23 ديسمبر، 2024 8:04 ص

بإنتظار لهيب الجمرة

بإنتظار لهيب الجمرة

النار الهادئة هي أکثر وأعمق تأثيرا من النار الحامية والملتهبة، ذلك إن النار الهادئة تٶدي تأثيرها ببطأ ولکن بفعالية أقوى من الثانية، والامر يمکن تشبيهه أيضا بالمرء الذي ينفعل من جراء أمر ما ويندفع کالمجنون لايلوي على شئ من أجل تحقيق هدفه وهو هنا أشبه بالاعمى والاصم والمصادر لعقله لأن الغضب يجعل الانسان أسيرا للقوة الغضبية فيما إن الانسان الذي يتعامل بهدوء وروية مع أي أمر أو تطور غير عادي ويتصرف بعد أن يدرس الامر من کل جوانبه بدقة، هو الذي يمکن أن يحقق أهدافه وغاياته لأنه يسمع ويرى ويتصرف بتوجيه من قوته العقلية. وهذا هو حال المقاومة الايرانية في تعاملها وتعاطيها مع ملف مجزرة صيف عام 1988، التي إرتکبها نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية وبدم بارد ضد 30 ألف سجين سياسي من أعضاء وأنصار منظمة مجاهدي خلق، إذ بقيت المقاومة الايرانية وعلى الرغم من إن کل الظروف والاوضاع کانت لصالح النظام الايراني، لاتنفك من العمل على إبقاء هذه القضية حية وتسلط الاضواء على جوانبها المختلفة وتوضح مدى بشاعة الجريمة ودمويتها ومن کونها جريمة تحمل کل مواصفات وشروط جريمة ضد الانسانية.
هذه الحادثة الفظيعة وغير الطبيعية التي أقدم عليها النظام الايراني في ذروة قوته وبأسه وبسبب من الاوضاع والظروف السائدة وقتئذ، فقد تم تجاهلها على الرغم من إن منظمة العفو الدولية أعلنت في ذلك الوقت من إنها جريمة ضد الانسانية ويجب محاسبة ومحاکمة مرتکبيها لکن لم يتم الاقدام على أية خطوات عملية وفعالية من جانب المجتمع الدولي من أجل ذلك کما جرى ضد حالات مماثلة في ليبريا والبوسنة والهرسك وغيرها، غير إن ذلك لم يجعل المقاومة الايرانية تشعر بالاحباط واليأس وتستسلم لذلك کأمر واقع بل إنها ظلت تواظب على إثارة تلك القضية بطرق واساليب مختلفة حتى ولو کان ذلك في أضيق الفرص وأکثرها صعوبة، ولأن العالم يمضي للأمام وتفرض قيم حقوق الانسان والمجتمع المدني والتحضر نفسها کأمر واقع على مجتمعات العالم والانظمة السياسية الحاکمة فيها فإن المقاومة الايرانية التي يبدو واضحا من إنها کانت تدرك ذلك الامر ولذلك سعت للإستفادة من ذلك والعمل على إثارة موضوع هذه الجريمة الشنيعة التي إرتکبها النظام الايراني، ومن دون شك فإن نظرة على العقدين الاخيرين بشکل خاص والنشاطات المستمرة بلا هوادة للمقاومة الايرانية ولاسيما من خلال التجمعات السنوية للمقاومة الايرانية والتي صارت ملتقى دوليا لطرح القضية الايرانية عموما وملف مجزرة عام 1988 خصوصا، وقد أثمرت هذه الجهو في النتيجة على تشکيل وتکوين جبهة عالمية ـ إنسانية ـ سياسية ـ فکرية تقف الى جانب الشعب الايراني والمقاومة الايرانية وتعترف بأن ماقد قام به النظام الايراني في صيف عام1988، جريمة ضد الانسانية ويجب محاسبة مرتکبيها، وبدأت المطالب والدعوات من جانب الشخصيات والاوساط السياسية والاجتماعية والفکرية في مختلف أنحاء العالم تتزايد بشأن فتح تحقيق دولي بهذا الصدد، ولاريب من إن الموقف الذي أعلنته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية مورجان أورتاغوس في 17 تموز الماضي، والذي دعت فيه الى تشکيل لجنة دولية محايدة من أجل التحقيق في المجزرة، يعتبر تطورا غير عاديا بهذا السياق، بل إنه يعتبر بداية عملية لتفعيل الموقف الدولي القانوني من هذه الجريمة، بل وإن کندا عندما تطالب بإدراج قضية مجزرة عام 1988 في لائحة قرار يدين النظام الايرانی فی الاجتماعات القادمة للجمعية العامة للإمم المتحدة في شهر أيلول المقبل، فإن لهذا التطور أکثر من معنى ومغزى ولاسيما فيما لو تلاقفته بلدان المنطقة والعالم کما يجب، علما بأن الذي يجب أن نلفت إليه النظر ونٶکد على إن النار الهادئة للمقاومة الايرانية بشأن إثارة موضوع هذه المجزرة إضافة للتطورين الآنفين المهمين فإنه يجب الانتباه الى أن منظمة العفو الدولية، قد أصدر هي الاخرى وقبل أيام قلائل وثائق أخرى حول مذبحة 1988 تحت عنوان «أسرار ملطخة بالدماء»؛ وأکدت فيها بأن مجزرة 1988 جريمة ضد الإنسانية مستمرة: قال الناجون من مجزرة صيف 1988 مرارا إنه بعد استدعاء الأسرى عصبت أعينهم ووضعوا للتحقيق أمام ما يسمونه “فرق الموت”. ولکي تثبت منظمة العفو الدولية مدى وحشية وبربرية هذه الجريمة فإنها أضافت من إنه” ومن الأسئلة التي طرحتها “فرق الموت” لتحديد مصير الأسرى: هل أنتم مستعدون لإدانة مجاهدي خلق وقادتهم، وهل أنتم مستعدون للانضمام إلى “مجاهدي القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية” ، هل أنتم مستعدون للتجسس على رفاقكم السابقين و والتعاون مع عناصر المخابرات؟ هل أنت مستعد لشنق عنصر من مجاهدي خلق؟” وجاء في هذه الوثائق: لم يتم إخبار المعتقلين عن سبب توجيه مثل هذه الأسئلة إليهم ولم يتم إخبارهم بأن إجاباتهم قد تؤدي إلى عقوبة الإعدام. ولم يتم إبلاغ السجناء بإصدار أحكام بالإعدام عليهم إلا قبل وقت قصير من إعدامهم؛ في بعض الأحيان كانوا يعرفون فقط مصيرهم المحتوم عندما يمنحون الورق والقلم لكتابة إرادتهم.
بعد هذه التطورات فإنه من المنتظر والمتوقع إن الاشهر القادمة ستکون ساخنة جدا وسيکون النظام الايراني على موعد مع تطورات لايمکن أن تسره أبدا!