17 نوفمبر، 2024 7:24 م
Search
Close this search box.

باب الشيخ حافلة بالتاريخ …ج11

باب الشيخ حافلة بالتاريخ …ج11

الإنسان يولد وينمو ويتفاعل و ينضبط داخل نسق مجتمعي ذي قيم وقوانين ينبغي احترامها والتقيد بها وتوجيهها بما يتوافق مع أعراف وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه، قولة أرسطو “إنّ الإنسان مدنيّ الطبع” أي أن طبيعة الإنسان لا يمكن ان تكتمل الا من خلال انتمائه للمجتمع، لا يوجد مجتمع بدون أفراد، والفرد لا يساوي شيئا بدون المجتمع، فهما وجهان لعملة واحدة، وقد يقف في ذلك الموقف الذي يحاول خلق تمايز بينهما، واستبدله بأطروحة تدافع عن فكرة مضمونها ،أن العلاقة القائمة بين الفرد والمجتمع هي علاقة تفاعل وتأثير متبادل. والانسان الحر لا ينحني ، يعيش طوداً منتصباً شامخاً، ويمت عزيز النفس ولا يشتكي لضيق اليد في العيش ولا يسجد امام ابواب المسؤولين ، ولا يشتكي لاحد مما يعنيه وما يحتاجه وسوف نذكر نموذخ في متابعة المقال *، هذه هي صفات الناس الذين عشنا معهم في منطقتنا باب الشيخ ،لقد رايت في حياتي افراد تتمثل فيهم القداسة والايمان والخلق ولازالوا ينقسون في خاطري تلك الصفات القيمة من الصبر والتحمل ، لقد كنا في محلة تسمى الشيخ رفيع ( دربونه الجلبي ) وهي صغيرة و لا يتعدى عدد دورها عن السبعة ولكن ما احلى جمال العيش والمحبة التي لا تقف عند حد معين من التعاطف والتكاتف وعلاقات التعايش المشترك فيها ،كنا كأولاد اخوة ،والبنات ،اخوات ، والنساء امهاتنا ، تراضعنا معاً وكبرنا معاً وتحاببنا معاً ، حتى في زمن الاختلافات الفكرية والسياسية كان همنا واحد وطريقنا واحد رغم كل الاختلافات السياسية ،فترى فيهم القومي ، والشيوعي ، والاخواني ، والبعثي ، والوطني والمستقل ، والكادح ، لكن نحترم الجيرة ونلعب في نفس الفريق الكروي ونخرج للنزة معاً وهكذا، ومن هنا اود ان اذكر ذلك النموذج الرائع في التألف والمحبة والاحترام و واقعة اثرت ولازالت في نفسي رغم السنوات الطويلة التي مرت على تلك الحادثة المؤلمة ،هو يوم استشهاد احد ابناء المحلة من عائلة امام الدين الكريمة اثناء مشاركته في تظاهرات زيادة سعر البنزين ( فلس واحد )عام 1961 وهو من الكادر المتقدم في الحزب الشيوعي المناضل انور احمد امام الدين والمشهور في المنطقة تحت اسم ( عادل ) حسب ما عرفنا عنه بعد استشهاده وهو من عائلة كريمة معروفة عندنا في ” الدربونة ” والمنطقة عندما كان في اطلالة التظاهرة برصاص قوات الامن ،حيث تم اقامة مجلس للفاتحة على روحه حضرها كل ابناء المنطقة وشاركوا بالشكل الممكن للمساهمة في تخفيف الم الفراق والحزن والمشاركة مع العائلة في المواساة ، ولم نكن نعرف معنى للايديولوجيات والسياسات المختلفة التي كانت تطوق منطقتنا، حيث حضرها الماركسي والبعثي والقومي ومن حزب التحرير الاخواني وما اكثرهم في تلك المرحلة في المنطقة ، ومعمموا الحضرة الكيلانية اصدقاء اخ الشهيد ومن نفس المدرسة حيث كان معمماً ويدرس الدروس الدينية ولم نسمع لهم خلاف في يوم ما رغم كل الاختلافات السياسية والفكرية بينهما واستغرقت المراسيم بدون انقطاع ولا خوف من رجال السلطة مدة سبعة ايام متتالية ،*اما النموذج في الصبروالقناعة في العيش الكريم فقد كنا نعيش مع عائلة عزيز من مجموعة من خمسة اولاد وبنت واحد جاءت متأخر الولادة اواخر سنة 1961، والاب تتمثل فيه كل الطيبة والخلق والهدوء والرزانة والتدين وعرف بالزهد الوافر ، هي عائلة عبد السلام القبانجي ، شقيق مطرب المقام الاول في العراق والتاجر المعروف الاستاذ محمد القبانجي ، وكان الرجل يعيش على بيع الادوات السيارات والحديد المستهلكة للسيارات في شارع الشيخ عمر كنا تنحسس بكل معانته ولكن من يستطيع ويتجراء من ان يتكاشف معه ،ولا انكر من كون اخيه الاستاذ محمد القبانجي كان يأتي بعد ان علم ضيق يد اخيه ليمر في اوقات خاصة ” الظهاري” ايام الحر حيث يطمئن و يعرف عدم وجود اخيه في البيت وكان يطرق بابنا ليخرج عليه احدنا اليه ولاننا على علاقة وثيقة مع جميع افراد العائلة حيث تربينا سوية لسنوات وضقنا الحلو والمر وعاصرنا ازمانها و كان الاستاذ محمد القبانجي صديق الوالد والمعروف بكونه من رجال الخير واكثر من اهل بحكم الثقة و( الميانة ) لنوصل اي امانة او اي وصية الى تلك العائلة المحترمة والعزيزة والملاصقة في السكن لدارنا دون ان يعرف العم عبد السلام بذلك رغم كل المعاناة ويذهب وهو ممتن بكل هدوء،ما يعني وحدة أبناء البشر وتساويهم في ارتباطهم بأحسن بالله. إنه ربّ جميع الناس. وليس لأحدٍ – بسبب طبيعته الإنسانيّة – علاقة خاصّة متميّزة به. ولا لأحدٍ معه قرابة. ليس إله شعب خاصّ أو قبيلة معيّنة، ولم يختر شعبًا معيّنًا ليكون ذلك الشعب سيّدًا والباقي عبيد. كلّ الناس أمام الله سواسية، وليس لأحدٍ عند الله كرامة خاصّة إلّا بالعمل الصالح، أي بالسعي والمثابرة على طريق خدمة الناس والعمل المؤدّية إلى سمّو الإنسان، يعني وحدة وانسجام حياة الإنسان ووجوده؛ فهي مركّبة من الذهن والواقع، من الفكر والعمل. وإذا خضع واحد من هذين الجانبين، بأجمعه أو بقسمٍ منه، أي إذا أصبح الذهن خالي من انا والواقع غير انساني ، أو أصبح الواقع اخوي والذهن بعيدًا عن هذا الواقع حينئذٍ تظهر الازدواجيّة في حياة الإنسان، ويبرز الشرك والانحراف. يتبع

 

أحدث المقالات