كنت اشغل كعادتي الرَحلة رقم 50 وأجلس في الصفوف الخلفية .. في خانة الشوادي كما يحلو للبغداديين ان يسموها، فدخل مدرس اللغة العربية الاستاذ (حمد) وهو عابس الوجه، مقطب الجبين، ونظر الينا شزرا ثم قال بالفارسية (حيفست عرب آب تشرين خورند) فعقدت الدهشة السنتنا، إذ كيف يتسنى لمن حفظ المعلقات السبع ودواوين المتنبي، والبحتري، والمعري، وابن الرومي، وأبو تمام، ومتون الاجرومية، وقطر الندى، وألفية بن مالك عن ظهر قلب أن يقول مثل هذا الكلام غير المفهوم.
وكيف يجرؤ من أفنى عمره بتدريس النحو، والصرف، والبلاغة، والأدب ان يستهل درسه للغة العربية بعبارة أعجمية؟! وقبل ان ننبس ببنت شفة قال: (اتعلمون ما الذي تعنيه العبارة؟ أتدرون من الذي قالها؟ قالها احد المهربين الايرانيين ممن دأبوا على ادخال الحشيشة والترياق وكواتم الصوت، والعبوات اللاصقة، والعملات المزورة، والادوية المغشوشة، والاغذية الفاسدة الى العراق، واستبدالها بالنفط والغاز والفوسفات والكبريت، والاثار التي لا تقدر بثمن، على حين غفلة من حماة الذمار و.. ربما بعلمهم بعد ان شرب من نهر دجلة في تشرين قبل ان تعكر صفوه الاكدار، وقبل ان تخالطه الاقذار، وقبل ان تغلق روافده الازهار –زهرتا النيل والشمبلان- فقال قولته الذي ذهبت مثلا (حيفست عرب آب تشرين خورند)، أي (حرام على العرب ان تشرب ماء تشرين)، ولو صدقت الانباء التي تناقلتها وسائل الاعلام قبل ايام والتي تحدثت عن التعاقد مع الفي مدرس ايراني للتدريس في العراق بدلا من الكفاءات المحلية التي تم اقصاؤها او تهجيرها او اعتقالها او اغتيالها على مدار ثماني سنين مقابل 3000 دولار لكل استاذ –ساخت ايران- أزعم انه لا يجيد العربية ولا يحبها، وبما انني مدرس كهل وطنت نفسي على حب الوطن لذا فأنا لا ابرئ نفسي من الاقصاء والتهميش، ومن المداهمة والتفتيش، ثم امسك بقطعة التباشير وكتب على السبورة (خسئت أمة نحن رجالها)، ثم طلب من كل واحد منا ان يعبر عن وجهة نظره فيما كتب.
– أجاب محمد: خسئنا لأن عائدات نفطنا تتراوح بين 6 – 8 مليار دولار شهريا وعدد فقرائنا يبلغ عشرة ملايين.
– فيصل: بل خسئنا لان واردات بلادنا تبلغ 136 تريليون دولار سنويا مما يعادل 4000 دولار لكل فرد، و20 الف دولار لكل عائلة سنويا، ونصف الشعب يسكن في بيوت مسـتأجرة تفتقر لالى أدنى مقومات الحياة الكريمة.
– ياسر: خسئنا لأننا انفقنا 50 مليون دولار لاعادة تأهيل فندق الشيراتون استعدادا للقمة العربية المرتقبة في بغداد مع ان بناء شيراتون جديد بأرقى المواصفات لا يكلف سوى 18 مليون دولار.
– سلوان: خسئنا لأننا سفكنا دماء بعضنا بعضا ظلما وعدوانا، وأذكر ان عدد الجثث مجهولة الهوية التي عثر عليها بالقرب من مكبات النفايات في العشر الاواخر من شهر رمضان سنة 2007 وصلت الى 100 جثة في بغداد وحدها يوميا.
– حسين: لأننا والعياذ بالله واحد من الشعوب القلائل التي تسب الله ورسوله وآل بيته وأصحابه جهارا نهارا وسط قهقهات الحضور وبهجتهم.
– ماجد: لأننا دابنا على قذف المحصنات الغافلات المؤمنات وسب الآباء والامهات، والطعن في اعراض العمات والخالات، حتى بات ذلك عرفا لدى كبارنا قبل الصغار.
– سعد: لأننا الشعب الوحيد في العالم الذي استقبل المحتلين الاشرار بالزغاريد والازهار.
– عدي: لأننا اوكلنا مهمة حراسة 12 الف موقع اثاري لـ1200 حارس فقط لا غير، مقابل 250 دولارا شهريا لكل منهم، فسرقت اثارنا جملة وتفصيلا.
– قلت: كل ما تفضل به زملائي صحيح 100%، وأضيف خسئنا لأننا من اكثر الشعوب تصفيقا وتهليلا وتطبيلا وتزميرا للحكام بحضرتهم، ومن اكثر الشعوب شتما وسبا للحكام بغيابهم، يصدق فينا قول قائلهم (بالوجه مراية وبالكفا سلاية).
ركل باب الصف بقوة ودخلت مجموعة ترتدي البزات العسكرية المرقطة، فأعتقلوا الاستاذ (حمد) ومعه عشرات الطلبة .. صاح حمد وهو معصوب العينين مقيد اليدين تنزف الدماء من انفه وفمه واذنيه: (أولادي أضيفوا نقطة اخرى قولوا فيها على لساني: لأننا قوم لا نعطي للحرم الجامعي مكانته ولانحترم الاساتذة والعلماء)، فلطمه احد افراد المجموعة المهاجمة لطمة افقدته الوعي، ثم اخذ يهتف: بالطيق والطاق نفديك يا عراق .. ردد هتافه بقية افراد المجموعة المهاجمة بعربية ركيكة: بالتيك والتاك .. نفديك يا اراك.