الخدمات الصحية والتمتع بالصحة البدنية والعقلية والنفسية في العراق حقا مكفولا و منصوص عليه في دستور البلاد لعلم 2005 وهو حق ألزمته مواد قانون الصحة العامة رقم 89 لسنة 1980 ، ولكن واقع التمتع بهذا الحق صوريا وغير معمول به لا حاليا ولا قبل سنوات وعقود ، فالقطاع الصحي الحكومي لم يصمم لتقديم الخدمات الصحية الكاملة لعموم المواطنين ، ومن أدلة ذلك ما تشهده مراكز رعاية الصحة الأولية من واقع ملموس فعدد وانتشار وسعة وموارد هذه المراكز المنتشرة في المحافظات مصممة بشكل محدود جدا لخدمة عدد السكان في سبعينات او ثمانينات القرن الماضي ، ورغم زيادة عدد العاملين فيها لحد الازدحام إلا إنها لم تشهد ما يناسب الزيادة السكانية والامتداد الجغرافي وتنوع الاحتياجات ومن ما تحتاجه من موارد وأجهزة ومستلزمات ، فاغلبها لم تطور او تتوسع بالشكل المطلوب ولم تجري عليها تحسينات إلا بعض أعمال الصبغ والترميمات ، وقد أضيف هما لمراجعيها من الأمومة والطفولة وكبار السن حين ألغيت المراجعة لها بالمجان منذ شهور ، والغطاء ألسريري في المستشفيات الحكومية في العراق لا يناسب 45 مليون في العراق لا بموجب مؤشرات التخطيط الوطنية المحلية ولا بموجب معايير و برامج WHO ، ومنذ 1985 ولحد اليوم لم تنشأ مستشفيات عدا تحويل بعض المستوصفات إلى مستشفيات صغيرة والبشرى السارة بافتتاح مستشفى الشعب في بغداد ، والموازنات المخصصة للصحة لا تواكب الطلب على الخدمات الصحية بشقيها الوقائي والعلاجي لا من قريب ولا من بعيد ، وكل ما جرى من أعمال تحت عنوان تطوير الخدمات الصحية هو مجرد ترقيعات ولا ترقى للمستوى المطلوب قط فالمسالة تنموية وتحتاج للكثير في الإنفاق والاستثمار.
وفي خضم القصور والتقصير في توفير ما يحتاجه الإنسان من خدمات صحية فإننا نلمس انعدام النظام في تقديم الخدمات الصحية ، فالمواطن حين يحتاج الخدمات العلاجية لا يحميه نظام معين في المراجعة او الاحالة او تامين ما تتطلبه الحالات ، فالمريض له عدة خيارات منها الحصول على الخدمات العلاجية من خلال مراجعة المراكز الصحية او المستشفيات الحكومية او الأهلية او السفر للعلاج خارج العراق ، وهذه الخيارات ليست متاحة للجميع لأنها تتطلب قدرا معينا من الأموال لا تتوفر لدى العموم ، وفي الوقت الذي يفترض فيه أن تكون الخدمات مجانية في المستشفيات الحكومية إلا أنها ليست كذلك في واقع الحال ، فعلى المواطن أيا كان أن يدفع 4000 دينار ( عدا استثناءات محدودة جدا ) كأجور ( دخولية ) للمراجعة للمستشفيات الحكومية وحين يظن إن هذا المبلغ سيغطي ما يحتاج إليه فانه يصطدم ببعض العقبات ، فالمحظوظ هو من يستطيع الحصول على خدمات التشخيص في ( الأشعة ، السونار ، الايكو ، الرنين ، والمفراس وغيرها ) بالمجان ، فحسب ما يقولون إن لكل طبيب استشاري عددا محدودا من المرضى للفحص المجاني والباقين أما أن يبقوا لأسابيع في الانتظار او يقبلوا بدفع أجورها ب ( الخاص ) ، كما إن إجراء العمليات فيها خيارات فأما انتظار ( البنج ) لأشهر او أسابيع او القبول بعرض الطبيب في إجرائها في ( الخاص ) لقاء أجور أثناء الدوام او القبول بإحالتها للمستشفيات الأهلية .
