بابان شاب مكافح عمل منذ نعومة أظافره على تكوين نفسه بنفسه. بدأ بالعمل في محل صغير في حيينا وكان صغيراً في العمر حينها. بابان مبتسم الوجه على الدوام وحسن تعامله وتحمله دلال الزبائن دفع الجميع إلى حبه واحترامه. ذاع صيته في الحي والكل يستعين به في سد احتياجاته. حيث بابان يلبي طلبات الجميع في إيصال كل ما تطلبه العوائل إلى بيوتهم وبكل بشاشة ومحبة. أحبه صاحب المحل أيضاً وعامله كأخ صغير وأولاه ثقة عالية وسلمه مسؤولية المحل بكامله. حيث كان بابان محل ثقته وهو يدير المحل لوحده ريثما يعود صاحبه الذي يخرج كثيراً لشراء احتياجات المحل.
من الطبيعي أن يحدث شيئاً من التجاذبات والخلافات بين الاسطة والصانع وفي كافة مجالات العمل حرصا على تقديم الأفضل. حيث تجد خلافاً بسيطاً ينشأ بين العامل وصاحب المحل بسبب زخم العمل وزحام الزبائن وطلباتهم الكثيرة وما يترتب عليها من ارتباكات وارهاصات. فتجد صاحب المحل يصيح أحيانا وبصوت عال على الصانع فيما يرد الصانع بالدفاع عن نفسه أمام الاخرين. تجد الاسطة ينتقد أداء العامل والعامل يتفنن بتقديم الحجج لكن بابان كان بمثابة اخ صغير لصاحب المحل والعاملين هناك فليس لديه مشاكل من هذا القبيل.
بابان الذي يشاهد التعامل السلس والاحترام المفرط لصاحب العمل مع المشتري. يود أن يعامل كما يعامل أهل المنطقة من الذي يترددون على المحل لشراء حاجاتهم.
صاحب المحل كان قد منح بابان يوماً في الأسبوع للراحة. في هذا اليوم لا يأتي بابان إلى المحل ويقضي يومه في الغالب نوماً أو مستلقياً على فراشه منشغلاً بجواله ليعوض عن نفسه ساعات العمل الطويلة في باقي الأيام.
ذات يوم وأنا أتبضع من هذا المحل، كان هذا اليوم قد صادف يوم عطلة بابان. غياب بابان عن المحل كان يولد فراغاً ملحوظاً جداً، فهو من كان يهتم بالناس ويأتي بكل طلباتهم دون أن يكلفهم عناء البحث بين الحاجيات. كان ملماً بالأسعار ونوعية المواد ومصادرها ما كان يريح المشتري إلى درجة كبيرة. رغم أنه في إجازة عن العمل في هذا اليوم وجدته قد دخل المحل فجأة. سارعت بالسؤال عنه فأخبرني أن اليوم هو يوم راحته وجاء الآن ليتبضع من المحل بعض الحاجيات التي طلبته منه أمه.
بابان بدأ بتجميع طلبات أمه وهو يتجول بين الرفوف وفجأة صاح عليه صاحب المحل ممازحاً. صاحب المحل كان قد اعتاد على التعامل مع بابان بصفة كونه عاملاً لديه، الأن أيضاً يحاوره وكأنه في ساعة عمل. رداً على صاحب العمل، جاءت إجابة بابان النارية التي جذبت انتباهنا جميعاً حين قال ممازحاً ايضاً:
– اسطة.. أنا في يوم إجازتي وجئت الأن زبوناً أتبضع من المحل ويجب التعامل معي بلطافة التعامل مع الزبائن.
هذه الإجابة التي دعتنا أنا وصاحب المحل إلى الضحك كثيراً والتعامل مع بابان بأسلوب لطيف شيق كما هو الحال مع عموم الزبائن وقلنا له جزاك الله يا بابان.
الحادثة بين الاخوة سرت للطرفة لكنني ابغي ربط الموضوع بالعموم.
لكل حادث حديث ولكل مقام مقال، هذا ما أراد بابان قوله بإجابته العفوية السريعة. فليس لنا أن نخلط الأمور ونبسط أيدينا على هوانا وأن نطلق العنان كما نشاء. فكل شيء له تعامله الخاص الذي يستحقه. علينا أن نولي اهتماماً كبيراً بالمتغيرات التي تقع مع مرور الزمن. فليس لنا أن نعامل شجرة كبيرة نستظل بظلها اليوم على أنها شتلة صغيرة كما كانت في الأمس.
هكذا فإن الإدارة تتطلب إعطاء كل شيء حقه دون هضم الحقوق. لكل وقت وزمان خصوصية خاصة جداً يجب عدم الخلط بينها. أن تكون بالإنصاف والعدالة واحترام حيثيات الأمور ما تؤهل الدولة في الاستمرار وعدم الانجرار إلى الهاوية ومن ثم الهلاك. فخلط الأوراق ليس من شأنها إلاّ أن تسوق الجميع إلى ما لا تحمد عقباه. ففي وقت العمل عمل وفي وقت الراحة راحة ولكل وقت أهميته القصوى.
فإن كانت ساعات العمل مهمة فإن ساعات الراحة والترفيه مهمة كذلك لتجميع القوى وزيادة التركيز في العمل. فإن إلغاء ساعات الراحة ينتج عنها التلكؤ في العمل، كما أن الاستهانة بساعات العمل لا تجعل العطلة سعيدة كما نصبوا إليها جميعاً.