18 ديسمبر، 2024 11:06 م

اُمنيات رجل معوق…..

اُمنيات رجل معوق…..

الجزء الثالث والاخير…
وفعلا وبعد ان ظهرت القبولات الجامعية ظهر اسمها في مقدمة الطلاب الذين تم قبولهم في كلية الطب التابعة لجامعة الموصل.. في هذه الفترة انقطعت رجاء عن رؤية باسل واصبح يعرف جيدا ان الحب الذي كان بينهما اصبح هواجس واحلام وربما من الصعوبة تحقيقه نتيجة مستجدات الاحداث وفي لحظة من الزمن القاسي وبعد مرور بعض الوقت دخلت لزيارته والدة رجاء وبعد ان تبادلا التحيه قامت والدته بسؤال ام رجاء عنها فقالت امها الحمد لله انها الان طالبة في كلية الطب وكما تعرفين يا ام باسل فهي من المتفوقين وان شاء الله سوف تكون طبيبة في المستقبل تخدم اهلها وجيرانها.. هنا تشجعت والدة باسل وقالت لها نتمنى لها كل الخير فنحن اهل وجيران العمر ومضى على ذلك اكثر من عشرون سنة ومثل ما نتمنى الخير لأنفسنا نتمناه لكم ولكن اسمحي لي يا ام رجاء ان اقول لك شيء.. لقد كنا نتأمل في يوم من الايام ان تنتقل رجاء ابنتكم من بيتكم الى بيتنا لتصبح ابنتنا بعد ان نزوجها لابننا باسل ولكن كما تعرفين هذه الاقدار فابني الان معوق وانا اعرف جيداً ما يعاني ابني واعرف محبته لابنتكم لانني املك قلب الوالدة فأرجوك ارجوك ان تفاتحي رجاء بالموضوع وحتى ينتهي كل شيء في حالة عدم الموافقة ونبقى اهل واصدقاء ابتسمت ام رجاء وقالت الخير فيما يختاره الله وانا سوف افاتح ابنتي ولكن كما تعرفين يا ام باسل ابنتي لا تستطيع الان الزواج لأنها طالبة في الكلية والدراسة فيها متعبة وتتطلب وقت كبير وكل شيء قسمة ونصيب فاذا وافقت ابنتي فإنني والله سوف اقنع كل بقية افراد العائلة وابلغكم بالموافقة ولكن في حالة الرفض للظروف الخاصة التي تمر بها كطالبة فارجو ان تعذروننا جدا وان نبقى اهل فانتم اهلنا وعزوتنا في كل الصعاب التي مررنا بها…
تقبلت الفكرة ام باسل وباسل يسمع ما يدور وعيناه تفيض من الدمع وهو لا يعرف ماذا يفعل..
ماذا جرى يا الهي الم اكن اتمنى قبل اشهر ان اعيش معوق بعيداً عن ساحات الحرب ها انت استجبت لي وها هو قدري فلماذا احاول ان اهرب من شيء كنت اتمناه…. ساعدني يا الهي على هذه المصيبة واجعلني من الصابرين اذا فقدت حبيبتي الى الابد…….
مفارقات كثيره يمر بها الانسان في هذا البلد بلدا اسمه يدل على انه ذو تاريخ قديم وحضارته تحمل صفة الشجاعة وحب القتال من خلال رسوم السيوف والخناجر على جدران الاثار القديمة ومن خلال الصفات التي يحملها ابناءه بشجاعتهم المفرطة والذين لا يقبلون الذل لأنفسهم ولذلك تجد ان من يقودهم ويحكمهم يعرف ما هي طباعهم وماذا يريدون..
