18 ديسمبر، 2024 10:06 م

بؤس الفكر السياسي اليساري والقومي العروبي في الستينات والسبعينات من القرن الماضي

بؤس الفكر السياسي اليساري والقومي العروبي في الستينات والسبعينات من القرن الماضي

بعد التحية:
سررت بردك على مقالي ( مجداً للجيشين الكردستاني والامريكي.. هل من الحكمة والانصاف معاداتهما؟) لأثارته لدي افكاراً قوت وعززت من أرائي في المقال المذكور وكما سنرى، وبذلك اكون لك شاكراً، واليك ردي:
ان تمجيدي لأمريكا وجيشها ليس لأنهما يحميان كردستان و نظامها الديمقراطي منذ عام 1991 انما لاسباب كثيرة منها: أنه بفضل ذلك النظام انطلق المعارضون الشيعة و السنة وغيرهم من العراقيين من كردستان المحمية امريكياً لأسقاط النظام العراقي السابق، واسقاط امريكا فيما بعد لأبشع نظام دكتاتوري عرفه التاريخ الحديث، فأقامتهم لنظام ديمقراطي تعددي في العراق رغم النواقص التي تخللته. عليه والحالة هذه على العراقيين ان يشكروا الامريكان بكرة واصيلاً وبالاخص الشيعة منهم اذ بفضل امريكا ولأول مرة في التاريخ اصبحوا سادة بلدهم، ولولا الامريكان لما كان حلمهم التاريخي يتحقق، واذا كان الكرد قد نالوا نظاماً متواضعا فلا ننسى ان الشيعة حصلوا على دولة مستقلة بواسطتهم عليه اتساءل: من الاولى بتمجيد الامريكان الشيعة أم الكرد؟ ومع ان المكسب الكردي من اسقاط الامريكان للنظام السابق متواضع كما اسلفت مقارنة بالمكسب الذي حصل عليه الشيعة الا ان الكرد سيذكرون الفضل الامريكي بكل فخر واعتزاز مثلما لم ينسوا ولن ينسوا افضال اخرين عليهم: الاتحاد السوفيتين السابق الذي اوى البارزاني مصطفى و 600 من رفاقة الثوار. كما لن ينسوا افضال ايران الشاهنشاهية أولاً ثم الجمهورية الاسلامية ثانياً رغم اساءتهما للكرد الاول عام 1975 والثاني في 16 – اكتوبر – 2017، كما لن ننسى مشاركة تركيا في حماية كردستان وجعلها من ابراهيم الخليل اطلالة يطل الكرد من خلالها على العالم الخارجي رغم اساءتها المتكررة لكرد شمال وغرب وجنوب كردستان بشكل شبه يومي، ويشكر الكرد ايضاً: فرنسا و المانيا وايطاليا وكندا.. الخ من الدول الاوروبية والامريكية على مساندتها للنظام الديمقراطي في كردستان، ان الكرد يقيمون عالياً كل من مد يداً بيضاء اليهم، عكس بعضهم من حكام العراق الذين يتنكرون ليل نهار للفضل الامريكي والغربي عليهم.
قبل ايام على كتابة هذا الرد اعلن الامريكان انهم سيسحبون قواتهم من العراق ساعة مطالبة الحكومة العراقية بذلك، اذكر انهم في عام 2011 سحبوا قواتهم بناء على طلب من الحكومة العراقية. اعود لاتساءل: كم محتل للعراق من عثمانيين وصفويين ومغول وامويين.. الخ وعدوا بسحب قواتهم من العراق بعد احتلالهم له؟ الستم معي اذا قلت ان الامريكان هم ارحم المحتلين بالعراقيين من سائر المحتلين الذين سبقوهم في احتلال العراق؟
تذكيرك لي بهجوم امريكا الذري على اليابان 1945 وحروبها في اقطار الهند الصينية 1975 وقبلها لتخطئة تمجيدي ذاك من ثقافة الستينات اليسارية والقومية العروبية التي فات زمانها واثبتت خطأها. لأن هناك قبل تلك الحروب الامريكية في شرق اسيا من فاق امريكا في الجرائم، اذكرك ان عدد ضحايا الحروب الامريكية في هيروشيما واقطار الهند الصينية وكوبا… الخ لن يرقى الى 1% من الجرائم التي ارتكبتها الثورة الثقافية في الصين حيث بلغ عدد ضحاياها اكثر من 60 مليون انسان قتلوا ظلما في عقد الستينات من القرن الماضي، ولا ترتقى جرائم الامريكان، وهي مدانة طبعاً، الى جرائم اليساري بول بوت في كمبوديا والذي اباد مليوني انسان خلال اعوام قليلة جداً من حكمه، ثم ان جميع ما ارتكبتها امريكا من جرائم هي دون جرائم الانفال والمقابر الجماعية وهدم 4500 قرية كردية… الخ ففي الانفال وحدها ابيد نحو 182 الف انسان كردي ليس هذا فحسب بل ان جرائم دول الاستعمار الحديث: بريطانيا، فرنسا، اسبانيا.. الخ لا تصل بدورها الى 1% من جرائم دول الخلافات الاسلامية بحق الانسانية، جرائم دول: الخلفاء الراشدين، الاموية، العباسية، العثمانية، الصفوية.. الخ من الدول الاسلامية، واذا قلبنا صفحات التاريخ لا نجد الا قلة من الدول لاتتجاوز اصابع اليد الواحدة لم ترتكب المجازر بحق دول وشعوب اخرى وحتى ضد شعوبها، فلماذا التذكير بجرائم الامريكان فقط والتي هي دون المئات من الجرائم للدول وبكثير سواء في الماضي او الحاضر.
