22 ديسمبر، 2024 2:13 م

باب الشيخ حافلة التاريخ…ج23 ومضات تاريخية وثقافية

باب الشيخ حافلة التاريخ…ج23 ومضات تاريخية وثقافية

كانت طبقة الوالي (الباشا) والجيش التركي و الجندرمة (الشرطة) لهم القول الفصل في إدارة البلد وتحت إشراف الوالي يأتي القاضي التركي الذي ربما يجيد اللغة العربية أو لديه مترجم ، وهم يسكنون بيوتهم الخاصة في معسكرات الجيش ، أما الجندرمة فلهم أماكنهم داخل محلة باب الشيخ ثم يأتي دور أعيان المنطقة الممثلة بالنقيب وحاشيته وهم أشراف المحلة ولهم الجاه في الأمور الدينية والاجتماعية من التي لا تتعارض مع توجهات الباشا وحاشيته ؛ ويعتبر النقيب المستشار الأهلي للباشا التركي وأمين إدارة بلدية بغداد (المدني) وله احترامه الديني والاجتماعي والسياسي أمام الحاكم التركي المسلم .

كانت محلة باب الشيخ في جُل فترة الحكم التركي لاتزيد عن قرية متوسطة الكثافة السكانية؛ لم تكن الدرابين ( الازقة المغلقة التي لا يمكن الخروج منها ) نظيفة إلا من خلال بعض البيوت المعروفة بسمعتها وإمكانياتها المادية الجيدة وقوة علاقاتها الاجتماعية بالسلطة فيقال هذا بيت فلان بن فلان. أما دورة الحياة في المحلة فكانت رتيبة. فالرجال يخرجون للعمل في السوق أو البناء أو غير ذلك لمزاولة اعمالهم ويرجعون وقت الظهيرة للغداء وأخذ قيلولة الصيف الحار ثم يخرجون للعمل بعد العصر مرة اخرى حتى المساء ليرجعوا متعبين ليواجهوا سماع مشاكل العائلة اليومية المتعلقة بمشاكل الأولاد في الحارة أو الحالة المعاشية أو قلاقل العائلة أو الأقارب. لم تكن مواسير نقل المياه متوفرة ، ويستفاد من السقة من قبل المتمكنين من العوائل الغنية وعند العوائل الفقيرة تذهب النساء الفقيرات لغسل الملابس في شاطئ نهر دجلة الذي يقسم بغداد الى قسمين هما الكرخ والرصافة ثم يجلبون الماء قدر المستطاع بجرار خاصة او القدور لقضاء حوائجهم اليومية للطبخ والشاي والغسل . وكانت تحيط باب الشيخ الكثير من البساتين وخاصة من جانب نهر دجلة جهة الباب الشرقي ولم تكن تتوفر سوى جادة واحدة بسيطة ترابية لعبور الناس والدواب قبل دخول العجلات ” السيارات” عالمها و حدثت محاولات لفتح جادة أخرى كما كان الحال بالجادة الوحيدة التي تربطها بنهر دجلة من جهة سيد سلطان علي.*((ونقل عن المؤرخ محمد بهجت الأثري في كتابه أعلام العراق ان سيد سلطان علي بن إسماعيل بن الامام جعفر الصادق، وهو أخ محمد الفضل. وأضاف الأثري: وما أدعاه بعض الكذابين أن علياً هذا هو والد أحمد الرفاعي بهتان،وهو من مساجد بغداد الأثرية التاريخية، ويقع في جانب الرصافة من بغداد في شارع الرشيد بمنطقة المربعة قرب جسر الأحرار، وتبلغ مساحة الحرم 600م2 ويتسع لأكثر من 500 من المصلين ، ويحتوي الحرم على محراب ومنبر ولقد زينت جدران الحرم بالنقوش والآيات القرآنية من الداخل، كما يحتوي الجامع على تكية تسمى (تكية قرة علي)، وكانت فيها مدرسة قديمة تدرس فيها العلوم الدينية ولقد درس فيها الشيخ أحمد شاكر الآلوسي والشيخ خليل الراوي، وتقام في الجامع حالياً صلاة الجمعة وصلاة العيدين والصلوات الخمس ويشارك فيها العامل والكسبة في المنطقة بعد ان تحولت الى منطقة تجارية وغادرها اهلها إلأ القليل منهم )) و الكتابات التي على باب الجامع فهي بخط عثمان ياور الخطاط المشهور، وهو خطاط معروف من تلاميذ الخطاط التركي الشهير سامي بك ومن آثاره الخطية ما كتب على الكاشاني الأزرق في مشهد جامع الإمام الأعظم وكذلك مرقد الشيخ معروف الكرخي.

عندما زار بغداد ” القائد دوغلج باشا الألماني لقيادة الجيوش العثمانية في العراق وتفقد ربوع دار السلام فوجد شوارعها ضيقة ولا تفي بحاجة نقل المهمات العسكرية ، عند ذاك تفاوض مع رئيس البلدية محمد رؤوف أفندي الجادرجي رئيس بلدية بغداد في تلك الفترة وبعد أن اتفقا على احضار مهندسي بغداد المٌلكيين (أي المدنيين) والعسكريين وكان بينهم (فوجيل وشكاتيس) و بكر بك قائد المدينة وآخرون، فأمروا بوضع مخطط جديد وبعد أن أتموا ذلك المخطط شرعوا بفتح الجادة من الباب الشرقي أولا فهدموا جدران القنصلية الإنجليزية وخرقوا منفذين من الجانبين ويمكن اعتبارها بداية التغيير الجغرافي لمعالم باب الشيخ الأصلية بعد ان تم تأسيس شارع الكفاح الحالي وهو بداية دخول الآلة المتطورة من أوروبا وبداية فتح شوارع وما صاحب ذلك من تغيرات جغرافية واجتماعية في بغداد.

