هل صحيح كما يدعي البعض، ان النظام الملكي يناسب العقلية والنفسية العربية اكثر من اي نظام آخر، وبنوع خاص النظامين الديمقراطي والحزبي؟
الجواب بطبيعة الحال ليس في مثل هذه السهولة وهذا التعميم. ولكن ما حدث ويحدث في اغلب اقطارنا العربية منذ نهاية عقد الخمسينيات من تجارب ومشاكل الحكم والسياسة يحمل على طرح السؤال الذي هو عنوان مقالنا.
فقبل الاجابة على سؤال المقال، لا بد من طرح اسئلة اخرى منها: ما الاسباب الموجبة للحكم في المجتمع العربي الحديث؟ هل هي ذاتها الاسباب الموصية شرعاً ام تلك الموصية موضوعاً؟ وهل هناك مجتمع عربي واحد ام عدة مجتمعات عربية؟ وهل هذه المجتمعات المختلفة محصورة في التقسيمات الجغرافية للوطن العربي، اي خاصة بكل قطر عربي ام ان تباينها قائم داخل كل دولة؟ ثم هل ان الحاجات والهموم والآمال هي ذاتها بالنسبة لكل الاقطار العربية ام تختلف في درجة الاهمية والاولوية؟
مما لا ريب فيه ان المعطيات والمصالح والهموم والآمال المشتركة بين كل الاقطار العربية هي أمر واقع والا لما سميت بالاقطار العربية ولا تطلع العالم اليها كمجموعة عربية، بل لما كان هناك جامعة دول عربية ومصير عربي مشترك.
ولكن المشكلة الكبرى هي في ان هذه المعطيات والمصالح والهوم والآمال المشتركة ليست كافية في الوقت الحاضر لتحقيق حلم الوحدة العربية لا بشكل دولة واحدة او بشكل ولايات عربية متحدة او اتحاد الاقطار العربية…
وما فشل التجارب العديدة التي قامت منذ خمسين عاماً الا دليل على ان حلم الوحدة العربية او الدولة العربية الموحدة صعب التحقيق في الظروف الموضوعية العربية الراهنة.
اما المشكلة الكبرى الثانية فهي في ان الصعوبة في تحقيق الوحدة وحتى الحد الادنى منها، لم ولا ينفي الشعور الشعبي والرسمي بالحاجة اليها ولاسباب عديدة، اهمها: الصمود في وجه التحديات المصيرية وابرزها التحدي الاسرائيلي، وضرورة خلق مجموعات اقتصادية وعسكرية كبرى تستطيع الدفاع عن نفسها ومصالحها ازاء صراع القوى الكبرى.
هكذا يجد كل عربي نفسه مسؤولاً كان ام غير مسؤول امام خيارات صعبة: خيار اول بين ايمانه بضرورة تحقيق وحدة عربية ما، بصرف النظر عن اسسها وشكلها، وواجبه بان يحقق في محيطه الوضعي الحد الادنى من الاستقرار والتطوير الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وخيار ثانٍ بين مسؤوليته الوطنية ومسؤوليته القومية. وخيار ثالث بين اهتمامه بالواقع اليومي المحلي وتخطيطه للمستقبل القومي البعيد.
من هنا نشأت مشكلة نظام الحكم في الوطن العربي او العالم العربي او الواقع العربي… تبعاً للتسميات العقائدية المختلفة.
هل المطلوب من النظام ان يؤمن الاستقرار والوحدة الوطنية في كل قطر ومجتمع عربي من اجل تخصيص الجهد لمقاومة التحديات الخارجية؟ ام المطلوب توفير التقدم وزيادة الانتاج من اجل تعزيز طاقة الشعوب والاقطار التي منها تنبع القدرة الفعلية على مجابهة التحديات؟ ام المطلوب توفير الحرية واجواء الفكر والابداع التي تفتح الطريق امام التقدم الحقيقي المؤدي الى القدرة على مجابهة التحديات؟
لقد عرفت الاقطار العربية انظمة ملكية ازدهرت فيها الحرية والديمقراطية، كما عرفت انظمة جمهورية قيدت الحرية وعطلت حقوق الانسان، كما عرفت انظمة اشتراكية عجزت عن تحقيق الحد الادنى من العدالة الاجتماعية وانظمة عسكرية جنحت حيناً الى اليسار وحيناً الى اليمين وانتقلت من الماركسية الى حكم الشريعة او العكس بدون اي مبرر، اللهم سوى مصلحة الحكم في المناورة من اجل البقاء.
في الواقع، ان مشكلة الحكم في الوطن العربي مطروحة بشكل خاطئ، فالطرح العقائدي – مصدر السلطة – هو طرح نظري بعيد عن الواقع، كذلك الطرح الشكلي – ملكية، جمهورية، برلمان… – فانه طرح غريب عن الواقع، فلا تقليد الدول ذات الاوضاع او الظروف المختلفة يحل المشاكل العربية الذاتية، ولا نسخ التاريخ القديم يساعد على مجابهة التحديات المعاصرة … ولعل الموقف السياسي المنطقي الوحيد هو الاعتراف بالواقع اولاً والدراسة العلمية ثانياً والتخطيط ثالثاًَ والثقة بالانسان العربي .
ان مشكلة العرب ليست في مصدر السلطة او شكل الحكم بل في التخلف الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي المعطوف على مشكلة تزايد عدد السكان الناقض لكل محاولات التنمية والعدالة الاجتماعية والمعطوف على افتقار الانسان العربي الى الحد الكافي من الحرية المشجعة للبوادر الفردية والابداع والتي بدونها لا يستطيع الحكم أياً كانت اشكاله ومصادره، ان يوفق بين مصالح الوطن وأماني الشعب ومقتضيات الاوضاع الدولية وتحديات العصر.
ولعل مشكلة المشاكل العربية هي ان المجتمعات العربية تحيا وتعاني المشاكل العقائدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عانتها الشعوب والبلدان المتقدمة طوال قرون ثلاثة في آن معا، وانها تحاول التوفيق بين متطلبات واقع يشدها الى القرن الثامن عشر وتحديات القرن الواحد والعشرين.
فهل من المعقول ان يتم ذلك بفقرة واحدة ام بمجرد تغيير شكل الحكم ام شخص الحاكم؟