19 ديسمبر، 2024 3:15 ص

باطل مُشتهَر : لماذا سلمان من آل البيت

باطل مُشتهَر : لماذا سلمان من آل البيت

حديث طالما ردده العديد من أهل العلم والدعاة والخطباء والوعاظ ، ، تسمعه في المساجد والمحافل الدينية ، والندوات ودروس الوعظ والارشاد ، فاذا تحدثوا عن التقوى وأن الله يرفع بالتقوى أقواما، استشهدوا بهذا الحديث ، واذا تحدثوا عن الأخوة الأنسانية وأن لا فرق بين عربي وأعجمي ، احتجوا به، وان كان الكلام عن الصحابي الجليل سلمان الفارسي ، ساقوا هذا الحديث في فضائلة حتى أصبح الحديث معروفا ومشتهرا على السنة نسبة كبيرة من الناس. وطبعا ليس كل ما اشتهر بين الناس صحيح.
هذا الحديث هو ما نُسب الى النبي (صلى الله عليه وسلم) قوله : (سلمان منّا آل البيت).
فما صحة هذا الحديث؟ وهل ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ؟ وماهي المناسبة؟ وكيف ولماذا إستحق سلمان هذا الفضل والشرف العظيم؟.
الحديث رواه إبن سعد في الطبقات ( 4/ 82- 83) والطبراني في الكبير (6/261) وأبو نعيم في أخبار أصبهان ( 1/ 54) ، والبيهقي في الدلائل ( 3/ 418) ، والطبري في تفسيره ( 21/ 85) والحاكم في المستدرك (3/598) ، من طريق كثير بن عبد الله المزني ، عن أبيه ، عن جده : أن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) خط الخندق عام حرب الأحزاب ،… فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا، فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي ، (وكان رجلاً قوياً) ، فقال المهاجرون : سلمان منا ، وقالت الأنصار: سلمان منا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (سلمان منا آل البيت).
1- سند الحديث ضعيف وقد ضعفه جمهور اهل الحديث والعلم القدماء أمثال ابن معين والشافعي وابو داود والامام احمد والدرقطني وابو حاتم والنسائي وابن حبان وغيرهم كتير، وضعفه المعاصرون أمثال العلامة الشيخ الألباني.
فالحديث ساقط ولا يصح الإستشهاد به أو روايته لعلة ضعف الرواة، فأحد رواته مثلا، كثير بن عبد الله المزني: رفض جمهور أهل العلم الرواية عنه ووصفوه بأقذع الصفات فقالوا عنه: انه ركن من اركان الكذب، وانه يضع الحديث، وانه متروك، وليس بثقة ، وغير ذلك من الصفات القادحة. وللحديث طرق أخرى ، وكلها مشتركة في ضعف السند. وسنناقش هنا بالإضافة الى ضعف ألسند، مدلولات المتن، ودواعيه ، كي نتبين بطلان هذا الحديث وزيفه.
2- متن الحديث يشير الى المناسبة : بمعنى إنه كان في معرض حفر الخندق استعداداً لحرب ألأحزاب ، وبما ان الحديث غير صحيح باعتبار ضعف السند، وإن أي قول عن النبي (صلى الله عليه وسلم) يجب ان يكون بالسند الصحيح الخالي من العلة ، فهذا يجرنا للحديث عن باطل مُشتهَر آخر يرتبط بصحة مشورة سلمان الفارسي على النبي (صلى الله عليه وسلم) في حفر الخندق، وهذا سيكون هو الموضوع التالي ، وسيكون تحت عنوان (باطل مُشتهَر : لستَ صاحب الفكرة ياسلمان!).
3- كل الصحابة لهم فضائل ومكارم وهم يتفاوتون بين مقل ومكثر ، وسلمان الفارسي (رضي الله عنه) أحد الصحابة ألأجلاء الذين لهم من الفضائل الشيء الكثير، لا أحد يستطيع إنكار ذلك ، ولكن عادة ماتكون الفضيلة نابعة من صفة حسنة يتصف بها الموصوف أو من خلال موقف استثنائي أو دائم يقوم به الشخص، في رضى الله ونصرة الدين، فيحضى بتلك الفضيلة والتكريم بمعنى انه لا بد ان يكون هنالك مبرر يقتضي هذا التكريم والفضل في القضية المُعيّنة ، فمثلا أبو بكر لقّب بالصديق (وهي صفة فضيلة وشرف) لحقته لأنه صدق بالنبي (صلى الله عليه وسلم) من أول لحظة، في وقت كان الشك والكفر بالنبي هو السائد. ولقب الناس عمر بالفاروق لأنه أعلن بالإسلام، والناس يومئذٍ يخفونه، ففرّق بين الحقّ والباطل وخرجوا في صفين يجهرون بالاسلام في مكة. ولقب عثمان بذي النورين لزواجه برقية وأم كلثوم بنتي النبي (صلى الله عليه وسلم)، وهكذا القول في: أبو تراب، سيف الله المسلول، ذات النطاقين، خادم الرسول، سيد الشهداء، سيد شباب أهل الجنة، شاعر الرسول، وأمين هذه الأمة، …الخ .
