارتي

متجري بما أحتوى مِنْ اثاثٍ وَذهب وَفضة.

بعيونٍ باكيةٍ وقلوبٍ كسيرةٍ يعصرها الألم

وَدَعنا الأَهل وَالأحباب مغادرين (بغداد) إلى المَجهول

أنَا وَعائلتي وَحقائبنا حَشرنا أنفسنا جَميعاً بسيارةِ أجرة نوع (جمسي)

وَأَنَا أُغادِرُ بغصةِ ألمٍ كبيرةٍ

حَملتُ بسويداءِ قَلبِي أَجمل نَّهرين

وَبيدي غصن آس ألوح به

لِعينيّ أُمِّي الغارقتين بالدَمع

فيما راحتْ روحي تَنشدُ

طوالَ الطَّريق البَعيد المُقفرِ  

أعذّبُ مواويلِ الآسى

مَحطتنا الأولى كانتْ عاصِمة الأَرن/عَمان

كنا نَسير فِي طرقاتها

كسربِ يمامٍ مهيض الأجنحة

لا صحب وَلا أهل وَلا خلان

لا نَعرفُ بأي مَكان فِي المعمورة

ستقذفنا السَّماء.

فَي العاصِمَةِ (عَمان) فَتحتُ فَمِيّ وَعَينايَّ مُندهشاً

عَلَى عالمِ الهاتِف النَّقال وَالإنتريت وَ القنوات الفضائيَّة

وَمحلات بيع الكتب والصحف

ومكتبة (عَبد الحَمِيد شُومان)

وَهيَ تَضمُ بطوابقها المُتعددة وَقاعاتها الفارهة

آلاف الكتب وَالمراجع وَالمجلات وَالجَرائد والدوريات

وَالحاسبات الإلكترونية.

وتُقامُ فيها عَلَى مدارِ العامِ

الندوات الفكريَّة وَالثقافيَّة وَالسياسيَّة

سررتُ بِها غايّة السّرور

كالظمآنِ وَالجائِع النَّهم رُحتُ أترددُ عَليها

ألتهم الكتب وَالمقالات وَالتقارير وَالدراسات

وَهي تعيدني للحياةِ وَالأمل

بشحنةٍ متدفقةٍ مِنْ المَعرفة

التي حُجبتْ كلياً عَنا فِي العراق  

وَأدوِّن فِي دفترِ مذكراتِي شيئاً عِنْ مآسِ ما مضى

وعن ما سوفَ يحلُ فِي قادمِ الأيام.

فِي مكتبةِ (عبد الحميد شومان) اتقيت صديقاً حميماً ليَّ

وَتكرَّر اللقاء عدة مَراتٍ

كانَ أغلبُ حديثنا فِي تلك اللقاءات عِنْ حدثٍ صادمٍ ساخِن  

تداعيات تَفجيرات (الحادي عَشر مِنْ سبتمبر 2001 )

ونظريَّة المؤامرة فِي صنعِ مثل هكذا حدث

قال لي صديقي:

(قرأت الكثير عَنْ نظريات المؤامرة أنواعها وانماطها

والتي بدأت تُسيطر عَلَى مُعظم خارطة عقلي

وَبتُ عَلَى يقين لا يُخالطه الشك

إنه نَفس قطار (العم سام)

الذي جاءَ بـ علي صالح السعدي وشلته في 8 شباط 1963

رُكب مجدداً

لكن هذه المرة لغزوِ الكويت

نفس القطار الذي قَصمَ ظهر العراق فِي الثامن مِنْ شباط

سيقصمُ ظهرَ (أمة الضاد) بغزوة الكويت

وَبشرعنةِ دخولِ القوات الأجنبية وهيمنة وجودها

وأضاف بانفعالٍ وبدنه يَرتجف:

{لردحٍ مِنْ الزمنِ سيبقى سر حقيقة فِيلم غزو وَتحرير الكويت

مُبهماً مُحيراً دَفيناً يثير الريبة وَالشك}

مئاتٌ مِنْ الصحفِ وَوكالات الأَنباء وَالفضائيات

تبثُ عَلَى مَدارِ اليوم

اخبار مقلقة مفزعة

وهي ترسم صوراً لسيناريوهات قاتمة

لحشودِ جيوشٍ مدمرةٍ هائلة

محملة بالشرِ تحكم طوقها

مِنْ البرِ وَالبَحرِ وَالسَّماء

لإسقاطِ حكومةِ بَغداد

لكونها أضحتْ ابرزُ دول محور الشر

{جورج بوش و توني بلير يُبلغان صدام حسين أن وقته أنتهى }

{فِي 17 آذار 2003 الرئيس الأمريكي (جورج بوش) بخطاب للشعب الأمريكي والعالم

يوجه إنذارا نهائياً للرئيس العراقي صدام حسين يأمره بالتنحي عن الحكم ومغادرة بغداد هو ونجليه

