22 نوفمبر، 2024 11:02 ص
Search
Close this search box.

بالأمس إغتيلت نينوى الحدباء … وغداً سَتغتال أختها بابِل الفيحاء

بالأمس إغتيلت نينوى الحدباء … وغداً سَتغتال أختها بابِل الفيحاء

إيماناً مِنا أنَّ مِنْ أعظمِ مصائب الأمم والشعوب هو غِيابُ الوعي التأريخي وما يَزيدُ الطين بِلَّة عُزوف قسمٌ كبيرٌ من الجيلِ الناشئ عنِ المطالعة ومحاولة سبر أغوار تَداعياتِ الأحداثِ ومحاولة فهمِ وإستيعاب ما جرى وسيجري وما سيؤول إليه الحال ، وما يُزيدُ الأمر سوءاً هو المعاناة من ضياع إتجاه البوصلة حتى أصبح المحتلُ هو المُحَرِرُ وأضحى الغازيِ هو الفاتِح وأمسى الخائنُ هو المُخَلِّص والهجينُ الدخيلُ هو مَنْ يتسيد المشهد بعد أن إختلطَ الحابِلُ بالنابلِ وتشابكت الخيوط فأصبح الغَزْلُ أنكاثاً فإدلَهَمَ الخطبُ وعَظُمَتْ الرزِية وتداعت الأحداثُ مِثلَ كُرَةِ الثلج في ظِل قتامة المنظر وسوداويةِ الأيام لذا كان لِزاماً أن نَضَعَ بعض النقاطَ على الحروف ونُحاول تأصيل الأمور مع بيانٍ بأنَّ الأمم لن تنسى ثأرها طال الزمان أمْ قَصُرْ وسنحاول عسى أن نُسهمَ في إزالة الغبش عَنِ العُيون .
أولاً . الأمَمُ والشُعُوبُ لا تَنْسَى ثأرها :
في زيارتي إلى معالي السفير الفلسطيني في بغداد السيد أحمد عقل وتنقلي بين أروقة مكتبة السفارة ومطالعتي لبعض الكتبُ القَيِّمة التي وقعت بين يدي أثار حفيظتي تركيز دعاة الصهيونية إهتمامهم (وأنا هنا أنقل مما قرأت من كتب اليهود) بإعادة بناء دولتهم في فلسطين لما يصلهم بها مِنْ عواطِف الدين والتأريخ ، ولما لهذه الصِلة الروحية والنفسية مِنْ قوة في تركيز جهود اليهود نحو تحقيق هذا الهدف المثالي ، وهذا الحلم الأخاذ ، وما أفعل في النفس مِن إستخدام المواثيق التي إمتلأت بها التوراة ، والتي عقدها الرب “يهوه” مع بني إسرائيل في أن يعطيهم ويورثُهم إلى الأبد أرض كنعان بل ” الأرض مِن نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفُرات ” لكي يخدموا بهذا الحق الإلهي في أرض فلسطين مطمعاً إستعمارياً صاغه دُعاة الصهيونية لينقِذوا دماء إخوانهم في العصبية والدِين ، بإهراقِ دماء العرب مِنْ غير اليهود …!!!
وفي كتابٍ آخر أنقل أشجانهم عِبر الزمن … حيثُ بَكىَ شُعراءُ اليهود فِلسطين بَعدَ أن سَباهم تابو خد ناصر “نبو خذ نصّر” وقادهم إلى بابل سنة 586 ق. م بقولهم :
” عَلى أنهارِ بابل جَلسنا وبكينا عندما تَذكرنا صهيون ، على الصفصاف في وسطها عَلقّنا أعوادنا ، لأن الّذين أسرونا طلبوا مِنّا أن نُرَنِم لَهُم مِنْ تَرنيمات صهيون …كيف نُرنِم ترنيمةُ الربِ في أرضٍ غريبة ، إِنْ نسيتُك يا أروشليم تنسى يميني ، يا بِنْت بابِل طوبى لِمن يُجازِيك جزاءك الّذي جَزَيتِنا ” .
ثانِياً : اليبوسيون هُمْ بُناة القُدْس الأوائِل :