والسؤال الذي يوجه الى من يعتقد بمضمون هذا الحديث الذي لا يصح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ياتُرى ماهي الدواعي أو ألإعتبارات أو الامتيازات أوالصفات أوالمواقف المحددة التي من أجلها نال سلمان فضيلة ان يكون من آل البيت؟ إذ لا بد ان يكون هنالك من رابط يستوجب به أن يكون من آل البيت، وهذا السؤال ليس انتقاصًا من قدر الصحابي الجليل فنحن نحبه ونجله ونترضى عنه، ولكن لأن الترويج لهذا الحديث بالذات (المشكوك بصحته) قد يستتبعه ويترتب على الايمان به قبول وتمرير أمر آخر خطير يمس الدين ، ويمس آل البيت ويطعن على وجه خاص في الزهراء وعلي (رضي الله عنهما) ، كما سنوضحه في الفقرة رقم (6) أدناه.
أ- ويبقى السؤال : هل حظي بهذا الشرف والفضيلة : لأنه أشار (ان صحت الرواية!!) بحفر الخندق !. فهذه على أي حال فكرة (خطة) من الأفكار الحربية، وجب على من له معرفة او إطلاع أو خبرة في شؤون الحرب ان يدلي بها، فمصلحة الجميع تقتضي ذلك ، وقد أدى واجبه، والناس بحاجة في تلك الفترة لأي فكرة حربية تدفع عنهم شر الحرب القادمة اليهم، فان كان سلمان قد أشار بهذه الفكرة واستحسنها النبي (صلى الله عليه وسلم) فقد اشار غيره في مواقع اخرى وفي ظروف ضاغطة شديدة القساوة كذلك، بافكار حربية وعسكرية لا تقل اهمية في الدفاع وحماية المسلمين عن مشورة سلمان، مثل مشورة الحباب بن المنذر بن الجموح حين أشار على النبي (صلى الله عليه وسلم) بتغيير منزله يوم بدر في ظرف شديد الحرج ويواجه فيه جمهرة المسلمين آنذاك ألإستئصال التام، بحيث كان يدعو فيه النبي(صلى الله عليه وسلم) وهو رافعا يديه الى الله وينادي “اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض”
ب- هل حظي بهذا الشرف لأنه ليس من أهل الجزيرة ولانسب له مميز، فوجب رعايته بشيء يزيد على إخوانه من المسلمين!. فهذا غير منطقي لأن غيره كذلك ليسوا من أهل الجزيرة وأنسابهم مغمورة، أمثال بلال الحبشي وصهيب الرومي، وعداس ووحشي…. فلماذا سلمان بالذات وليس ألآخرين؟
ج- هل لأنه كان عبدًا والاسلام جاء ليرفع شأن العبيد ويجعلهم احرار فرفع شأنه بهذا النسب الشريف!. ولكن العبيد الذين حررهم ألاسلام غير سلمان كثير، لماذا لا يطالهم ما طال سلمان.
د- أم لا هذا ولا ذاك، وانما فقط لأجل أنه من بلاد فارس فينبغي ان تضفى عليه الهالة وألقدسية؟!، فإن كان هذا هو المقصد، فهذا كاف لإثارة الريب والشك في الحديث وواضعيه.
4- صاهر النبي(صلى الله عليه وسلم) ابو بكر وعمر وعثمان، وصاهر ابو العاص بن الربيع في زواجه بزينب والذي يشترك معها في النسب ايضا، فهو ابن خالتها ، ولم يقل أحدٌ عن أحدٍ منهم أنهم من أهل البيت مع انهم أولى بهذه المقولة من سلمان الفارسي، لاشتراكهم بالمصاهرة أو بالنسب أو بهما معا.
5 – كيف يستسيغ البعض ، منطق إخراج أزواجه (صلى الله عليه وسلم) من مفهوم آل بيته وهم الاقرب اليه والأعلم بحاله وشؤونه، وإدخال سلمان الفارسي في آل ألبيت بدلا منهم. فهذا منطق عجيب وغريب. ومخالفة صريحة للقرآن الكريم في أن أزواجه من أهل بيته!