يعتبر دور مختار المحلة أي المسؤول الشعبي عن المحلة وحلقة الوصل بين أهل المحلة والنقيب أمام الإدارة العثمانية لأجل إنجاز مهمات يكلف بها من قبل هذه الأطراف كحل المشاكل الاجتماعية في المحلَّة أو الطَّرَف أو العَكِّدْ لقاء هدايا عينية وتقديم الشُكر له لمواقفه المفيدة. لم يكن المختار متفرغاً لهذا العمل بصورة تامة بل يمارسه بجانب عمله في السوق كبقال أو حلاق أو صاحب مقهى ويرجح بأنه أنف المحلة الحساس. كان المختار يعرف القراءة والكتابة بعض الشيئ ثم أخذ يُعين من قبل أمانة العاصمة في الحكم الملكي وله طمغة أو خَتِمْ مختص به عليه إسمه ومحلته يحملها معه مع الاستمبة أي المحبرة؛ لقد إختفى المختار بعد توسع محلات بغداد القديمة بمدن جديدة ؛ ثم عاد دوره بعد التغيير الذي حدث في العراق بعد عام 2003 كموثق صادق في بيناته حول أهل المحلة ونوثق بشهود من أهل المحلة وذلك لانهيار مؤسسات الدولة العراقية. لقد بقيت مكتبة الشيخ الكيلاني و يعود تاريخها إلى القرن الخامس الهجري عندما كانت تدرّس الفقه والشريعة، وقد وضع لبناتها الأولى القاضي أبو سعيد المبارك المخرمي كإحدى مدارس الحنابلة في ذلك العهد، وبعد وفاته انتقلت الى يد الشيخ الكيلاني و لم تخرج المكتبة عن إدارة أولاده وأحفاده الذين توارثوها حتى يومنا هذا. وتذهلك الرفوف الخشبية التي تستقبلك عند الدخول بمخزون معرفي لا ينضب في شتى المعارف والعلوم والفنون، فينتابك الفضول للوهلة الأولى كي تبحث وتنقب عن أقرب العناوين إلى نفسك، توجد بالمكتبة عشرات الآلاف من الكتب المتنوعة ونسخ القرآن الكريم الضاربة في القدم الموضوعة في صناديق خاصة مغطاة بالزجاج للمحافظة عليها من التلف، منها نسخة خطت بماء الذهب يبلغ طول صفحتها الواحدة قرابة المتر، أهداها للمكتبة حاكم مقاطعة كشمير عبد الله خان الكوزاني قبل 250 عاما، وقدّر خبراء آثار بريطانيون عمرها بأكثر من ألف عام.

كما وتعد مكتبة الخلاني العامة في بغداد ( الواقع في (جامع الخلاني) في محلة باب الشيخ وهي من محلات بغداد العريقة في القدم من بين المكتبات المشهورة بعراقتها وما تحتفظ به من المخطوطات ويقال ان نسبه بالخلاني من هذه الرواية ” لقد عرف بالخلاني نسبة الى بيع الخل، وقيل الخِلاني بكسر الخاء فتكون مأخوذة من الخِلة أي الصداقة والموادعة والخلق الحسن العالي إذ لم يظهر حقداً على أحد قطعا ، فهو كان خل وصديق وصاحب لكل الناس فاشتهر عند الناس بالخلاني” المكتبة حالياً تقبع في أحد أركان ضريح الشيخ وفيها الالاف من الكتب المختلفة وتحوي نفائس الكتب فقد اقامت معرضا لها هو الاول من نوعه في العراق عام 1955، عرضت فيه النتاج الفكري لأبناء العراق خلال قرن من الزمن تجلت فيه روعة التنظيم ودقة الترتيب ظهر فيه جليا واضحا المجهود الذي بذل في جمع ذلك التراث الفكري و هذا المكان هو جامع ومرقد الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري الأسدي الذي ينتهي نسبه الى الصحابي الجليل عمار بن ياسر (رض)، وقد عرف بالخلاني نسبة الى بيع الخل، وقيل الخِلاني بكسر الخاء فتكون مأخوذة من الخِلة أي الصداقة والموادعة والخلق الحسن العالي إذ لم يظهر حقداً على أحد قطعا ، فهو خل وصديق وصاحب لكل الناس فاشتهر عند الناس بالخلاني، لقد كانت الفرحة الكبرى عندما بلغ عدد الكتب في مكتبة الخلاني كما يقول المؤرخ المشهور السيد ناجي جواد الساعاتي “في اثناء افتتاح معرض للكتاب في المسجد سنة 1950، بلغ عدد الكتب حداً تجاوز الـ (25) الف كتاب بعد ان اقام مؤسسها العلامة (الحيدري) معرضا للكتاب في قاعاتها الرحبة عام 1950، الاحتفال بحضور جمهرة كبيرة من المثقفين والعلماء والشعراء والادباء واهل الفضل للمشاركة في الاحتفال، وكان في طليعتهم العلامة الشيخ (محمد رضا الشبيبي) وعميد الحقوق الاستاذ (منير القاضي) والشاعر (محمود الحبوبي) والشاعر (حافظ جميل) والاستاذ (فؤاد عباس) والدكتور (عبد الرزاق محي الدين) “. اذاً تصور مجموع الكتب كم هي في الوقت الحالي وقد تعرض المسجد الى عملية ارهابية اثناء خروج المصلين الذين كانوا يهمون بمغادرة المسجد بعد أدائهم صلاة الظهر، مما أدى إلى مقتل وجرح ما يزيد عن 200 مدني في حزيران – 19- يونيو عام 2007.