في غضون 48 ساعة أو إعلان الحرب}

وزير خارجية العراق (ناجي صبري) سارع برفض الإنذار الأمريكي وقال {إن أي طفل في العراق يعرف أن الإنذار الذي وجهه بوش لن يجدي نفعاَ}

لا أَحد يعرف ماذا تخبأ الأحداث القادمة

وَلا ما يحتويه البرنامج الجديد للغزاة

فجميع الخطط  والأهداف والأغراض

فِي (جعبة العَم سام وشَريكه أبو ناجي)

يسير منقاداً تَحتَ أمرتهم فَريق كبير مِنْ عراقيي الخارج

يضمُ مجاميع متنوعة أحزاب علمانيَّة وَإسلاميَّة وَقوميَّة

وشخصيات مِنْ السياسيين الجدد وَالمخضرمين

مِنْ الدهاقنة وَالطارئين

وجوق كبير العدد

مِنْ المطبلين وَوعاظ السَّلاطين مِنْ الأفنديَّة والمعممين

الخاتمة :

كرةُ الثلجِ تَتَدَحرَجُ وَتَكبر

بشكلٍ مخيفٍ

بِغايّةِ الحُزنِ

كنتْ أَرقبُ المَشهد

كضحيةٍ وَشاهد

لفترةِ طويلةٍ مِنْ حُكمٍ مُرعبٍ أشبه بحمامِ دمٍ

ذَات مساء بَسَطتُ عَلَى منضدةٍ أَمامي

رقعةٌ حَمراء كدمِ الحَمامِ المُراق فِي ربوع العراق

وبدأتُ أنقش  قولاً أو حكمةً

يقالُ إنها للعلامةِ الذائع الصيت أبن خَلدون

وَبخطِ الثلثِ دَونتها

تَقولُ الحكمةُ : {الطُغاة يَجلبون الغُزاة}

كَتبتَها وَأَنا اردد مِعَ نَفسي بِصوتٍ مَسموع

القول المأثور

{دَوامُ الحالِ مِنْ المُحالِّ}

لَمْ تزلْ قروح الجروح تَنبِضُ بالوَجَع

وَغَزيرُ الدَّمعِ تَسكُبهُ العُيونُ

كأَنَّ دائِراتِ المَنون

قَدْ خطت عَليك يا عراق

أَن تَبقى بَيْن شقَّي الرَّحَى تَدور

كتبت في مالمو /مملكة السويد 2021

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9) كارل رولف اكيوس : من مواليد 1935 دبلوماسي سويدي، عمل للفترة (1991 -1997) رئيساً للجنة الأممالمتحدة الخاصة المعينة بالعراق، بعد حرب الخليج الثانية لمراقبة نزع اسلحة العراق وتدميرها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (687).

خلفه بالمنصب كرئيس الدبلوماسي الأسترالي ريتشارد باتلر من مواليد 1942.

(10) فدائيو صدام: هي قوة عسكرية تابعة لحزب البعث والرئيس العراقي السابق صدام حسين ، لم تكن جزءاً من الجيش العراقي، بل ترتبط برئاسة الجمهورية مباشرة،وكانت قيادتها يتبعون أوامر من الرئيس صدام حسين بواسطة أبنه عُديّ صدام حسين المشرف على هذه القوات، ولم تكن بحوزتهم أسلحة ثقيلة، ولكن كانوا يعتبرون أنهم موالون بشدة للرئيس العراقي، وقد تطوع فيها الكثير من العراقيين والعرب،وكانت تتمتع هذه الفرقة بتدريب عالي.

تأسس فدائيو صدام باقتراح من عُديّ صدام حسين وبإشرافه بتاريخ( 7 تشرين االأول 1994م ) وكان عددها انذاك يقارب من (10000)إلى (25000) فرد.

الجزء الأول على الرابط ادناه

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=6301128366626261&id=100001874801825

الجزء الثاني على الرابط ادناه

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=6335859053153192&id=100001874801825