2. تحرك الجنرال ديغول والمحافظين الفرنسيين
غاب الجنرال ديغول عن الانظار, واخذت اشاعات تترد بأنه ترك البلاد وربما هرب, الا انه استقل الهليوكوبتر فى يوم 29 ايار وتوجه الى المانيا فى سرية تامة للمباحثات مع قيادة الجيش الفرنسى فى مدينة بادن بادن مع الجنرال ( جاك ماسو) رفيق السلاح القديم. بعد المباحثات رجع سريعا الى باريس, وفى اليوم التالى, 30 ايار, القى خطابا فى التلفزيون اكد على شرعيته للسلطة ,” اننا سوف نعمل, كل ما يمكن القيام به من اجل تصالح الفرنسيين والشباب مع الجمهورية. ودعى الطلبة للرجوع الى الجامعات والعمال بالعودة الى العمل وانهاء الاضراب. ان الفوضى والاضراب سوف تكون فى صالح الشيوعية والحزب الشيوعى ولكن اذا حصلت محاولات جديدة لخلق فوضى, سنكون ملزمين ان نحافظ على النظام” وهدد فى خلاف ذلك باعلان حالة الطوارىء. وحدد موعد الانتخابات الجديدة فى 23 حزيران.
لقد نجح ديغول فى تحريك “الاكثرية الصامتة” وخرجت مظاهرة كبيرة من حوالى 100الف من الديغوليين يتقدمهم انديه مارلو وميشيل دوبريه ومختلف فئات المحافظين الفرنسيين الرافضين والمعارضين لحركة الطلبة واضراب العمال. انطلقت المظاهرة من ميدان الكونكورد الى شارع الشانزليزيه ( شارع الجمهوريه). لقد بدأ حركة الطلبة واضرابات العمال فى التصدع, وهى فى الحقيقة تمثل بداية النهاية. كانت نتيجة الانتخابات فوز الديغوليين بـ 358 مقعدا من مجموع 458 مقعدا وبذلك اصبحوا اكثر قوة. استبدل الجنرال ديغول رئيس الوزراء جورج بومبيدو واختار محلة (كوفة دى مورفيل) . قدم الجنرال ديغول استقالته فى 1969 بعد رفض الشعب الفرنسى اقتراحة باجراء استفتاء عام وتوفى فى عام 1970. فى سياق هذا الطرح مازال ديغول يعتبر من كبار القاده فى التاريخ الفرنسى. لقد قاد المقاومة ضد الاحتلال الالمانى.( فرنسا الحرة). ان العمال رجعوا الى المصانع وكذلك الطلبة الى الكليات والجامعات, واخذت الحياة مساراتها المألوفة, ومع ذلك استمر حوالى 2 مليون عامل فى حالة من الاضراب المتقطع الى نهاية تموز 1968 .
كانت انتفاضة الطلبة التى حصلت فى فرنسا, المانيا الغربية, الولايات المتحدة الامريكية , بريطانيا, وامتدت الى اليابان والمكسيك وفى المعسكر الاشتراكى فى جيكوسلوفاكيا وبولونيا على جانب كبير من الاهمية للذين عايشوا اجوائها والذين شاركوا بمختلف
النشاطات التى قامت بها الانتفاضة, كانت عملية تطور نوعى فى الوعى الذاتى والجمعى, فى اساليب التفكير والادراك, ولهذا السبب كانت لها اهمية رمزية كبيرة وتمثل لهم اول محاولات الرفض والمقاومة والتمرد على االنظام الاقتصادى/الاجتماعى الذى اقاموه بعد الحرب, للتصورات والاهداف واساليب التربية والتفكير الى قامت النخب والاحزاب التى تسلمت السلطة, التى قد ترهلت واصابها الغرور. ان التاكيد على قيم واخلاقيات الماضى وفرضها وتجذريها فى المجتمع كطريق امثل للنجاح والاستمرار والاستقرار, فى الوقت الذى لم تعد تتماشى مع التطورات الرهيبة للنظام الراسمالى بازماته الهيكلية الدورية وخاصة فى قضايا الانتاج والتسويق والعمل على توطيد المجتمع الاستهلاكى, انها لم تعد تتماشى مع تطلعات الشباب نحو المشاركة الديمقراطية فى الجامعة والمصنع ومجال اوسع للحريات والتحرر. مازالت احداث انتفاضة الطلبة, اجوائها والحريات والافكار التى تبلورت بالاضافة الى شعور التضامن والاكتشاف الرائع بانهم كجماعة يمثلوا قوه ويستطيعوا البدأ بالتغيير, وتبقى ساعات وايام ذكريات انتفاضة الطلبة عطرة فى وجدان وعقول الشباب الذين عاشوا بها ومعها.
لقد انبعت انتافضة الطلبة فى دول عديدة, ولكن انتفاضة الطلبة فى باريس لها خصوصيتها الثقافية والتاريخيه الفرنسية. انها الانتفاضة الوحيدة فى دول اوربا الغربية وامريكا ان توصل افكارها الى عمال المصانع وتؤثر بشكل واخر فى صفوف العمال ان يأخذوافى التعبير والعمل من اجل تحقيق مطاليبهم وحقوقهم وقضاياهم بانفسهم بعيدا عن المنظمات العمالية الرسمية( النقابات) التى تخضع لسياسية الحزب البرغماتية. ان العمل المشترك فى لجان العمال والطلبة قد تجاوز ما كان معهودا من مطاليب واسلوب عمل عملت به نقابات الحزب الشيوعى والنقابات الطائفية( الكاثوليك) واخذ ترفع شعارات ذو ابعاد اجتماعية واقتصادية على مستوى المجتمع والدولة. ان حركة الطلبة واضرابات العمال التلقائية المستقلة والاعتصامات فى المصانع قدم اسلوبا جديدا فى النضال وادى الى تناقص كبير فى قوة وشعبية وجاذبية وتاثير الحزب الشيوعى الفرنسى من قبل العمال الشباب فى الانتخابات البرلمانية, والحقيقة فان دور الحزب السيوعى الفرنسى قد اضمحل وظهرت بدلا منه جماعات يسارية متطرفة.
