23 ديسمبر، 2024 11:10 م

باختصار ( ثوراتنا ) وثوراتهم …!

باختصار ( ثوراتنا ) وثوراتهم …!

كشاهد على عصر الثورات ( الحديثة ) في زمن اتساع رقعة حقوق الإنسان ودمقرطة الحياة والسعي لعدالة تحقق توازن اجتماعي في المساواة وحق البشر في العيش بواقع لائق وبسلام حقيقي وجدت أن أجري هذا المقاربة التي أضعها للمناقشة أمام كل منصف ومتنور …!

 في زمن شكل ووجه ثورات جديدة متصالحة مع هذه المفاهيم انطلق الناس للشوارع  والساحات في بلغاريا ورومانيا وهنغاريا وجكيا وسلوفاكيا وبولونيا وألمانيا والاتحاد السوفيتي سابقا…!

يعيب الأوربي في الدول المتقدمة على رومانيا انها قدمت للعالم محاكمة قرقوشية ضد الدكتاتور شاوشيسكو…!

بلغاريا الجارة لرومانيا تعتقد انها أكثر ( عمق حضاري ) من الجار حيث قدمت للعالم محاكمة منصفة انتصرت في بعض جوانبها للدكتاتور السابق لبلادهم ( جيفكوف )..وعندما حرق بعض الغوغائيين مقرا للحزب الشيوعي في العاصمة صوفيا ، ظهر على شاشات التلفزيون( جيلو جيلوف ) قائد الحركة الديمقراطية  حينها منددا ومستهجنا هذا الفعل واصفا إياه بالشنيع ومطالبا بإحالة كل من أشترك في هذا الجريمة أمام العدالة لأن ذلك ملك الشعب البلغاري …!

يوغسلافيا الأكثر تخلف حضاري في أوربا سيقت شعوبها نحو معارك دموية لأن العقل هناك لم يكن بمستوى الجارات في صنع اللحظة التاريخية ..سلوفينيا الشعب الصغير والأكثر تطورا فيها ترك البقية يتقاتلون بما يشبه وحشية  الذئاب المفترسة منطلقا نحو أفق التطور وبناء نظام سياسي يحترم الإنسان هناك…!

ألبانيا شهدت صفحات دموية فلم يكن الشعب هناك إلا( بدو)* أوربا…!

الأحزاب الشيوعية انتفضت على واقعها بالمقام الأول وغيرت أسمائها وقادتها وأفكارها وبرامجها وأشكالها التنظيمية وانطلقت لقراءة الواقع الوطني بشكل جاد فيه روح المنافسة والتغيير وخدمة الناس لهذا خرجت كليا من خيمة الشيوعية المُذلة نحو أفق خدمة الإنسان بالمقام الأول بعيدا عن الشعارات والتهريج…!

أغلب الثورات عندهم كانت الآليات المحركة والفاعلة فيها تنطلق من المراكز الحضرية الكبرى ، ( ثوراتنا ) تنطلق من الحواف لهذا تغلب ثقافة خطرة يحملها  القروي ( الثوروي )  في دهشة زيارته الأولى المفاجئة  للعاصمة محاولا الانتقام من ضياع ثقافته وقيمه الأخلاقية  في هذا المكان  الغريب  بالقياس إلى المكان الأول المنغلق  ..!!

كلاهما ربيع ، ربيع أوربا وربيع العرب ..!
الفرق بينهما كبير

الأول لم يُسفح دم إلا في حالات محدودة جدا ، أي أن البديل كان متحضرا أكثر من السلطات الشيوعية التي كانت قائمة
، في الربيع العربي (الله وأكبر) ومعها دم غزير وغزير جدا والشواهد ليبيا وسوريا واليمن ومصر فقط 800 وبعدها العشرات يا لرخص دم الناس ..!

