قال الكاتب الياباني هاروكي موراكامي : “إن الأشخاص الذين يفتقدون الخيال, هم أول من يبادرون, إلى التبرير لأنفسهم”.
هنالك أفكارٌ واقعية, تَتَحَولُ لِفِكرٍ أشبه بالخيال, عند بعض من يطلع عليه أول وهلة, لتصورهم الخاطئ بعدم تغيير الواقع.
هنا تأتي حكمة التصور المستقبلي للواقع, حيث يقوم الحكماء, في استقراء الصورة القادمة, قبل ان يفَكر بها المتقوقعون, في واقع السياسة المادية, المنتجة للفِكر الجامد, لخوفهم من اختراق حاجز الخيال, والانطلاق بأفكار حديثة, هدفها الخدمة العامة والرقي بالمجتمع.
استعمل أغلب ساسة العراق الجديد, نقاشات ومخاطبات وأطروحات, استقطبت الطبقة الضعيفة لكثرت العدد, إلا أنها لم تُحقق, ما يصبو له المواطن العراقي, فالشعارات أصبحت بعد أربعة عشر عاماً؛ مجرد وعود فارغة, استشرى من خلالها الفساد, على كل الأصعدة, ليفقد النظام الديموقراطي بريقه, الذي أبهر المواطن.
الأفكار الخَلاقة مهما يكن تكاملها الفكري, فإنها تحتاج للتطوير, معتمدة على المعاناة, فالجمود الفكري يؤدي لفساد الفِكرة, ولا بد من التنشيط التهذيبي, لِكبح جماح الفساد المتراكم, وهذا التنشيط لا يأتي من فراغ او بسهولة, فهو يحتاج لِحكمة فكرية, غاية في وضع خطط مستقبلية, تَكاد تكون عند العامة, ضرباً من الخيال, تبعاً لقوة المعاناة, التي يعيشها المواطن العراقي.
ليس كل سياسي مهما كان تأريخه, وفهمه لأغوار السياسة, أن يسير ببوصلة التغيير, نحو التَطور الفكري, ما لم يكن مُطَّلِعاً عن قرب, او معانياً حقيقياً للسلبيات, التي شابت العملية السياسية, بعد سقوط الدكتاتورية, تطور الفكر السياسي يحتاج للحنكة والحكمة, فالسياسة كأي علم, قابل للتطور وتعديل النظريات, فإن جَمَدَ فكره, وبقي على منوال واحد, فقد حكم قادته عليه بالموت, وكمثال على ذلك, الأفكار الشيوعية والقومية, التي فقدت بريقها, وآلت إلى منحدر السقوط.
إن النظرية الناجحة لحد الآن, والتي لم تسنح لها الفرصة, لتسنم الحكم لمحاربتها, من قبل الطُغاة عبر العصور, هي النظرية الإسلامية الحقيقية, التي شوهها بعض المتطفلين, الذين حرفوها عن مسارها الانساني, المُعتمد على التَحَرر, ونبذ العبودية والسيطرة الشخصية, مع تَقبل الفكر الإسلامي للتطور, كونه يلائم كل العصور, مخاطباً كل الطبقات المجتمعية دون تمييز.
إنَّ انطلاق تيار سياسي معتدل, باتخاذ الدين الإسلامي الحقيقي, الذي لا يعتمد على طائفة معينة, منطلقاً من الأسس الانسانية, الجامعة لكل أطياف المجتمع, نابذا للفاسدين من الوهلة الأولى, بوضع ضوابط حقيقية للانتماء, يعيدُ الثقة التي ضيعها, المتمسكون بالطائفية والعرقية, ليسيطروا على ذهن المواطن العراقي.
إنَّ التَحرر من الأفكار الهجينة, والاعتماد على التأريخ الزاخر بالحيوية, ليس ضرباً من الخيال المستحيل, طالما أنه ينطلق من منبع المعاناة, ليَرتُق فَتْقَ الفساد, الذي أحدثته بكتريا الفشل السياسي, الذي حكم العراق بنظرياته الجامدة, سعياً لتضييع كل التضحيات, من أجل العودة لنقطة الصفر.
لقد انبثق تيار الحكمة, ضمن رؤية مستقبلية حقيقية, نابعة من صميم الفِكر الإسلامي, المحتضن لكل أطياف المجتمع العراقي, لقد كان وصف الشهيد محمد باقر الحكيم؛ دقيقاً جدا حين أطلق جملة, العراق عبارة فسيفساء متكامل, لا يمكن فصل أي جزء منه.
الحكمة تقتضي مشاركة, من أجل توحيد الخُطى, لِخدمةٍ تنبع من الفَكرِ الصافي, على يدِ شباب واعٍ, لخطورة الواقع, المتطلعِ لبناء دولة حقيقية, فكان تيار الحكمة الوطني.
تيار الحكمة الوطني, ليس من ضرب الخيال, بل هو تَرجمة لروح التطور الفكري, من اجل عراق يخدم الجميع.