وفي معرض ردي على aljawadi abdelwahed اذكر من ثقافة الستينات التي مازالت مهيمنة على الالاف من العراقين، التهويل من اخطاء وجرائم الانكليز ونوري السعيد والعهد الملكي في العراق، في وقت ان الذين قتلوا على يد الانكليز والعهد الملكي لايقارن اطلاقاً بعدد الذي قتلتهم النظم الجمهورية كافة بدءاً من الجمهورية الاولى، جمهورية قاسم، وانتهاء بالجمهورية السادسة. على سبيل المثال لم يتجاوز عدد الشيوعيين الذين اعدموا اوقتلوا في العهد الملكي ال 15 شخصاً في حين اغتيل منهم في الموصل وحدها وامام سمع وبصر حكومة قاسم ويتشجيع منها نحو 400 شيوعي وصديق لهم في السنوات الاولى من عمر انقلاب 14 تموز 1958 هذا فضلاً عن مقتل واغتيال عشرات اخرين في كركوك وبغداد.. الخ ومن ضمن التهويل ذاك، الحديث عن السجون في العهد الانكليزي والملكي والمبالغة في بشاعة نكرة السلمان والسجون الاخرى، ووصف النكرة بباستيل العراق، دون أن يعلموا ان النظم الجمهورية خصوصاً الاولى والثانية وما بعدهما لم تلغ ( نقرة السلمان) وبقية السجون الاخرى، فالنظام الجمهوري الاول زج بنكرة السلمان من الشيوعيين اضعافاً مضاعفة للذين زج بهم النظام الملكي في ذلك السجن، ولم يلغ هذ السجن الا في عهد متاخر وفي اوائل حكم البعث الثاني. وبعد سقوط الملكية تم فتح سجون جديدة كبيرة مثل سجن ابو غريب وسجن الناصرية الحالي.. الخ دع جانباً القول من تحول العشرات من الاماكن في طول البلاد العراقية وعرضها الى مقابر جماعية ضمت عشرات الالوف من الرجال والنساء والاطفال.
نعم ليس هناك من وجه للمقارنة بين النظام الملكي واحتلال الانكليز المباشر وغير المباشر للعراق وبين النظم الجمهورية العراقية الرهيبة والمتوحشة المتعطشة للدماء، بل ليس هناك من وجه للمقارنة بين نوري السعيد والحكام الجمهورين الذين تعاقبوا على الحكم في العراق من بعده، ان نوري السعيد والمحتلين الانكليز حماية سلام مقارنة بهم.
ومن ثقافة الستينات التي مزقت المجتمع العراقي اعتبار الاقطاعيين خونة وجزءاً من الاستعمار، رداً على هذه الثقافة اقول ومن شعارات الستينات الفجة والساذجة ( العامل اخ الفلاح عدوهما الاستعمار والاقطاع) من غير ان يعلموا ان الاقطاعيين وطبقة ملاكي الاراضي من مكونات المجتمع العراقي وهم كانوا ومازالوا طبقة منتجة بل ان كثيراً من ابناء هذه الطبقة انضموا الى الاحزاب الوطنية كالشيوعي والديمقراطي الكردستاني والبعثي في النضال ضد الدكتاتورية. لا تستغبروا من كلامي اذا قلت ان مخالفة الشرائع والقوانين ظلم وانتزاع الاراضي من الاقطاعيين والملاكين من قبل حكومة قاسم وفيما بعد حكومة البعث واعطائه لاخرين ظلم، ترى هل هناك ظلم اكبر من الظلم الذي لحق بالاقطاعيين وملاكي الاراضي عندما انتزعت قطع من اراضيهم من قبل الحكومة ووزعت على الفلاحين ؟ بأي حق انتزعت الاراضي منهم؟ ولم تتوقف مفاهيم الستينات عند هذا الحد بل انها راحت فيما بعد لتتزع المعامل والمصانع من اصحابها وتأميمها واوغلت في الهمجية اكثر عندما اقدمت على تأميم الطب واهانت الاطباء..