ثورات ترى في الدولة ومؤسساتها حتى ولو كانت عليلة ملك للأمة ، ( وثورات ) لا تفرق بين هذا وذاك ،( ثورات ) تحطم الدولة كليا وتدمج السلطة بالسلطة لتخنق وتدمر كل شيء…!

لديهم جرى المحافظة على الجسور والشوارع والمدارس والمستشفيات والمعامل والمطارات والمباني وكل البنى التحتية وكل مؤسسات الدولة لأنها وفق فهمهم هي ملك للوطن وللشعب …اما عندنا يتم حرق مدن بأكملها ، حرق كل شيء ورمزية السلطة ( للثوريين ) عندنا  تكمن في كل شيء عمله النظام فوق الأرض حتى  ولو كان أكسيرا  لهذا يجب تدميره….!

تونس الغنوشي يريد أن يحولها إلى إمارة أيضا ..!
مرسي وقراراته ودستوره حيث الشريعة قادمة …!
اليمن والدم  الذي يسيل يوميا ..!
ليبيا لحى وسلاح بيد كل عابث..!

( ثورات ) تدعمها أكثر الدول تخلفا وانحطاطا وانغلاقا مثل السعودية وقطر…فهل هكذا ( ثورات ) مدعومة بهذا الشكل تريد فعلا تحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية …!!؟؟

السلطات في واقع معتوهين يحملون ثقافة الصحراء مثل القذافي والأسد وعلي صالح وحسني مبارك وزين العابدين لم يكن لهم ندا سوى ثقافة أكثر عدمية وراديكالية تصبغ الفكر ألإقصائي بكل ماهو غيبي وديني ومتخلف وشاذ ومهووس..!
 
الناس تريد الحرية تلك سليقة إنسانية رافقت البشرية منذ الخليقة ولكن سراق ولصوص هذه الكلمة الحلوة من الكُثرة بمكان انها أصبحت بين أيدي أكثر الناس تخلفا واحتقارا لدم الناس وحياتهم ومصالحهم ..!

( ثوراتنا ) أثبت أنها  صحرواية وخشنة وعدمية وهي تشبه ثورات الدم القديمة التي كنا نعتقد أن البشرية قد تجاوزتها لكن للأسف يبدو انها لازالت قائمة وحاضرة في مشهد مقرف في منطقتنا العربية …!

نعم هناك ثورات متحضرة وهناك ( ثورات ) همجية..!

( ثوراتنا ) تفوح منها الأحقاد وعقلية الثأر وتغييب المواطنة وشطط التفتيت والتجزئة والتخريب والعبثية ، وثوراتهم يذهب إلى شوارعها الناس ( مدججون ) بالورود الفواحة والتضامن وعقلية حب الآخر وكانت أيام لصداقات جديدة ولعلاقات حب جديدة ، للفرح والأناشيد والأغاني الصادحة بحب الوطن والناس والأيام الآتية…!

على النخب والمراكز الفكرية المتقدمة بفكرها الحضاري أن تحلل واقع مجتمعاتنا وان تكون أكثر فعالية في العمل على إلغاء ثقافة القطيع وتعزيز ثقافة بديلة تتيح لنا أن ندخل منطقة ثورات أكثر رحمة وإنسانية وتحضر ..قد يطول الزمن أو المسافة لذلك لكن مرارة الناس في شكل وواقع هذه ( الثورات ) قد يُسهل ويفتح الباب أمام ثقافة وفعل بديل يختصر معاناة الناس وعذاباتهم في منطقة تحترق بشكل عبثي وجنوني …!!!

 وفي الختام تبقى عجلة الدنيا والحياة تدور ومعها هنا وهناك ثورات قادمة تنشد للإنسان ولحريته ولحياته ولغده الأفضل ..!

* لا اقصد الانتقاص من الاخوة البدو ولاكن شكل حياة البداوة في البقاء والتعامل وفهم السلطة والعزلة وفهم المتغيرات في حياة الشعوب أعطيت هذا للتشبيه فقط مع اعتذاري…!

كاتب وسياسي مستقل / ستوكهولم