17 نوفمبر، 2024 10:49 م
Search
Close this search box.

ا.د. قصي سالم علوان الجلبي  و الحركة النقدية حول شعر أبي نواس في التراث النقدي العربي   

ا.د. قصي سالم علوان الجلبي  و الحركة النقدية حول شعر أبي نواس في التراث النقدي العربي   

بعد عقود من الكبت والبحث العلمي المحايد،أشهرَ الأستاذ الدكتور ” قصي سالم علوان الجلبي” – عن دار  الفكر للنشر والتوزيع- دمشق-2011 كتابه الموسوم “الحركة  النقدية حول شعر أبي نواس في التراث النقدي والبلاغي”. في المقدمة يذكر الأستاذ الدكتور قصي سالم علوان أن الشاعر”أبو نواس” من ابرز أعلام الشعر العربي على مر عصوره وقد تهيأ له من الشاعرية ما بوأه هذه المكانة ، وإذا كان شعره  قد تردد على السنة العامة في عصره وحتى الآن، فان ألسنة النقاد هي الأخرى كانت  تكثر من ترديده والوقوف عنده ، والدراسات الحديثة أيضاً تناولت  شعره فدُرِسَ في كتب متخصصة  فيه وبعضها على وفق المناهج الحداثوية النقدية المختلفة ، لكن الباحث يرى إن دارسة شعر” أبو نواس” في ضوء النقد العربي القديم لم يتح لها أن تتم عكس المتنبي، الذي تمت دراسته في دراسة اكاديمة قدمها” محمد عبد الرحمن شعيب”،  وكذلك درست الحركة النقدية العربية مذهب “أبي تمام” في القديم، قدمها “محمود الربداوي”، كما تم دراسة شاعرية أبي العلاء المعري في نظر القدامى من قبل الباحث “محمد الحاج مصطفى الحاج” وثمة دراسات أخرى تناولت عدداً من الشعراء القدامى العرب في مختلف العصور.  يرى د. قصي انه:آن الأوان لان تُدرس الحركة النقدية حول شعر أبي نواس في التراث النقدي و البلاغي إذ إن ” دراستنا لشعر هذا الشاعر الكبير في هذا المجال ستساعدنا  على تجلية صورة شعره في جانب مهم من تراثنا إلا وهو الجانب النقدي”(ص 9 ) ، للوقوف على معرفة جانب تطبيقي من هذا النقد، و ما أسهم به  في رسم صورة هذا الشاعر والكيفية التي درس بها شعره، وما رافق ذلك  من توفيق أو إخفاق أو كليهما،  وللوقوف من الناحية الأخرى، على المفاهيم والاتجاهات النقدية التي عرفتها حركة النقد العربي القديم وآليتها ومعرفة تلك المفاهيم والاتجاهات التي أسهمت في تأسيس جانب في نقدنا الأدبي- الأكاديمي، وما زالت تعمل عملها في هذا المضمار، بالإضافة إلى أنها تتناول مكوناً ثقافياً مهماً من التراث، ومحاولة إحياء الصالح والمهم منه وفي ضوء المفاهيم النقدية الحديثة.يذهب الباحث إلى ان الكثير من التراث النقدي العربي ما زال في ضمير الزمن، وبعضها دراسات متخصصة في أبي نواس بالذات ومنها: رسالة في مساويه وسرقاته لابن عمار، وأخباره، والمختار من شعره  والانتصار له والكلام على محاسنه للسميساطي، وغيرها من أخباره ومنها حديث ابن النديم  في فهرسته بالإضافة إلى عدد من رواياته  ودواوينه. ومع ذلك يقرر د. قصي :” ان ما وصل من دراسة شعره ليس بقليل، فبالإضافة إلى بعض الكتب المتخصصة فيه، ثمة من كتب النقد الخاصة والعامة التي نادراً ما خلا كتاب منها من الإشارة إلى أبي نواس أو الوقوف عند جوانب شعره وشخصيته، المثيرة للجدل، وعصره (ص15).