بعد التنمية الانفجارية في العراق في أواسط السبعينات من القرن الماضي وتراجع شريعه انتزاع الاراضي والمعامل.. الخ من اصحابها، وبعد تفشي الفساد باشكاله بعد سقوط النظام السابق عام 2003 اغتنى عدد كبير من اصدقائي اليساريين والماركسيين السابقين من كرد وعرب وغيرهم، وصاروا يملكون عشرات ومئات الدونمات من الاراضي وشيدوا معامل وبنوا فنادق.. الخ واصبحوا مليونيرية ومليار ديرية ( بالدولار) وما زالوا يزيدون من ثروائهم واموالهم،.
ذات يوم جمعتني الصدفة ببعض منهم وطرحت عليهم فكرة التأميم والاصلاح الزراعي وشعار من اين لك هذا؟ سيما وانهم بزوا الاقطاعيين القدامي والبرجوازيين والراسماليين السابقين باشواط لا تعد في الغنى وجمع الثروة، فاتاني ردهم بالرفض القاطع سريعاً وكادوا يتهمونني بالجنون. بهذا لا اغالي اذا قلت انه كان حراماً معالجة الفقر والتخلف في الريف بالاصلاح الزراعي سواء في عهد قاسم اوصدام حسين ومعالجة الفقر والتخلف في المدن بتاميم المعامل والمصانع والطب.. الخ، ولقد فشلت التجربتان فيما بعد فشلاً بيناً، فبعد الاصلاح الزراعي زادت هجرة الفلاحين الى المدن وها هي الاراضي الزراعية في العراق تتحول باستمرار الى دور سكنية، اما المعامل و المصانع فقد شهدت توقفا مخيفاً بسبب المفاهيم التي سادت في الستينات والسبعينات وتطبيق حكام العراق، قاسم، عارف، صدام لها، لقد اساءت حكومات اولئك الى الاقطاعيين والفلاحيين و العمال والبرجوازيين ايما اساءة وما عليها الان الا ان تعيد النظر في سياساتها المدمرة تلك وتقوم قبل كل شيء بتعويض الملاكين واصحاب المعامل وترد اراضيهم اليهم وترفع الغبن عنهم وتشرع في الوقت عينه بتحسين اوضاع العمال والفلاحين والكادحين ولكن بأسلوب اخر غير الاسلوب الذي نفذته الحكومات السابقة التي اتيت على ذكرها، مثل توفير العيش الكريم للشرائح الفقيرة وسن قوانين لحمايتها ورفع اجورها ولا اخفي على احد ان التحسن الذي طرأ على احوال الالاف من ابناء هذه الشرائح لم يكن بفضل الاصلاح الزراعي ولا التأميم لاموال الافراد، بل بفضل امور اخرى لامجال لذكرها هنا. حرم الله الدم والميتتة ولحمم الخنزير في القران. وارى ان التمتع بخيرات اراضي الملاكين وبأي شكل كان حرام مثل الدم والميتة ولحم الخنزير.
صح ان الاقطاعيين بفضل نفوذهم المالي استغلوا الفلاحين.
وظلموهم لعقود – وليس كل الاقطاعيين طبعاً، وان الاستغلال الذي مارسوه بحق الفلاحين بدخل في اختصاص المحاكم الجنائية ويجب ان يعاقبوا عليها وفق القانون اما انتزاع الارض منهم فأنه عقاب جماعي مرفوض من كل الشرائع الدينية والدنيوية.