يومان مرت او ثلاثة ايام وجاء الرد من اهل رجاء وكان قاسي جدا بالنسبة الى باسل اما اهله فكانوا يتقبلون الأمر طبيعي ويعتبرون ان الرفض هو من حقها لأنها سوف تصبح طبيبة ولابد لها ان تعيش مع مستوى مماثل لها في حياتها هنا طلب باسل من اهله ان يغادر هذه المنطقة الى منطقة سكنية ثانيه لأنه لا يستطيع ان يعيش مع الذكريات التي اصبحت مع الواقع ذو مرارة كبيرة حاولوا اقناعه بانهم سوف يخطبون له من اي مكان اخر وانهم قد تعودوا على السكن في هذه المنطقة ولكن اصراره كان قرار لا رجعة فيه واستجابة لرغبته قام اهله بعرض منزلهم للبيع وبعد بيعه قاموا بشراء منزل اخر في الساحل الايسر من مدينة الموصل بثمن البيت الذي باعوه وانتقلوا الى منطقة سكنية جديدة ورغم صعوبة العيش لفراق منطقتهم الا ان الجميع استجاب لرغبه ابنهم الكبير واحتراماً لمشاعره وتقديرا لظرفه الخاص..
سارت السنين مسرعة وبقي باسل يرفض الزواج وتخرجت رجاء من كلية الطب وتقدم لطلب الزواج منها طبيب اكبر منها سناً كان يسكن ايضا في مدينة الموصل وشاءت الاقدار ان يلتقي به باسل في احد المناسبات العامة من باب المصادفة فعرفه جيدا بانه زوج حبيبته القديمة رجاء ومن المفارقات انه نفس الطبيب العسكري الذي عالجه اول مرة في وحدة ميدان الطبية في قاطع شرق البصرة الطبيب الملازم اول سعد وقد تم نقله الى مستشفى الموصل العسكري ودار الحديث بينهما وتذكر الطبيب ذلك الشخص وذكره باسل بنفسه وبعد نهاية اللقاء ذهب كل منهم في طريقه…
اما الدكتورة رجاء التي اصبح دوامها في احد مستشفيات الموصل الموجودة داخل المجمع الطبي في الساحل الايمن وتعيش حياة هانئة مع حياة زوجية سعيدة ودارت الايام وباسل ما زال يرفض الزواج ثلاث سنوات مرت على زواج رجاء وفي احد الليالي الفاجعة تتعرض رجاء وزوجها الى حادث سيارة على الطريق المؤدي الى العاصمة بغداد عندما كانوا ينوون الذهاب لحضور مؤتمر طبي في مدينة الطب وكان الجو ممطر وبغزارة وعلى اثر الحادث يفارق زوج الطبيبة رجاء الحياة وتصاب رجاء برضوض في جسدها لان الإصابة القوية كانت من الجهة الاخرى التي يتواجد فيها سائق السيارة…
حادث اليم في حينها تكلمت الناس عنه كثيرا..
عادت رجاء الى بيت اهلها بعد فترة لأنها لا تستطيع ان تعيش وحدها وخاصة انها اصبحت ارملة وبدون اطفال…
حزنت على زوجها الذي شاهدته يموت امامها ايام وليالي مرت سنة وتتبعها سنة ثانية واصبح عمر باسل يناهز الثلاثين سنة هنا قالت له والدته يا بني انني اليوم سوف اذهب بزيارة منطقتنا القديمة فقد اشتقت اليها فقال لها ابلغي سلامي الى كل الجيران الطيبين..
ذهبت الام وكان في زيارتها مآرب اخرى فذهبت مباشرة الى منزل الدكتورة رجاء وبعد ان استقبلوها بحفاوة وتكريم لان العلاقات الطيبة بينهم متواصلة مع مرور الوقت قالت ام باسل وبصوت مقتدر يا ابنتي يا رجاء ان الاقدار هي من يتحكم بيننا فابني كما تعرفين حالته الصحية واصابته اثناء المعارك ولكنه كان متعلق بك كثيرا وشاءت الاقدار ان تنهي دراستك الإعدادية بتفوق وتدخلي كليه الطب وتتخرجي بعدها طبيبه وتتزوجي من المرحوم الطبيب زوجك رحمه الله وها انت اليوم جالسه في بيت اهلك ولابد لك ان تجدي رجلا يناسب وضعك الجديد وانا والله احبك مثل ابنتي واريد ان أفاتحك بموضوع طلب زواج ابني باسل من جديد لأنه يرفض الزواج نهائيا وكما تعرفين لحد الان لا يقبل مجرد ان نفتح موضوع الزواج معه وانا جئتك طالبة منك ذلك وارجوا ان توافقي فقالت لها نعم يا خاله اعرف ذلك واعطيني مهله للتفكير حتى اناقش نفسي واناقش اهلي وبعدها ارد لكم الجواب النهائي فقالت لها والله ان ابني كل يوم يمر عليه اراه معذبا في حياته وكما تعرفين فهو كبير اخوانه ويعتبر الاب لهم والحمد لله يملك سيارة خاصة ويملك منزلا خاص ولديه راتب تقاعدي ولا ينقصنا شيء..