يُعتَبَر اليبوسيون بُناة القُدس الأوائل ، وقد كانوا رهطاً من بطون العَرَبْ الأولين الذين نزحوا مِنْ شُبهِ جزيرة العرب معَ مَنْ نَزَح مِنْ القبائل الكنعانية وإستوطنوا أرضَ فلسطين ، وقد عُرِفَت القُدس بإسم (يبوس) نسبةً إلى سكانها اليبوسيين ويرجعُ إسمَ يبوس إلى جدهم الأكبر (يبوس) () حيثُ يعود تأريخ نشأة القُدس إلى حوالي 3000 ق.م ، وقد بنى اليبوسيون بقيادة ملكهم “ملكي صادق” مدينة القدس ، وقد ورد في سفر التكوين أنَّ مدينة أورشليم وملكي صادق ملك أور ساليم أخرج خبزاً وخمراً وكان كاهناً لله العلي ، وفي مرحلة لاحقة أطلق اليبوسيون على مدينتهم إسم ” أورساليم” وهي تعني مدينة السلام أو مدينة الإله ساليم نسبةً إلى سالم إله السلام عندهم وكان ملكي صادق هو ملك مدينة القدس طبقاً لروايات التوارة (سفر التكوين الإصحاح الرابع عشر الآية 18) .
كانت ديانة اليبوسيين مزيجٌ من العقائِد الساميّة والحورية ، وقد حكم اليبوسيون القُدس للفترة الممتدة من 2600 ق.م لغاية 1049 ق.م ، وقد ورد أنَّ اليبوسيين شعب سامي كنعاني من جنوب بلاد الشام خلال الألف الثالث ق.م ، كانوا يقطنون في منطقة القدس فقط ، إستقروا في المنطقة لمدةٍ طويلةٍ حتى وصول بني إسرائيل في القرن الثاني عشر ق.م، وقد قاوموا الغزو الإسرائيلي بشراسةٍ إلى أن تمكن بنو إسرائيل من السيطرة على المدينة سنة 1049 ق.م ، وهكذا إستولى الإسرائيليون على المدينة بقيادة الملك داوود ، وقد تكرر أكثر من مرة في كتاب العهد القديم بأنَّ اليبوسيين هم سُكانُ أورشاليم الأصليين وأنهم لم يتركوا أرضهم أبداً مثلما تَذكُر بعض الإدعاءات بأنه عندما دخل الملك داوود إلى مدينة يبوس هرب منها أهلها وتشتتوا في بلاد الشام ، فقد ذكرات التوراة أنهم ظلوا يسكنون أورشاليم حتى عصر داوود ( سفر يشوع الإصحاح الخامس عشر الآية 63) .
وقد ورد في سفر القضاة ما يلي : وأمّا اليبوسيون الساكنون في أورشليم فلم يقدر بنو يهوذا على طردهم فسكن اليبوسيون في أورشليم إلى هذا اليوم ؛ وبناءاً على ما تقدم فإنَّ العرب اليبوسيون هم أهل القُدس وهم بُناتها ولم يتمكن الإسرائيليون من طرد اليبوسيين من مدينة أورشاليم بل إضطروا إن يشاركوهم في سكن مدينتهم وإندمجوا معهم بل وتناسبوا فيما بينهم (سفر القضاة الإصحاح الأول الآية 21).
ثالثِاً : عَدم إستتباب الأمن في القُدس :
لقد كان شاؤول أول ملك على اليهودية للفترة (1035 – 1015) ق.م ، ثم تبعه الملك داوود “عليه السلام” (1015 – 975) ق.م ، أعقبه الملك سليمان “عليه السلام” (975 – 935) ق.م ، بعد وفاة الملك سليمان (935) ق.م إنقسمت المملكة إلى مملكتين وكما يلي :
1 . المملكة الجنوبية : وتدعى يهوذا وعاصمتها أورشليم ولقد ملك عليها من سنة (935 – 586) ق.م عشرون ملكاً كلهم من عشيرة داوود (ماعدا) الملك (أخزيا بن يهورام) إذ كانت أمه بنت عمري ملك إسرائيل .
2 . المملكة الشمالية : وتدعى إسرائيل وعاصمتها السامرة وكان هذا القسم عشرة أسباط وأول ملك عليها هو (يربعام) وقد عصفت بالمملكتين صراعات مريرة دامت أكثر من مائتي عام (935 – 721) ق.م .
دخل داوود القُدس حوالي الألف قبل الميلاد دون أن يتمكن من إنتزاع أهلها اليبوسيين وقد شَهِدتْ هذه الفترة تجاذُباتٍ وحروبٍ داخلية وصراعات مع المحيط الكنعاني ، ولقد دام حُكم (إسرائيل) 209 سنوات للفترة (931 – 722) ق.م ، ودام حُكم (يهوذا) 245 سنة للفترة (931 – 686) ق.م ، ومن المُرَجَح أن الكنعانيين قد إستنجدوا بأقربائهم من العموريين الذين كانوا قد أقاموا دولاً قوية في بلاد الرافدين ….
” البقية في الجزء الثاني والثالث “

أحدث المقالات