وعند البحث عن ماهية الفحص او العمليات الجراحية في الخاص ، فانك تجد إنها خدعة في التسمية لا غير ، فالخاص يجري في نفس المستشفى ويتم من قبل نفس الطبيب ، والكوادر التي تعمل في الخاص تتقاضى رواتب ومخصصات من العام كما إن الفحوصات والأجهزة والبنايات هي نفسها للعام ولكن الفرق بينهما إن هذا مجاني في العام والآخر لقاء مبالغ في الخاص ، والخاص بمفهومه الدقيق يتعلق بالخدمات المرتبطة بدائرة العيادات الطبية الشعبية التي ترتبط بوزارة الصحة ووزيرها ، فلأن هذه الدائرة تعمل بالتمويل الذاتي فإنها تستحوذ على مقدرات المستشفيات الحكومية من خلال تخصيص جزءا من إمكانياتها من الأسرة والفحوصات ويدفع مبالغها المواطنون من باب الاضطرار لا غير لان الأصل في المستشفيات الحكومية أن تكون مجانية وما يحصل هو ازدواج في تقديم الخدمات ، والواجبات الأساسية لهذه الدائرة في المستشفيات توزيع نسبة من إيراداتها على العاملين الذين يسوقون خدماتها ( وهم موظفون بالأساس ) وتوفير بعض المواد والمستلزمات التي تحتاجها المستشفيات وتعجز عن توفيرها من خلال تخصصيها في الموازنات ، والنتيجة في كثير من الاحيان إن المريض يدفع لكي يحصل على علاجه في بازار المستشفيات الحكومية وليس بالمجان .
ولا يتوقف واقع معظم المستشفيات الحكومية عند هذا الحد ، فمن المألوف جدا أن لا يحصل المواطن على ما يحتاجه من الأدوية ففي الكثير من الحالات تصرف لهم ثلاثة أنواع ( آيتمات ) وبما يكفيه لعدد محدود من ألأيام ، وإذا احتاج لأكثر من ذلك فأما يراجع ثانية او يشتري ما يتبقى من علاجه من الصيدليات خارج المستشفيات ، وفي العديد من الحالات والأحيان يتم إبلاغ المريض بان دوائه كلا او جزءا لا يتوفر في المستشفى وعليه شراءه من خارجها من الصيدليات ، وكثير من المواطنين يشكون من إن الأدوية الموصوفة لهم فيها اشتراط لأسماء وماركات تخص شركات معينة مما يضطر المواطن لبذل جهود مضنية لشرائها بأسعار مرتفعة الاثمان ، وبعض المراجعين يجدون إن الأدوية التي يستلموها من المستشفيات لا تعادل قيمة ( الباص ) بمبلغ 4000 دينار خاصة عند شعورهم أنهم لم يحظوا بتوقعاتهم من الفحص والتشخيص ، وتلك الحالة موجودة عندما تكون عيون الأطباء متجهة نحو القلم لكتابة العلاج دون إجراء برتوكول الفحص المطلوب ( وهنا الحديث عن حالات وليس الأعمام ) ، ومن المؤسف حقا إن هناك ظاهرة باتت تنتشر هنا او هناك وهي قيام ( بعض ) الأطباء بتوزيع ( كارتات ) خاصة بعياداتهم للمراجعة إليها بعد الدوام ، وتتم العملية وكان المستشفى بازار حيث يعلمون المراجع بان حالته تستوجب المراجعة إليهم خلال عدد من الأيام وإلا تعرض لمضاعفات ومثل تلك الحالات مألوفة من زمان ولكنها لم تكن تتم من قبل الطبيب ، وحرصا من عدم إطالة حجم المقالة ، فان الحديث عن القطاع الطبي الأهلي وما تجري فيه من معاملات او ممارسات سنتركها لموضوع قادم إن شاء الله ، والغاية الأساسية من كل الكلمات هو لتصحيح المسارات ومعالجة اختلالها هنا او هناك دون إنكار الجهود المخلصة التي تبذل لتقديم الخدمات الصحية في البلاد على وفق الامكانيات .