قسم د. قصي سالم علوان  كتابه على بابين.  الأول البناء الشعري ودرس فيه عبر ثلاثة فصول، اللغة والصورة وبناء القصيدة وتناول في الفصل الأول ظواهر عدة وقف عندها النقاد، القدامى،  في شعر أبي نواس منها إحكام لغته، وسعة اطلاعه اللغوي واستعماله الألفاظ الأعجمية وألفاظ المتكلمين  ومصطلحاتهم  واتخاذه الأسلوب المولّدَ، كما يبحث ما ذهب إليه بعض النقاد  مما عدّوه من اللحن والخطأ في اللغة لدى أبي نواس، وقد ناقش  الباحث كل ذلك بسعة معقباً مع تبيان رأيه في هذه الجوانب ومنها مثلاً أن الأسلوب المولَّدَ لم يكن أسلوب أبي نواس وحده بل هو  من ظواهر عصره اللغوية، كما انه لم يعمد إلى هذا الأسلوب في كل شعره ويعد الباحث تغير المعجم الشعري لدى “أبو نواس” يعود  إلى تغير الحياة الاجتماعية  والثقافية وانفتاحهما على ثقافات وممارسات اجتماعية منفتحة متعددة من دون تشدد في ذلك العصر، وبالنسبة للقيم الشعرية التي ميزت الشاعر حينها، يذكر الباحث إذا كانت العصور السابقة  تميل عموماً إلى الألفاظ الفخمة  في شعرها، فان  العصر الذي عاش فيه ” أبو نواس” اخذ يميل في غير الأغراض  التقليدية المعروفة “كالمدح والرثاء وغيرها ومال بوضوح إلى الألفاظ الرقيقة البعيدة عن تلك الخامة وهو ما عرف بالأسلوب المولَّدَ”. وحول وجود اللحن والخطأ في اللغة  في بعض شعره، أورد آراء مَنْ قال بذلك ومَنْ ردّ عليهم، كما تناول الصواب في وجود هذا الأمر ولم يكن ديوان “أبو نواس” وشعره بعيداً عنه. وتناول  في الفصل الثاني اهتمام النقاد بصور أبي نواس الشعرية من خلال الكثير من النماذج المبثوثة في كتب النقد والبلاغة ويعقب على كثير من تلك الآراء وبما يتناسب  ويستدعيه التعقيب البحثي المحايد. أما في الفصل الثالث فتناول ما لفت أنظار النقاد في بناء القصيدة عنده كالمطلع والتخلص والخاتمة بسبب من نظرة العرب القدامى إلى البيت الشعري المفرد لا إلى القصيدة كلها، ويعزو ذلك إلى” ولوعهم بالإيجاز وبالمثل السائر واهتمام علماء اللغة ورواة الأدب ببيت الشاهد أو المثل”. وقسم الباحث الباب الثاني على أربعة فصول هي: السرقة، والطبع  والصنعة والموقف الأخلاقي والديني من شعر أبي نواس، وقد درس الباحث في هذا الجانب من كتابه الآراء المتعددة في (زهد ) أبي نواس مؤكداً ضرورة تجاوز المفاهيم القديمة حول هذا الموضوع ومحاولة البعض، قديماً وحديثاً، قسر المعنى على تفسيراتها فقط ، عاداً ذلك من باب الخيارات الشخصية والقناعات الفكرية وحريتها التي يجب أن لا تفرض عمداً على شخصية أبي نواس وشعره ، ثم درس المبالغة والغلو في وجهات النظر تجاهه في هذا الجانب وكذلك إخضاع شعره بقصدية النيل منه ومن إمكاناته الشعرية المتميزة في عصره وكذلك حالياً وتوصل الباحث إلى أن