23 ديسمبر، 2024 8:17 م

باقلاء العروبة !!

باقلاء العروبة !!

عندما تعاظم هدير المد الثوري القومي منذ مطالع خمسينيات القرن الماضي وما بعدها, متزامناً مع رواج كاسح ساحق ماحق للإقبال على أكل «الباجة  وانطلاقاً من مبادئ الإخوة بين العرب وارتكازاً على اليقين الإيماني المطلق بالمسار والمصير وبكل أنواع الشربت والعصير , وبكل ما جرى وصار أو سيصير  وصولاً إلى قطف ثمار الوحدة العربية المنشودة, تآخى واختلط وامتزج المثقفون المنظرون بكل أطياف الطبقة الكادحة من عربنجية  وحمالين  واشقيائية وما يعادلهم من الفَعَلَة والكَسَبَة الميامين. واستطاع ما سُمِّيَ بتيار الباجه  الديمقراطي  أن يستقطب المثقفين بالانضمام  في صميم الحالة الشعبية ومشاركتها حبها وشغفها وانحيازها إلى الباجة  ومفاعيلها الهضمية  على الأصعدة كافة!
أمام هذا الوضع وكعادة «الحركات الوطنية» وحتمية انقساماتها في البلاد المتخلفة! فقد برزت جماعة جديدة انشقت عن الحركة الأم, وكوَّنت لنفسها هيكلية حديثة, ففتحت «دكاناً» لبيع باقلاء بالدهن الحر   تحت عنوان باقلاء العروبة   وذلك بهدف ضرب نواة البنية التحتية  للفكر الباججي وتصدُّر الساحة النضالية وامتلاك كل أدواتها وإلقاء القبض على ما تقبضه الحركة الأم من إعانات ومساعدات وخلافه!
وهكذا تم افتتاح أول قدر (جدر) ضمن دكان  ضفاف دجلة حيث احتل مرجل  الباقلاء العملاق كل مساحة  الدكان , مما أدى إلى استحداث ما يسمى طبكه  مرتفعة فوق الدكان يصل إليها الزبون عبر سلم خشبي يمر بمحاذاة المرجل صعوداً. وكان النظام أن يدفع الزبون عشر فلوس  ثم يأخذ وجبته المنمقة والمزوقة  بالخبز والدهن وبيض فوقها,مرتفعا بها إلى أعالي البناء .
ازدهر المحل, ولم يبقَ أحد من الثوريين إلا وانتفخ   كثيرا  من الباقلاء وتعلم من ألف بائه, تاريخ الأمة المجيد, حيث تظهر وتتجلَّى بفعل الدهن الحر مساوئ الاستعمار والامبريالية والصهيونية.
وفي صباح يوم شتائي بارد, دخل إلى الدكان أحد الرفاق الاشقيائية ويدعى عجاوي  وهو منتعل كيوه  حياكه ممزقة الطراك قياس خاص  وبعد أن دفع 10 فلوس اخذ صحنه  وصعد به السلم الخشبي. وما إن وَصَلَ الى ما قبل الدرجة الأخيرة, حتى فَلَتَتْ من قدمه ­ أعزَّك الله ­ فردة الكيوه , وسقطت غارقة في مرجل الباقلاء المملوء مياها وباقلاء
ولجميل الصدف ومحاسن الحظ, لم يلحظ أحد من طابور الزبائن ما جرى, الطباخ  الذي على القدر  الذي يصب بالمغرفة في الصحون ! وبالطبع السيد عجاوي  الذي لم يكمل صعوده الميمون إلى الطبكه  فقفل راجعاً متراجعاً مطالباً بفرد الكيوه التي لفها وطواها بحر مياه الباقلاء  العميق المتلاطم!
وبرغم محاولة التغليس  التي قام بها الطباخ  ابرد العشرة فلوس  المدفوعة إلى الرفيق عجاوي , والهمس في أذنه بإعطائه فردة الكيوه  فيما بعد, ريثما ينزل منسوب مياه الباقلاء  في المرجل  ويكون قد باع كمية كبيرة منها, إلا أن الرفيق المناضل عجاو ي  رفض العرض وأصر بعناد ثوري  ­ كما علمُّوه ­ على انتشالها  واسترجاعها مهما كلف الأمر وغلت التضحيات!

على إثر ذلك علا الصراخ وانفضحت الأمور وانكشف الموضوع بأكمله, وأُسقط في يد الطباخ  الذي أمسك بعنف المغرفة الخشبية الضخمة وحرَّكها بهيجان وعصبية في أنحاء المرجل  مع سيل من الشتائم والاتهامات  والتخوينات بأن هناك مؤامرة واختراق من قبل جماعة الباجه  انتشل بعدها الفرد  أمام الجمهور المتفاجئ وهي تعج بحبوب الباقلاء  العروبية وقدمها غاضباً على رأس المغرفة إلى السيد عجاوي .

هنا قال السيد عجاوي  «حرِّك المغرفة من جديد  فهذه ليست كيوتي !!!

أيها القارئ العزيز هل تعلم أنه بعد باقلاء  الكيوات  هذه عادت كل الجماهير وبكثافة إلى أكل الباجه  الديمقراطية