18 ديسمبر، 2024 6:13 م

اين يذهب البشير بالسودان

اين يذهب البشير بالسودان

ما ينزل فى وسائل الاعلام السودانية كفيل بإعطاء المتابع العربى توصيفا موضوعيا لما يحدث فى المشهد السودانى ، الجميع متفق على ان الرئيس عمر البشير قد فشل فشلا ذريعا فى حكم السودان و لا مناص من رحيله ، هذا على الورق كما يقال ، لكن فى الواقع الرئيس ليس فى وارد التخلى عن الحكم و الوضع الاقتصادى ليس فى وارد التحسن و المجال السياسى ليس فى وارد الانفتاح و الامور فى السودان مشتبكة و محفوفة بالمخاطر و الشعب السودانى اليوم يلاقى من الصعوبات الاقتصادية ما لا يحتمل و لعل الجميع اليوم فى انتظار تحركه و استرجاعه لسيادته المفقودة طيلة حكم الرئيس عمر البشير ، لعل اقالة مدير المخابرات و الامن الوطنى السيد محمد عطا و تعويضه بالمدير السابق لنفس الجهاز السيد صلاح قوش هو التعبير المستجد على الساحة السودانية و الذى يكشف للمتابعين حالة الهوان التى اصبح عليها السودان و التى ترجمتها المظاهرات الشعبية الصاخبة الاخيرة ، الرجل معروف بصلابته البوليسية و بمواجهته الشرسة للمواطنين السودانيين يضاف اليها معرة اخرى و هى علاقته الوثيقة بالمخابرات الامريكية و التى تجعله من الارقام الصعبة فى السودان و مثار الجدل و الريبة من النظام .

يجلس الرئيس السودانى على كراسى هزازة متعددة فى نفس الوقت و هو يعلم أن مصيره المحتوم آت لا ريب فيه خاصة بعد أن تعددت أخطاءه السياسية و الاقتصادية و بات نظامه يعيش على فتات المجتمع الدولى ، لا أحد اليوم فى محيط السودان يريد ربط صلات الود مع نظام بات آيلا للسقوط بل أن تصاعد النبرة بينه و بين النظام فى مصر بات يشكل علامة استفهام كبيرة لأنه يضع الشعبين فى عداوة كبرى لم يسبق لها مثيل ، بطبيعة الحال ، تغيير مدير جهاز المخابرات يعنى الشيء الكثير لان الرئيس فشل فى التعامل السياسى الاقتصادى و بات يميل الى المعالجة الامنية و هى معالجة يؤكد العارفون انها ستكون المسمار الذى سيدق فى نعش النظام ، هناك سؤال كبير اليوم يدور فى الشارع السودانى : ماذا باستطاعة الرئيس البشير تقديمه للسودان ؟ ليكون السؤال الموالى جاهزا ليقول : هل حان الوقت للتخلص من النظام أو بالأحرى هل أن النظام قد فهم أنه قد كان وقت الرحيل ؟ يقول العارفون أن الرئيس يبحث عن قشة نجاة فى بحر التناقضات التى يعيش عليها السودان منذ بداية حكم الرئيس البشير و لعل البعض اليوم لا يتردد فى القول بأن زيارة الرئيس التركى الاخيرة هى القطرة التى افاضت صبر و تعقل الشعب السودانى لأنها كشفت أن النظام مستعد لإنقاذ نفسه و لو تطلب الامر بيع مصالح السودان فى المزاد العلنى التركى .

معلوم للجميع ان السودان يعيش على الهبات و العطايا و القروض الخليجية و معلوم أن انخراط السودان فى ضرب الشعب اليمنى و اسالة دماء ابناءه الابرياء هو الضريبة التى طولب النظام بدفعها و تأمينها مقابل تلك الصدقات التى يتم ارسالها الى جيوب اهل الحكم ليزيد الغنى غنى و الفقير فقرا ، من العيب ان يبقى السودان عالة على دول الخليج و من العار ان يبقى النظام بعد كل هذه السنوات بلا هوية وطنية عربية اسلامية بعد ان احرق كل الاشرعة مقابل صمت المجتمع الدولى على كل الانتهاكات ضد الشعب السودانى ، اليوم هناك دول افريقية فقيرة تحولت بفضل حسن التدبير و الارادة السياسية الايجابية الى دول تضرب بها الامثال فى التحول الديمقراطى و القفزة النوعية فى المجالات الاقتصادية و العلمية فلماذا يبقى السودان هو الاستثناء و لماذا يبقى الشعب السودانى اسير نظرة النظام السلبية للأمور و لتطلعات هذا الشعب ، على كل المستويات يقف النظام فى ذيل القائمة و هذا دليل على هبوط مستوى التخطيط السياسى و الاقتصادى و من ثمة نتساءل لماذا يصر هذا النظام على المشى فى الاتجاه المعاكس و لماذا كل هذا العناد فى مواصلة السياسات السلبية الخاطئة الى حد الان و هل ان الشعب السودانى لا يستحق نظرة اخرى للأمور .

من ينظر الى هيكلية النظام و عدد الوزراء و المستشارين و نواب الوزراء و المستشارين الى اخر القائمة يدرك الاجابة عن السؤال الذى يذهب للبحث عن اسباب هذا الفساد و البيروقراطية و الرشوة المتفشية فى الجسم الادارى السودانى ثم كيف يمكن لهيكل متآكل ، متواكل ، متضخم بهذا الشكل ان يحاسب الفاسدين و يخطط للمستقبل و يقدم الحلول و يتقدم بالسودان و الاهم كيف يمكن لبلد فقير مهتز اقتصاديا أن يوفر السيولة المالية اللازمة لهذا اللفيف المرعب من الكوادر ثم و لماذا كل هذه الهياكل المترهلة التى ستخذل الشعب السودانى و تزيد من عمق أزمته الاقتصادية و هل أن الحوكمة الرشيدة تستدعى مثل هذه الفيالق من الزائدين على الحاجة أم العكس و لكن الظاهر من كل هذا أن النظام يريد ترضية البعض على حساب مصلحة الشعب و الوطن عالما أن اثقال جسم الادارة بهذا العدد المهول من الموظفين سينهك الجسم السودانى و يزيد من ترهله الذى تؤكده كل الدراسات الاجنبية الجادة ، ان بيع ” سواكن ” الى تركيا هو دليل على فشل الرؤية الاقتصادية السياسية الاستراتيجية للنظام و لعل رفض تونس لمثل هذا المطلب التركى رغم حاجتها الملحة للاستثمارات يعطى الدليل على الفرق بين الحنكة السياسية للنظامين و هنا بيت القصيد و مثار كل الاسئلة الحارقة التى تقض مضاجع الشعب السودانى .