6- أرى إن الذين وضعوا الحديث وروجوا لسلمان الفارسي انه من آل البيت، تقدموا خطوة أخرى تالية في صناعة الكذب، وبنوا على ماتقدم، فدسّوا حديثا آخر هو انكى وابشع وأخطر من ألأول، انها عملية ترويض لك أيها المسلم، وتجريعك السم أيها المسلم بالتدريج ، يا من تسمع من المعمم وتصدق دون ان تناقش، يا من لا تتأمل ولا تسأل عن الدليل!!. فما دمت قد صدقت بالخطوة ألأولى (الكذبة الأولى) فعليك ان تصدق بخطوتهم التالية ( الكذبة التالية). فما دام قد صدقنا ان سلمان من آل البيت، إذًا فليدخل سلمان على فاطمة (رضي الله عنها) متى شاء، وبغياب علي (رضي الله عنه) فلا بأس بذلك ولا مانع، فعلي يرضى بذلك بل هو الذي يرسله الى بيت فاطمة (حاشاه). وفاطمة (رضي الله عنها) تشتاق لمجالسته (حاشاها من هذا الهراء)، وتأمل هذه الرواية من كتاب بحار الانوار للمجلسي: (م43 ص61) وهي كذلك مبثوثة في العديد من المراجع والكتب، بل وموجودة حتى على موقع (مركز ألأبحاث العقائدية)، وألذي يقال أنه مدعوم من المرجع السيستاني، ولم يجد مركز ألأبحاث العقائدية في دلالة هذه ألرواية ومضمونها ما يخدش الزهراء أو علي. وتأمل اخي المسلم هل كان يمكن أن تمرر وتسرب الى الكتب مثل هذه ألرواية لو لم يزعموا ان سلمان من آل البيت:
((عن عبدالله بن سلمان الفارسي, عن أبيه قال : خرجت من منزلي يوما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه واله بعشرة أيام فلقيني علي بن أبي طالب عليه السلام ابن عم الرسول محمد صلى الله عليه واله فقال لي : يا سلمان جفوتنا بعد رسول الله صلى الله عليه واله, فقلت : حبيبي أبا الحسن مثلكم لا يجفي غير أن حزني على رسول الله صلى الله عليه واله طال فهو الذي منعني من زيارتكم, فقال عليه السلام : يا سلمان ائت منزل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله فانها إليك مشتاقة تريد أن تتحفك بتحفة قد اتحفت بها من الجنة, قلت لعلي عليه السلام, قد اتحفت فاطمة عليها السلام بشئ من الجنة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قال : نعم بالامس . قال سلمان الفارسي : فهرولت إلى منزل فاطمة عليها السلام بنت محمد صلى الله عليه واله, فإذا هي جالسة وعليها قطعة عباء إذا خمرت رأسها انجلى ساقها وإذا غطت ساقها انكشف رأسها, فلما نظرت إلي اعتجرت ثم قالت : يا سلمان جفوتني بعد وفاة أبي صلى الله عليه واله قلت : حبيبتي أأجفاكم ؟ قالت : فمه اجلس واعقل ما أقول لك…الخ)). بحار الانوار للمجلسي: (م43 ص61)
هذه الرواية مزيفة ومتهافتة المضمون ولا تقبل لا عقلا ولاشرعا ولا منطقا. والتساؤلات التالية توضح هذا الزيف:
أ- هل حزن المحب لفقدان حبيبه عشرة أيام يُعَدّ طويلا؟. بل فقدان من هو أعز عليك من نفسك وامك وابيك وولدك والناس أجمعين!. فكيف يقول سلمان 🙁 حزني على رسول الله صلى الله عليه واله طال). وكأنه يستكثر المدة أو يستكثر ألحزن. اليس من البدهي ان يطول الحزن على رسول الله اكثر من هذه المدة؟.
ب- كيف يرسل علي (رضي الله عنه) سلمان الفارسي (رضي الله عنه) ليدخل بغيابه على بنت رسول الله؟.كيف يصدر هذا من علي حتى لو إفترضنا ان عليا قال عن سلمان (إنه أعز صديق لي، وبمثابة أخي ، ومن أهل بيتي). هل يفعل هذا أحد ذا مروءة مع آخر حتى ولو كان أعز ألأصدقاءه؟ هل نسي علي ألأحكام الشرعية المانعة!.
