18 ديسمبر، 2024 8:55 م

بارقة أمل (حكومة عبد المهدي)

بارقة أمل (حكومة عبد المهدي)

السياسة هي فن الممكن, و لا يوجد في عالمها صديق دائم ولا عدو دائم, إنما المصالح هي الحاكمة والمتحكمة في نضم العلاقات السياسية وبرمجتها, وفق ما تمليه متطلبات كل المرحلة وضروراتها في رسم خطط و استراتيجيات الوصول ليس للأهداف فحسب بل لصناعة الأهداف واستحداثها, لا إعادة تدويرها واجترار ما بقي منها.
إن ما تشهده الساحة السياسية العراقية اليوم من صراعات ومناكفات, ما هو إلا دليل واضح على هشاشة المنظومة القيمية لبعض المتصدين للعمل السياسي, فرغم مضي خمسة عشر عاما من التجارب و مازلنا ندور في فلك المفاوضات والحوارات, المنعقدة في دهاليز غرف المزايدات المظلمة, لتكن – المصالح الشخصية والحزبية- محورا رئيسا في التفاوض و ورقة ضغط يلوح بها الجميع, لحصد اكبر ما يمكن حصده من المكاسب..نعم لا بأس إن يبحث الإنسان عن مكاسبه و مصالحه, فهو أمرا محبب بذاته لا مندوحة عنه, فالمصلحة مفهوم عام ذو مصاديق متعددة قابلة للانطباق على كل ما يقع تحت عنوانها من المنافع, لكن ما يميز هذه المصاديق وانطباقها عن بعضها هو تسلسلها الهرمي في سلم الأولويات الذي يحدد أهميتها وفقا للنتائج والتبعات المترتبة عليها,
إن العملية السياسية اليوم ورغم مرورها بمنعطفات كثيرة من التجارب المريرة والأزمات العسيرة, إلا أنها مازالت في طور مراحلها الأولى من البناء, فبدل إن تكون هذه المخاضات عاملاً مساعدا في إنضاجها وإعادة بلورتها وصقلها بما ينسجم ومتطلبات المرحلة, إلا إنها أصبحت عبأ ثقيلا وحملا عسيرا, أثقل كاهل المواطن والدولة معا.
وها نحن اليوم نحث الخطى نحو تجربة أخرى ومرحلة جديدة مطابقة من حيث الشكل و سابقاتها مختلفة من حيث المضمون, فان الإلية التي تم من خلالها مؤخرا تشكيل حكومة السيد عادل عبد المهدي؛ تعد بارقة أمل جديد يلوح في أفق العملية السياسية لتصحيح مسارها الذي طالما كان متعرجا, فان المقبولية التي يتمتع بها _عبد المهدي_ لدى جميع الكتل والأحزاب السياسية مكنته وبامتياز من تمرير كابينته الوزارية بشكل سلس يسير على الرغم من انه لا ينتمي لأي حزب أو كتلة سياسية متنافسة ولا يملك حتى مقعدا واحد في البرلمان! وهذه بحد ذاتها لها عدة مدلولات؛ الأول: إنها إشارة واضحة ورسالة بينة من المشاركين في العملية السياسية بأنهم استطاعوا من قراءة الواقع السياسي والاجتماعي قراءة دقيقة أفضت إلى خيار القبول والرضوخ لهذا الواقع الحتمي, بعد إن كانت في الأمس تتقاتل وتتناحر من اجل المحاصصة والمكاسب وتقديم التنازلات وإبرام الاتفاقيات المشبوهة ( اتفاقية اربيل على سبيل المثال) من اجل تشكيل ما يسمى “ببدعة” الكتلة الأكبر التي استطاع من خلالها الحزب الحاكم في الدورات السابقة, من الاستحواذ على جميع مفاصل الدولة وتحجيم ومصادرة الرأي والقرار البرلماني إلا ما ينسجم وتوجهاته, البعيدة كل البعد عن النهج السياسي والخطاب الدبلوماسي, الذي يفترض إن يكون هو المعيار والضابطة في تعميق العلاقات السياسية و رأب الصدع بين القوى المختلفة في ما بينها, فهناك فرق شاسع بين من يمارس السياسية بواقعية ليحقق من خلالها الوصل إلى الصالح العام, وبين من يمارسها من اجل إثبات الذات, بغض النظر عن النتائج والمقدمات.
الأمر الأخر الذي يميز تشكيل الحكومة؛ هي المقدمات والعوامل المساعدة التي لو لاها لما استطاعت الخروج من عنق الزجاجة والخلاص من شراك عشاق السلطة والمناصب, فان التفويض والتخويل الذي حصل عليه عبد المهدي وإطلاق يديه في حرية اختيار كابينته من قبل كتلة الإصلاح و الأعمار؛ هو السبب الرئيس والاهم الذي ساهم كثيرا بإعطاء رئيس الحكومة فسحة و فضاءات وسعة, استطاع من خلالها النفاذ بكابينته وتضييق الخناق وإحراج الكتل السياسية الأخرى من جانب أخر, التي طالما كانت تصارع من اجل حصد المكاسب و تمرير إرادتها الحزبية, إلا إن الخطوة الأخيرة التي أقدم عليها تحالف الإصلاح والأعمار وبعض الأطراف من الكتل الأخرى بمنح عبد المهدي حرية اختيار وزرائه, كانت بمثابة الضربة القاضية التي أطاحت بكل مخططاتهم و آمالهم في فرض الإرادة و الاملاءات وقطعت الطريق من إعادة تدوير بدعة الكتلة الأكبر والمحاصصة وإبرام الصفقات, إلا إن التحدي لم ينتهي عند هذه النقطة فحسب, بل هناك تحديات أخرى كثيرة ستواجه حكومة عبد المهدي, فاختياره لكابينته بمحض إرادته وقناعته, سيضعه أمام مسؤولية كبرى في تحقيق برنامجه أمام الشعب والبرلمان, وبالا خص الكتل التي منحته حرية الاختيار ..