18 ديسمبر، 2024 7:10 م

بأنتظار لحظة الاعتراف بالحقيقة

بأنتظار لحظة الاعتراف بالحقيقة

عام 2017 اتصل بالاذاعة البريطانية BBC مايكل هرست احد قادة ميليشيا الجيش الجمهوري الايرلندي السري التي كانت تمارس العمل المسلح لاجل استقلال أيرلندا عن سلطة بريطانيا ، واعلن هرست مباشرة على الهواء عن تقديم اعتذاره للشعب البريطاني ولعوائل الضحايا الذين تسبب في مقتلهم وكانوا معظمهم من النساء وذلك عندما زرع قنبلة عام ١٩٧٤ داخل إحدى الحانات،واعترف صراحة في اتصاله ان ضميره كان يعذبه طيلة الاربعة عقود الماضية لانه كان مسؤولا عن إزهاق أرواح الناس المدنيين الابرياء تحت ذريعة محاربة السلطة البريطانية والسعي لنيل الحرية والاستقلال .
ونحن من جانبنا ابناء مدينة الموصل المنكوبة سنبقى جالسين على عتبة الامل ننتظر ذاك اليوم الذي يخرج فيه احد المسؤولين العراقيين ليعترف صراحة وامام الملأ بمسؤوليته عن قرار القصف الصاروخي والمدفعي (العشوائي)الذي تسبب في قتل مالايقل عن(مائة ألف)مدني في محيط مدينة الموصل القديمة.
حتى الان وحسب تقارير المنظمات الدولية تم إحصاء اكثر من اربعين الف ضحية من المدنيين سقط معظمهم في معركة الجانب الايمن ومايزال هناك اكثر من خمسين ألف جثة تحت الانقاض تنتظر من ينتشلها ويتكرم بدفنها.
إن المدينة القديمة اضافة الى انها ذات كثافة سكانية عالية كانت تشكل مركز الثقل الاقتصادي الرئيس وعصب الحياة لعموم محافظة نينوى باقضيتها ونواحيها حيث تتواجد فيها اكبر واقدم وأشهر الأسواق التجارية لعل اشهرها:باب السراي،السرجخانة ،الصاغة،البورصة،السوق العصري .
يذكر ان المدينة القديمة التي تحولت الى انقاض تتألف من ثلاثة وعشرين الف دار سكنية،وكان يقطنها بحدود مائتان وخمسون ألف نسمة،استطاع ان يهرب منها بحدود المائة الف ،وتتوزع هذه الدور على الاحياء الآتية:
راس الجادة،الخراب،خزرج ،الساعة ،شارع فاروق،الجامع الكبير، المشاهدة،حضيرة السادة،محلة اليهود،الشيخ فتحي،باب سنجار، الزنجيلي، الشفاء،قاسم الخياط،الشهوان،دكة بركة،القليعات، عبدوخب، الميدان،النبي جرجيس،البورصة،جوبة البكارة،باب الطوب ،شارع حلب، شارع النجفي،سوق الصاغة،شارع خالد بن الوليد،باب لكش،باب الجديد، الدواسة،تل المطران،باب البيض،البدن السرجخانة،الطوافة،العكيدات،دورة الحماميل،المياسة.
ربما سيظن البعض بأننا نهدف – ولاسباب طائفية – من وراء هذا الكلام رفع مسؤولية ماوقع من دمار وضحايا عن تنظيم داعش الارهابي وإلقاء هذه المسؤولية على القوات العراقية التي هزمت التنظيم واستعادة المدينة من براثنه.
ولكن ينبغي أن يدرك اصحاب هذا الظن ان معركة الموصل القديمة خرجت تماما عن كل التوقعات والحسابات العسكرية والانسانية بحجم الدمار والخسائر البشرية ،خاصة وأن عناصر التنظيم الارهابي الذين تحصنوا فيها لم تكن أعدادهم تتجاوز(2000)عنصر بينما تجاوزت اعداد القوات العراقية اضعاف هذا الرقم بعشرات المرات هذا اضافة الى طائرات الهليكوبتر التي كانت لوحدها قادرة على معالجة وتصفية عناصر التنظيم الذين توزعوا على اسطح البيوت القديمة بسبب طبيعة الاحياء السكنية وماتتسم به ازقتها من ضيق المسافة التي تفصل مابين جدران البيوت على الجانبين .
وإزاء هذه الطبيعة العمرانية التي تمنع استخدام العجلات كان لابد من اللجوء إلى أسلوب حرب العصابات لمعالجة الأهداف وتصفيتها.إلا أن خطأ القيادة العسكرية العراقية باعتمادها على كثافة القصف المدفعي والصاروخي العشوائي الذي كان من مسؤولية الشرطة الاتحادية ادى الى ان تكون النتيجة على هذه الصورة الكارثية حيث تبدو المدينة القديمة وكأنها قد تعرضت الى ضربة نووية .
فهل سنصل في يوم ما الى تلك الساعة التي نمتلك فيها الاستعداد والشجاعة لنعترف بما ارتكبناه من أخطاء ؟
لاشك بأن الوصول إلى ذلك يعني بأننا قد وضعنا أقدامنا على اول درجة من سلم الدولة المدنية التي يتساوى فيها جميع المواطنين امام القانون بعيدا عن موقعهم الوظيفي ومكانتهم الاجتماعية .