23 ديسمبر، 2024 4:47 م

عام 1953،كنت طالبا في مدرسة الكرمة الابتدائية (ريف قضاء سوق الشيوخ) وبسبب تطلعاتي الادبية،سميت معاونا لأمين المكتبة ،كان امينها معلما ومربيا فاضلا،هو الترتبوي (صبري….) كان معلمنا لمادة الرسم ، وهو نشط وامين في اداء الواجبين: أمانة المكتبة وتعليم مادة الرسم.

فلسفة التربية

وجودي في المكتبة ،وتطلعاتي الادبية،اتاحا لي قراءة بعض ما تحتويه المكتبة من الكتب،ومما قرأته كتاب (فلسفة التربية) لمؤلفه الدكتور محمد فاضل الجمالي،ويبدو ان هذا الكتاب هو اطروحة الجمالي لنسل شهادة الدكتوراه.

ولكن من هو الجمالي؟ في المصادر ذات الصلة قرات : الدكتور محمد فاضل الجمالي(1903 1997) مؤسس المدرسة الدبلوماسية في العراق (1943 1958) وكان قبل ذلك قد صمم واعدَ نظام التربية والتعليم الحديث على نظرية النسبة السكانية،وليس على نظرية المدن الكبرى وكان قد بعث في اول بعثة علمية الى الولايات المتحدة الامريكية وحصل على دكتوراه (فسفة التربية) من جامعة كولومبيا عام 1932 تولى وزارة الخارجية ثماني مرات ورئاسة مجلس النواب مرتين ورئاسة الوزارة مرتين يوصف بأنه (مفكر ،مصلح ، ملكي الهوى).

اعتقل بعد (14/تموز/1958) وتمت محاكمته ،ولكن اطلق سراحه مثل بقية رجالات العهد الملكي الذين صدرت بحقهم احكام مختلفة من (المحكمة العسكرية العليا الخاصة محكمة الشعب) غادر العراق عقب اطلاق سراحه ، وعاش في تونس ،ومات ودفن فيها ومن اصدقائه الرئيس الامريكي آيزنهاور.

ماذا يتذكر المسافر؟

كلف الجمالي برئاسة الوزارة العراقية بعد خلوة بين الملك فيصل الثاني ورئيس مجلس الامة السيد الصدر هكذا تقول مصادر مطلعة الا ان تكليفه برئاسة الوزارة يتعدى نصيحة قدمها رئيس مجلس الامة وتجاوب معها الملك الهاشمي ،ونميل للقول:ان الظروف السياسية التي مر بها العراق خاصة والمنطقة عامة قد تطلبت هذا الاجراء فالنخبة السياسية التي تصدرت المشهد الحكومي العراقي من تاسيس الدولة العراقية المعاصرة جاءت من صلب النظام العثماني الاستبدادي (عبد المحسن السعدون نوري السعيد جميل المدفعي توفيق السويدي …)مثلا ،

وتحولوا فجاة من مناصري السلطة العثمانية الى قادة للعراق في ظل الاحتلال البريطاني لذلك حملوا منهج تلك السلطة،ومن جهة ثانية اشتدت المعارضة الوطنية بالداخل وفي مصر برزت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر،وقام الزعيم الوطني الايراني (مصدق) بتأميم النفط في بلاده.

لهذه الاسباب وغيرها ، تم التوجه نحو تغيير ما في الواجهة السياسية العراقية ، تغيير يأتي بنخب متنورة،لم تنشأ في ظلالسلطة العثمانية الاستبدادية وبرزت للواجهة شخصيات تحمل مؤهلات جامعية وتفكير ليبرالي وفي المقدمة منها :محمد فاضل الجمالي وعبد الغني الدلي وغيرهما.

الا ان ما يؤخذ على الدكتور الجمالي حماسه للنفوذ الاميركي في العراق ومما يدعو للاستغراب قيامه باصدار جريدة يومية سياسية حملت اسم (العمل) كانت مدافعة عن السياسة الامريكية في العراق خاصة ،والمنطقة عامة.

وحين قام الرئيس عبد الناصر بالتوجه نحو موسكو عام 1958 في اول زيارة لرئيس عربي للاتحاد السوفيتي وبينما كان الرئيس عبد الناصر يستقل الطائرة متوجها نحو موسكو كانت جريدة(العمل) تكتب افتتاحية حادة حملت عنوان(ايها المسافر تذكرا) تضمنت انتقادا شديدا لهذه الزيارة.

رحل الجميع الى دنيا الاخرة لكن ما قاموا به :

ان كان صحيحا او خطا ،خيرا او شرا ، بقي مجرد وقائع للذكرى،عسى ان تنفع الذكرى؟!