ومن ماخذي على ثقافة الستينات في القرن الماضي جعل الصداقة مع الاتحاد السوفيتي السابق والخروج من حلف بغداد والكتلة الاسترلينية وتطبيق الاصلاح الزراعي والتأميم( عدا تاميم النفط) ..الخ من المفاهيم الاخرى، مقياساً للوطنية والديمقراطية، ذلك المقياس الذي كان عقيماً وخاطئاً من الفة الى يائه وفوق هذا فان انصاره اوقعوا انفسهم في التناقض والازدواجية، مثال ذلك ان نظام قاسم كان لديهم وطنياً لأنه طبق المقياس وبكل نواقصه فقانون الاصلاح الزراعي الذي اصدره حرم نصف فلاحي العراق من الاراضي، ولم يقدم على توقيع معاهدة صداقة مع السوفيت بالمقابل ظل صدام حسين دكتاتوراً فاشياً ومشبوهاً متهماً بالوصول الى الحكم بقطار امريكي في نظرهم رغم انه كان ملتزماً بذلك المقياس اكثر من التزام عبدالكريم قاسم به في اصداره لقانون رقم 90 في مجال الاصلاح الزراعي وتأميم النفط، ودخوله في معاهدة صداقة مع السوفيت، فلماذا اصبح قاسم وطنياً وهو لم يطبق الا القليل من ذلك المقياس في حين حرم صدام من الوطنية بعد ان طبق المقياس بما يزيد على ال 100%؟
وفي اطار ثقافة العقدين المذكورين من القرن الماضي بل وعقود سبقتهما ايضا. مبالغة القوميين العرب من ناصريين وبعثيين من عدد فتلاهم الذين اتهموا الشيوعيين بالموصل به وكانوا برددون باستمرار بان الافا من القوميين والبعثيين المشاركين في تمرد الشوف عام 1959 قتلوا كل ذلك لكي يبرروا اغتيال العشرات من الشيوعيين وانصارهم لا غير، وانكشفت كذيتهم ومبا لغتهم في عام 1964 عندما اقاموا احتفالاً ضخماً في ملعب ( قضيب البان) بالموصل تخليداً لقتلاهم وتمجيداً بهم وتنديداً بالشيوعيين، واصدروا بياناً بالمناسبة لم يتضمن سوى اسم 65 قتيلا لهم، بعض منهم قتلوا برصاص جنود حكومة قاسم، وبعض باطلاقات عشوائية، علماً ان جميع من قتلوا من اولئك القوميين في الشوارع والاحياء قتلوا على يد الجماهير الغاضية، مع ادانتي لعملية قتلهم الوحشية، كان على المحاكم ان تبت في قضاياهم وليس الشارع، وشتان بين 65 قتيل والمبالغة الكبرى الاف القتلى. وتندرج مبالغة الرد علي في الثقافة عينها، فالكل يعلم ان البيشمركة وصفوا كمقاتلين نيابة عن العالم ضد داعش وهم في تحرير هم لمسافة 1050كم من الاراضي من داعش ومشاركتهم الفعالة في تحرير الساحل الايسر من الموصل قدموا نحو 1500 قتيل فقط ولم يبالغوا في عدد قتلاهم مثلما فعل اولئك القوميون. والذي رد علي. حين قال بمقتل عشرات الالوف من الحشد الشعبي!
ان استيلاء الزعيم عبدالكريم قاسم والضابط اليساريين والقوميين على السلطة يوم 14-7-1958 يعد ضمن الانقلابات العسكرية التي انتزعت السلطة بطريقة غير شرعية، ولقد حكم علم السياسة منذ عقود على الانقلابات العسكرية كافة بالخطأ بما فيها انقلاب 14 تموز 1958 لأنه وقع من وراء ظهر الشعب ولاننسى ان جميع الانقلاب العسكرية في العراق والعالم كانت كارثية لهذا السبب نجد ان الحكومات الديمقراطية الحالية تدين الانقلابات وتدعو اما الى اعادة الحكومة السابقة أو تحديد سقف زمني لاجراء الانتخابات وتأسيس حكومة ديمقراطية وتختلف الثورات عن الانقلابات، لأنها اي الثورات تشارك طبقات الشعب عنها: ثورة اكتوبر الثورة الصينية، الثورة الفرنسية، الثورة الجزائرية، الثورة الكردية .. الخ ولكن لاننسى ان معظم الثورات تلتقي مع الانقلابات في جوانب من الخطأ كونها محاولة غير شرعية ايضا. لاصقاط السلطة وبالاخص الثورات الطبقية، وكما وقف العالم على كارثية الانقلابات: بقي ان نعلم ان الثورة الصينية في الستينات قتلت 60 مليون صيني وابادت ثورة اكتوبر على يد ستالين مئات الالوف وفي الجزائر اعوام التسعينات ذبح وقتل عشرات الالوف من البشر.. الخ
ان اعتراف اليساري باخطائه لن ينال من صواب فلسفة كارل ماركس، وان فتح ( الحوار المتمدن) الباب امام مختلف الاقلام لا يعني انتفاصاً لها. بل انه سر نجاحها وكسبها للمئات من الكتاب والملايين من قرى وبالرغم من اخطاء الثورة الصينية، الا ان دعوتها الى ( ان تتفتح الازدهار وتتبارى مختلف المدارس الفكرية) في حينه كانت صحيحة ولو كانوا يعتمدوتها كمنهج وممارسة لما قتل ال 60 مليون انسان اثناء ( الثورة الثقافية) التي حطمت حتى الشطرنج بحجه وجود الملك فوق رقعتها. علما ان القيادة السوفيتية عابت ذلك الشعار الصيني.