الشاعر” أبو نواس” كان صادقاً مع نفسه في كل ما كتب من شعر وذلك من خلال قدراته الشعرية المتميزة المعروفة عبر تحليل قصائده  في المجون والزهد. ومن المعروف عن أبي نواس انه قد قرأ القرآن الكريم  في بداياته على “يعقوب الحضرمي” حتى  رمى إليه يعقوب بخاتمه وقال له:” اذهب فأنت أقرأ أهل البصرة” كما يذكر ذلك ” ابن منظور في”الفرح والتهاني أخبار الحسن بن هاني” لمؤلف مجهول، نسخة مصورة على (ميكروفيلم) تحقيق عبد العليم الطحاوي- القاهرة 1966، ونزهة الألباء في طبقات الأدباء، تحقيق د. إبراهيم السامرائي- بغداد 1970 . كما عرف عنه: ” انه يعرف جيداً ناسخ القرآن الكريم ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه” كما يذكر ذلك  ابن المعتز في طبقات الشعراء- تحقيق عبد الستار فراج- القاهرة ط2 1968 ، وقد وصفه ” الصلاح الصفدي “بأنه فقيه غلب عليه الشعر”، ولم يكتف “أبو نواس” بذلك بل مضى إلى البادية العربية وأقام فيها عاماً كاملاً “ليتعلم العربية والغريب فيها عن طريق الأعراب والاختلاط معهم والمشافهة، حيث صفاء اللغة، وحيث كان يطلبها كبار اللغويين في عصره،كما انه أحفظ لأشعار القدماء والمخضرمين وأوائل الإسلاميين والمحدثين ما أضاف إلى محصوله اللغوي معرفةً باللغة العربية ودقائق أسرارها واختلاف أساليبها ولهجاتها، حتى أن الجاحظ قال فيه:” ما رأيت أحداً اعلم من أبي نواس ، ولا أفصح لهجة”(ص 12-16 ).يلاحظ أن كتاب د. قصي سالم علوان هو ضمن المحاولات الجادة لفتح حوارات علمية  محايدة حديثة مع الانجازات
العربية التراثية- الفكرية ، و بلغة معاصرة، معتمداً في كتابه على (110 ) من المراجع التراثية والحديثة ، ويثبت ذلك في (ص210 -222 )  وكذلك اعتماده بعض المراجع الأجنبية باللغة الإنجليزية. والكتاب هو رسالة دكتوراه تقدم بها المؤلف إلى إحدى الجامعات المصرية ونال بها درجة الامتياز بإشراف الأستاذ الدكتور عبد المنعم تليمة، في أواخر سبعينيات القرن المنصرم، لكنه لم أحجم باختياره الشخصي عدم نشرها في حينه، وحتى الإشارة إليها، وذلك لموقف النظام المنهار وسلطته الثقافية من ” أبي نواس” الذي عُد شاعراً مارقاً شعوبياً فارسياً، وحتى “مجوسياً”. خاصة أن رأس النظام في اجتماع ثقافي، خلال الحرب  العراقية- الإيرانية وفي منتصف الثمانينيات،  طرح فكرة إعادة النظر في أسماء بعض الشوارع والمحلات والشواخص البغدادية التاريخية وبما ينسجم مع التوجه الذي أطلق عليه بـ( القومي- العروبي) وفي مقدمتها تغيير اسم شارع “أبو نواس” ورفع تمثاله، وصمت الجميع إزاء ذلك الطلب، أو ألأمر، لكن الراحل (جبرا إبراهيم جبرا) ، كان بين الحاضرين، فقدم حينها مداخلة ثقافية موسعة حول ذلك الشارع وترسخه في الذاكرة الجمعية العراقية الشعبية والثقافية، وشهرته الواسعة عالمياً باسمه الحالي،  وقد تراجع حينها رأس النظام عن طلبه هذا وعده “مجرد اقتراح قابل للنقاش”.  

أحدث المقالات