ج- كيف تقول الزهراء (رضي الله عنها) إنها مشتاقة لرجل غريب عنها، ليس هو زوجها ولا ابوها ولا أخوها ولا إبنها؟. وكيف تشتاق لسلمان الفارسي ولم يمض على وفاة ابيها سوى عشرة أيام ، اين حزنها وشوقها لأبيها وتوجعها عليه الذي يغطي على شوقها لاي محبوب آخر.
د- كيف لا يستطيع علي (رضي الله عنه) ان يوفر للزهراء الملبس المناسب وقد تجاوز الناس يوم ذاك المرحلة الأقتصادية العصيبة التي كانوا يجدونها بداية الدعوة في المدينة، واصبحت الحياة بعد فتح مكة اكثر يسراً؟. اليس تصويرها بهذه الذلة، إهانة لها (رضي الله عنها وارضاها). ملبس غير ساتر، (إذا خمرت رأسها انجلى ساقها وإذا غطت ساقها انكشف رأسها).
هـ- كيف ابيح لسلمان ان ينظر الى رأس وساق الزهراء؟ وأن يُحدّث بذلك ولا يَستر؟. أين التقوى وغض البصر والستر.
ح- أين، ومتى، كان سلمان يلتقي بالزهراء ويزورها سابقا لتقول له: (جفوتني)؟.
ط- كيف يعقل ان يخاطب سلمان سيدة غريبة عنه بقول: (حبيبتي)؟ وكيف تقبل ألزهراء هذا منه؟.
ي- هل يعقل ان عليا (رضي الله عنه) يعلم بكل ذلك ويرضى به (حاشاه وهو الغيور على الزهراء من عود ألآراك)؟.
هل هذه الألفاظ في هذا الحديث (المكذوب) ترضيك يامسلم يامن تدعي محبة آل البيت؟ هل هكذا يهان ويعبث بآل البيت، وبالسيرة العطرة للصحابي الجليل سلمان الفارسي؟ هل ترضى أنت مثل هذا الأمر على نفسك وزوجك لو كنت مكان علي ؟. لماذا لا يستنكر المراجع هذه الرواية وسواها مما هو أسوء منها مما هو مبثوث في المصادر والمراجع ألأصلية؟ لماذا لا يردون عليها بكتب ومؤلفات ومحاضرات؟. لماذا لا يحذرون الناس منها ويكشفون بطلانها وزيفها وكيف دسّت في تاريخنا؟ وما القصد منها؟، لماذا اشار البعض على استحياء في المواقع الألكترونية، بأن سند الرواية لا يخلو من شيء من الضعف أو الخدش (وواضح ان التعبير لتخفيف الشناعة)، في الوقت الذي يمرر ويبرر المضمون في الموقع، ولايستنكر ولا يحذر منه ولايضرب به عرض الحائط؟.
7- حين يكون النص مخالفا للنصوص الشرعية في الكتاب والسنة ، فهذا كاف لبطلانه ولا حاجة لمراجعة السند أو المتن. إن الفخر بالانساب والاحساب من عمل الجاهلية. وإن شرف الإنسان هو في انتسابه للإسلام،هذا ما جاء به هذا الدين ، وليس الى نسبه وحسبه وقبيلته، وعلى أي حال، فقد ورد في ألأخبار (ولا أفترض الصحة في هذا الخبر) انه إجتمع الناس يفتخرون بأنسابهم، كل منهم بحسبه وبقبيلته وبأصله، وكان بينهم سلمان (رضي الله عنه)، فهذا قال: أنا ابن كذا، وأنا ابن كذا فقيل: يا سلمان! انتسب، فقال:[لا أعرف لي أباً في الإسلام، ولكني سلمان ابن الإسلام]. نعم إنه سلمان بن الإسلام، ان كان قالها فقد صدق، فالفخر كل الفخر بالانتساب للإسلام، وصدق الشاعر ألاموي نهار بن توسعة اليشكري (رضي الله عنه) يوم أنشد:
(أبي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ)
وقد تشرف سلمان الفارسي (رضي الله عنه) بالإسلام فلا ينقصه شرف ليضفى عليه شرف آل البيت تمحلا. ويجب أن لا ننسى ان الإسلام جاء لإلغاء التفاخر بالأنساب والأحساب والقبائل، وانما المعوّل عليه هو العمل ، كما قال (صلى الله عليه وسلم): (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) وكما وجّه ابنته ألزهراء بقوله: (يا فاطمة بنت محمد إعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا).

أحدث المقالات

أحدث المقالات