لعل أحلى ما تابعت هذه الأيام هي الدعايات الانتخابية , فكل يعرض صفته و بضاعته بطريقة مختلفة , فبعضهم يكتب واصفا نفسه بالأستاذ وآخر بالمربي واحدهم بالأستاذ الجامعي , وهو لم ينجز بحثا واحدا ولا يعرف طريقة البحث وحتى انه لا يحمل أي مؤهل يخوله لكي يدخل التدريس الجامعي, فضلا عن الأستاذية , أما البضاعة فمرة الكفاءة وأخرى التغيير والثالثة النزاهة والرابعة الإبداع , ويصف القائمة التي هو فيها بأوصاف أقلها إنها ستحقق ما لم تحققه كل القوائم السابقة في كل أعوام التجربة الديمقراطية في العراق .
ومع استخدام صيغة الجمع في التحدث عن نفسه , تكتمل صورة (السوبرمان )العراقي الذي سيغير كل الأحداث وينهي جميع المشاكل ويحقق عدالة ما بعدها عدالة , وتصبح اليابان والسويد وبريطانيا من أشد المعجبين بهذه التجربة الفذة فيما لو فاز المرشح صاحب الدعاية, وسيتحول دخل العراق من دخل أحادي يعتمد تماما على النفط إلى إجمالي دخل قومي يعتمد بالأساس على كثرة طلبة العالم القادمين لدراسة التجربة العراقية معجزة القرن الواحد والعشرين في بلد يتحول من كتابنا وكتابكم التي يتداولها المعتمدون ولا يبوحون بها لأصحابها من المواطنين إلا بالورق الأحمر.
وبعد أشهر من المراجعات للتأكد من صحة الصدور إلى دولة تعتمد الحوسبة في كل شيء ,وتمشي معاملة تسجيل السيارة والبيت والضرائب والتعيينات بمجرد الضغط على أزرار الحاسبات ,بل مجرد لمس شاشة الايفون والكالكسي والايباد , وحتى حقوق المواطنين تصلهم في مواعيدها وبعدالة فائقة فليس هناك من يستلم راتب الرعاية الاجتماعية وخمسة من أبناء بيته وهو موظف , ولا من يستلم قطعة أرض كل عدد من السنين ولا يستطيع أحد أن يزور سندات الملكية , وأيضا ليس هناك من هو بلا سكن ولا دخل وليس هناك من يتعمد أن لا يعمل ويأخذ رواتب الفصل السياسي وهو ممن لم تمر السياسة ببابه يوما ولا تنسم هواها من شبابيكه .
سيتحول العراق لكل ذلك بمجرد أن تنتهي الانتخابات ( بخير ان شاء الله ) ويفوز المرشحون بارك الله فيهم بالمقعد في مجلس , شهدت له كل الإنسانية بأنه الأفشل في العالم أفقيا ( يعني على مستوى جغرافية العالم الآن) وعموديا (يعني على مستوى التاريخ الحديث ) بمجرد أن تنتهي الانتخابات سيتحقق كل ذلك بحسب وعود المرشحين وصورهم والكلمات المطبوعة بقرب من أسماء القوائم وأرقامها .
لكن للحقيقة شيء آخر , فهذا المرشح من هذا الواقع والسابقون له من هذا المكان ولديهم نفس دوافعه ورغباته وهو لم يكن (ربما) أستاذا ولا مربيا وليس له تجربة اقتصادية أو إدارية أو تشريعية (وهذا هو المهم قبل أن يكون من هذه العشيرة أو هذه الطائفة أو تلك المدينة ) , وليس في قائمته من يستطيع أحداث هذا التغيير الدراماتيكي في الواقع وان وسائله وطموحاته واطروحاته ليست أفضل من سابقيه, لكنه بازار الانتخابات وكل شيء فيها جائز مادام الواقع سيبقى كارثيا وحزينا ومؤلما .
وان أكثر المرشحين (ولا نقول كلهم ) كان عليهم أن يكتبوا هذه الصفات على الواقع بالأفعال وفي الزمن الذي مر , لان المذاكرة في ليلة الامتحان أقل فائدة .. ومن الله التوفيق.