ان لقاءات واجتماعات الطلبة فى الجامعة فى مرحلة الانتفاضة مزيج من المحاضرات والمناقشات وكتابة المنشورات والكتابة والرسم على جدران الجامعه , كذلك الغناء والموسيقى اوعرض فلم ثوريا او فلم وثائقى يتبعه نقاشات حول الموضوع , كل ذلك كان يسودة جو من المرح والالفة والتقدير والاحترام بين الطلبة من الجنسين وكذلك مع اللطلبة الاجانب. ان لغة الشعارات المستخدمة فى المنشورات واللوحات الكبيرة المطبوعة والكتابات والرسوم على جدران جامعة السوربون كانت لغة جميلة خفيفة وجذابة ومعبرة عن افكار وتصورات عقلانية ممكنة: 1.الفنتازية فى السلطة ,2. الحلم هو الحقيقة ,
3.السلطة بيد اللجان العمالية, 4. يسقط (تبا) للمجتمع الاستهلاكى ,5. لاوجود للفن, الفن هو انت, 6.اركض رفيقى,اركض, ان العالم القديم يطاردك(خلفك) ,7. النقابات بيوت دعارة, 8. قم بقياس درجة غضبك المتراكم, وأخجل, 9. ممنوع المنع, 10.تحت الحجر يكمن الشاطىء, 11. تحيا الكوومونه .le Commune هذه بعض النماذج التى كان لها وقعا كبيرا لدى الجمهور, ومقارنة باللغة الاكاديمية المعقدة التى استخدمتها انتفاضة الطلبة الالمان والتى لم تصل للمعنيين قد بقت مجرد كلام لم تتفاعل مع الواقع واستمر فى اطارة الطبقى الاكاديمى, هذا لا يقلل من عمق واصالة انتفاضة الطلبة الالمان.
ان طلبة السوربون يعلنون بان السوربون مفتوحة للجميع وسميت بـ “جامعة الشعب” يشير احد البيانات على احد جدران السوربون ويعبر عن الاجواء العامة التى عاشها الطلبة
“عشرة ايام من السعادة”. وفقا للصحفى الامريكى مارك ميرلانسكى الذى عاش ايام الانتفاضة , انها السنة التى غيرت العالم, على الرخم من انبعاث انتفاضات فى العالم الرأسمالى فى 1967 – 1978 ,تبقى انتفاضة طلبة باريس “ايكونة الانتفاضات”والتى عرفت بعد ذلك بـ “ايار 1968”. من المؤثرات المهمه على صعيد العلاقات الفرنسية الالمانية, كان جيل الحرب وما بعد الحرب المحافظ قد تاثير كثيرا بكازيما الجنرال ديغول, الا الشبابالالمانى قد اخذ من شباب الانتفاضة “دانييل كون-بندت” نموذجا وفتحت الابواب مشرعة لتطوير العلاقة بين الدولتين. انها انجازات كبيرةة قد حصلت فى عملية تحرير المرأة والثورة الجنسية ونقد الهياكل التسلطية فى العائلة والتربية, تطور اساليب جديدة فى التعبير الفنى ومن الاهمية بمكان القناعة النى تولدت من استحالة امريكا الانتصار فى حرب فيتنام ونقد احتلال الجيش السوفيتى لبراغ ونهاية الامل فى اشتراكية اكثر قربا للانسان والحياة. كما هو الحال فى بقية دول الانتفاضة, فقد انصرف الناشطون للعمل فى دوائر الدولة واصبح العديد منهم اساتذة فى الجامعات او فى المعاهد العلمية ووسائل الاتصال الجماهيرية, وبدلك بداالسير والتغلغل فى دوائر ومؤسسات الدولة.
يتفق المؤرخون والمتخصصين فى العلوم السياسية, بالاضافة الى السوسيولوجين من ان سنة 1968 تمتل تاريخا, “يمكن به التفريق بين ما كان قبل 1968 وما بعدها”. فى منتصف السبعيبنات بدات هجمة المتسلطين والمحافظين وصعودهم الى السلطة, هلموت كول والاتحاد الاشتراكى المسيحى فى المانيا, ماركريت تاتشر وحزب المحافظين فى بريطانيا وريغان فى امريكا. لقد قاموا باصدار القوانين والتشريعات التى ادت الى نسف المنجزات التى تحققت فى مرحلة الانتفاضة, ان الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى بلدان العالم الرأسمالى ملغومة بالتناقضات الاجتماعية والاقتصادية,فى فرنسا يجرى التحضير لنسف قوانين العمل, التى يؤمن للعمال وظائفهم وتؤمن لاصحاب العمل افضل الفرص للحصول على ارباح مضاعفة. ان الاوضاع الحالية لاتقل ثورية عنها فى عام1967 , الاان قيادات ثورية واعية وجادة لم تتبلور لحد الان, وذلك لتعقيدات منظموة
الحكم وارتباطاتها محليا ودوليا بالراسمالية العالمية. مما لاشك فية فن صيفا ساخنا سيحل فى باريس وسوف تظهر اساليب جديدة فى النظامل والمقاومة. ان ازمات النظام الراسمالى لا تنتهى وسوف يبعث دائما على الالانتفاضات والمقاومة.