من اطراف العاصمة بغداد الى حدود النجف، ومن أطراف كربلاء الى حدود واسط والديوانية، خرج أهالي بابل شيبا وشبابا، رجالا ونساء شيوخا وعجائزا معلنين انتفاضتهم، قاطعين الطرق رافعين أعلامهم، يصدحون بأعلى أصواتهم، مهللين ومرحبين بزوار كربلاء.
فشبابها انتفضوا الى مواكبهم، التي نصبت على الطرق، يقدمون مهجهم قبل الأطعمة، يقبلون من يمر بهم ويتوسلون الزائرين، أن حلوا ضيوفا علينا..
بناتها ينهضن عند آذان الفجر، مسرعات لإعداد فطور الزائرين، الذي عجن بالمحبة وبصدق المشاعر، وفرحة تقديم الخدمة، لضيوف هم أهل لها ..
شيوخ جلسوا عند أبواب مواكبهم، يهللون بالزائرين ويتوسلون بهم، أن أقدموا فقد وصلتم مدينة الكرم والجود، التي سميت على اسم الإمام الحسن (ع) كريم آل البيت ..
عجوز تتكأ على عصاتها، اصطحبت معها أحفادها تتوسل بالزائرين، أن باتو عندنا الليلة، تحلفهم بأشد الأيمان، أنها تريد أن تتبرك بهم ..
الإسكندرية والمسيب احتضنت القادمين من بغداد، ومدينة القاسم ترحب بالقادمين من السماوة والناصرية والديوانية، ومدينة الشوملي فتحت ذراعيها للزائرين من الكوت والعمارة، وأهالي جبلة والمحاويل خرجوا عن بكرة أبيهم، يستقبلون القادمين باتجاه كربلاء.
أما الحلة فأعلنتها انتفاضة جماهيرية، وماج شطها الهادئ وغردت نوارسها، تستقبل القادمين تحييهم وترحب بهم .. فتحت بيوتها على مصراعيها، مستبشرة بالملايين القادمة لاتفرق بين عربي وأعجمي، أو بين ابيض واسود، فقد ذابت الأعراق وامتزجت الألوان، وأصبح الكل سواسية.
فنادر تأهبت ترحب بمشاية الاربعين، والطهمازية قطعت شوارعها وعلا هتافها في استقبالهم، والوردية خرجت شيبا وشبانا، وأهل الثورة خرجوا جميعا لضيافة الزوار، والكرامة والمهدية وحي الحسين، وباب المشهد والخسروية وحي الأكراد، والطيارة والصحة والبكرلي، امتلأت بيوتهم بالضيوف وأي ضيوف .. أنهم أحبة ينتظرونهم منذ سنة، وحانت ساعة اللقاء.
نعم فقد انتفض أهالي بابل، وأعلنوها ثورة لاتراجع عن أهدافها، وعلت أصواتهم بشعاراتها، التي تساوى فيها الغني والفقير، رفعوا لافتاتهم في الشوارع، وعلى أسطح المنازل، وعلت بيارقهم ترفرف فوق الرؤوس، فهم يتباهون بثورتهم التي نهضوا من اجلها .. فهي شرف ما بعده شرف، ورفعة لا تدانيها رفعة، وفخر لايساويه فخر.
إنها ثورة الخدمة الحسينية، والبذل في سبيل الحسين (ع)، وعمل سيجعل من قام به يدخل التاريخ، وستبقى بابل تصنع التاريخ كل سنة، كما صنعته منذ 7000 آلاف عام.