19 ديسمبر، 2024 3:12 ص

بإنتظار قميص يوسف

بإنتظار قميص يوسف

يعتقد بعضهم أن الخروج عن قواعد اللياقة عرف سياسي، بالإستئثار والإثراء ونمط عيش بمنطق يبطل مفهوم العقد والتمثيل للشعب، وأستبدالهما بالتفكك وإصطناع الأزمات لجلب الأرباح، ولكل فعل خطاب يسبقة يعاكسه، دون التكلم عن أسباب التناقض، لإغتنام تبعات التأثير في كل حالة، لتكون مفاجئة تتناقلها الأخبار، والقصد خطط جدية للمستقبل بوَهْن ذاتها وتوهينها للمتلقي.
عندما تكون النتائج بمعزل عن أصل تكوينها، سيصار الى عمل سلطوي، يتجاوز من جعله ممكناً.
فرق بين ما نص عليه الدستور وبين الأعراف السياسية في الواقع، كالفرق بين المدرسة وما يُعلمه شارع بائس، وهناك من الوقائع والمصائب في عرف السياسة كتاريخ، منها المكتوب، أو التاريخ الكبير، وأختلاجات تاريخ كنتائج لقصص كبيرة لتواريخ صغيرة المساحة، كبيرة أكبر من المكتوب والمسموع، وحروفه من أجساد وروايتها خيال، لنتهدم بيومها ولا أثر لها سوى عند من يُعانيها، وعلى هذا التاريخ من سنن المآسي لتحقيق ما يتمناه، ورسم لكل يوم خارطة أحداث، تبعث اليأس بعد ضياع الوقت بإنتظار طويل للمستقبل.
الماضي هو الماضي، متحف من الجماجم وصور أفتراس الوحوش للعذارى، والحاضر لا ينكشف برجم الماضي، والمستقبل لا يُرسم بالتحليل الفوري والإستعجال هروباً للأمام دون أداراك العوالق والعوائق، وحسابات طائلة للأخطاء، وسوء التقدير سيؤدي الى طرق ممزقة ومتاهات لا تلتقي نهاياتها، ويبقى أنسانها يدور بين ضجيج أصوات واهنة تهذي دون ترابط، كما يصدر من مريض أو مُصاب بالفصام التنظيري، الذي يعتبر أقواله فرضاً وضماناً موضوعية وهي تناقض، ويشطر الإنسان شطرين أحدهما يشعر بحاجة الحاضر والمستقبل، وآخر يعيش تناقض الماضي ويبحث عن فرصة التعويض عند وصول السلطة كسياسي.
كثيراً ما قرئنا من التاريخ الحقيقي في كتب ذات أغلفة مزيفة، للتخلص من الرقابة وقطع الرقاب، لكن بعضهم تأثر بالجلد المزيف الذي أمامه وكأن الحقيقة التي يبحث عنها تحتاج هذا العنوان، وكأنه يرى الجلد كتاباً والكتاب جلداً، وهكذا توارث أن يرى سياسة البلد بحاجة الى أن يبقى معزولاً عن العالم، ومقطوع الجسور مع خطوطه الخلفية، فكان الإنطلاق من قيود الماضي الى الحاضر بوعي مفقود، وإدارة الظهر للماضي دون الإلتفات لما يعلق من شوائب تعيق الولوج بالمستقبل، بعد خروج من باب ضيقة مميتة الى أبواب متعددة، تتشابه بالشعارات وتتقارب بالأسماء، وتختلف دواخلها بالتصميم ورسم النهايات.
ماضينا بائس متوحش، ومستقبلنا مجهول مشوش، وحاضرنا مشاريع مزيفة بأغلفة مسيسة، تحدثنا عن الحقيقة في جِلدها، وتجلدنا مآسي بمبادراتها المراهقة.
المبادرات المراهقة والمشاريع الزائفة، كالنبوءات الكاذبة، تشوش على الخير وتطيل عمر الشر، وتقطع الطريق أمام الخطوات الإصلاحية والمشاريع الراشدة، التي تنتظر حامل لوائها, كقميص يوسف النبي, عليه وعلى نبينا ألف سلام، الذي هو بمثابة باعث الأمل ومُنسي الألم ومُوحد الجهود، والناهض بالإرادة، مُحرك الإبداع للقضاء على الواقع البائس، للعودة الى قواعد اللياقة وردم التفكك، ويكون خطاب اليوم تخطيط للغد، ومنه الإنطلاق للمستقبل.

أحدث المقالات

أحدث المقالات