ارجو ان تفكري جيدا وان توافقي على الزواج من ابني ونحن بانتظار جوابك… ثلاثة ايام مضت او اربعة وجاء الرد بموافقة رجاء على الزواج من عاشقها القديم باسل وكانت تلك الليلة لا توصف فرحتها في منزل باسل واهله فالجميع محتفلون بهذه المناسبة وباسل يروم شوقا للقاء رجاء ليشكرها ويقبلها من راسها لموافقتها على مشروع الزواج منه وفعلا في صباح اليوم التالي جهز نفسه بملابسه الجديدة وعطره الفواح وقرر ان يذهب الى المستشفى الذي تتواجد فيه الطبيبة رجاء وما نزل من السيارة وسأَل على غرفتها فأشاروا اليه انها في تلك الغرفة في العيادة الخارجية للمستشفى حتى وصل اليها وسلم عليها وعلى من معها فقامت رجاء باستقباله وقالت لزميلاتها الطبيبات هذا باسل هذا خطيبي اريد ان اعرفكم عليه كانت فرحته لا توصف وخاصه كلمه هذا خطيبي..قالت له انت نفسك ياباسل لم تتغير. وانت انسان وفي وطيب ولكن الأقدار هي من يتحكم بنا…
ما اجملها من لحظات ما اجمل الحياة بعد اليأس.. ما اجمل الفرح بعد الحزن.. عادة الحياة الى باسل من جديد وعاد قلبه المحطم الى سعادة كان يحلم بها بالأمس…
سعادة ابدية سعادة لا تضاهيها سعادة… ما اجمل الحياة ان تلتقي بمن تحب وان يكون شريكاً لك.. وبعد ان تمت الخطوبة الرسمية وقاموا بتجهيز كل ما مطلوب اعلنوا موعد الزواج وحددوا نهاية الاسبوع المصادف يوم الخميس موعد زفافهم ووجهوا الدعوة لكل الاقارب والمحبين الذين حضروا مباركين وفرحين لهذه المناسبة السعيدة… مرت الايام واصبح باسل هو من يقوم يوميا بإيصال زوجته الطبيبة الى المستشفى واحيانا الى عيادتها الخاصة التي قامت بافتتاحها قرب منزلهم الجديد…
عاش باسل مع رجاء سنه كامله لينجبوا طفلهم الاول الذي اطلقوا عليه اسم ليث وبعدها بسنتين تقريبا تأتيهم طفلة جميلة ثانيه أَسموها زهراء واستمرت حياة باسل مع حبيبته حياة سعيدة كان باسل يتذكر بين فتره واخرى حياته العسكرية وما قدمه وما جرى له فيها وينسى همومه عندما يتذكر زواجه من الدكتورة رجاء وعاشا في امان تام ونحن نودعهم في سعادة وطمأنينة ومعهم ليث وزهراء اللذان حولا حياتهما سعادة اخرى..
وشكرا لك اخي قارئ هذه القصة التي هي من واقع حياتنا الاجتماعية التي نعيشها في العراق هذا البلد الذي قضينا اعمارنا فيه بين حرب وحرب وجوع وحصار بين ثورات وثورات قضيناها بين المدفع وقصف الطائرات على منازلنا قضينا فيه مع الجوع والخوف وما زلنا ونبقى نحبه ونعتز به وباسمه انه بلدنا العراق الذي تجري حروفه في دمائنا لا نستطيع ان نتركه رغم كل المآسي التي عشناها به.
ودمتم سالمين….