كان وما زال مفهوم حقوق الانسان الهاجس الاهم الذي يشغل اهتمامات المفكرين والمصلحين بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية . ولن نجافي الحقيقة اذا قلنا ان حقوق الانسان كشعار استخدم سياسيا بشكل سيء لاحتلال دول واسقاط انظمة بل انه كان حصان طروادة الذي ادى الى تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الاشتراكي. وبرغم الجهود التي تبذل من منظمات ومنها الامم المتحدة لتطوير وتوسيع وتطبيق مفهوم حقوق الانسان منذ 1945 الى الان ، فان شعوب العالم ما زالت تعاني من انتهاكات فضيعة .
فمن الصعب الادعاء عدم حصول انتهاكات لهذه الحقوق حتى في الدول المتقدمة في مجال التطبيق الديمقراطي لكن هذه الدول شئنا ام ابينا احتلفنا معها او اتفقنا صارت حلم كثير من مواطني دول في اسيا وافريقيا ومنها اقطار وطننا العربي بقي فيها المواطن ومازال يتطلع الى التمتع ولو بالحد الادنى من حقوقه المسلوبة .
في العراق وبرغم شعارات الديمقراطية و وما تضمنه الدستور ، الذي عليه الكثير من المؤاخذات ، من مواد وفقرات تمنح المواطن حقوقه ، الا ان الواقع العملي ومع الاسف يقول انها شعارات ليس الا فالديمقراطية وحقوق الانسان ما زالتا حبر على ورق ، بل ان هنالك انتهاكات ما زالت تحصل من دون رادع خاصة في السجون التي تصرخ جدرانها من انين ابرياء اعتقلوا على الشبهة او نتيجة بلاغات كيدية وقد عانوا كثيرا من صنوف التعذيب والاهانات ليتم اطلاق سراحهم بعد سنوات طويلة لبرائتهم من التهم الموجهة اليهم .. لاننكر ان الاوضاع الامنية التي عاشها العراق صعبة ومعقدة قد تفرض اعتقال هذا وذاك ،غير ان العدالة واحترام حقوق الانسان تفرض على الجهات المتخصصة ان لايستمر اعتقال المواطن لاكثر من سنة ان لم نقل اقل من ذلك بكثير ..
وفي اخر رسالة لمركز جنيف الدولي الى المفوضية السامية لحقوق الانسان طالب المركز معالجة سريعة للانتهاكات التي ما زالت تحصل في العراق حيث اكد ( اختفاء مئات الالاف من العراقيين قسريا بعد اعتقالات ومداهمات .. ) وفي مجال السجون والمعتقلات اشار المركز الى ما يجري فيها من ( معاملة سيئة وغير انسانية لالاف المعتقلين والمسجونين بعد محاكمات غير عادلة ودعاوى كيديه او بدواعي الحقد والا نتقام .. ).ناهيك عما عرضه المركز من معلومات عن تعرض المتظاهرين والناشطين الى انتهاك حقوقهم بالتظاهر السلمي من اجل حقوقهم واعتقال اعداد منهم بل وصل الامر الى تصفية عدد من الناشطين !..
نتوقع ان مثل هذا الحديث لايروق لساسيي الصدفة ولا ( وعاظ السلاطين )، غير ان التجربة العملية المعاشه تؤكد حصول ما هو اسوأ وهنالك عشرات ان لم تكن مئات القصص التي يتم الحديث عنها من قبل محامين وحقوقيين ، بل ان الصدفة جعلتني استمع لحديث شابين في حافلة لنقل الركاب يبدو من حديثهما ان احدهما يعمل في احدى السجون حديث افزعني . فقد كان يحكي لصاحبه عن مواطنين اثبتت التحقيقات براءاتهم و افرج عنهم بعد اكثر من خمس سنوات وهم يعانون شتى الامراض من دون ان يحصلوا حتى على كلمة اعتذار بسيطة ، وعن اخرين ما زالوا رهن الاعتقال وهو ما يستدعي سرعة معالجة اوضاعهم .. بصراحة لاندري الى من نوجه كلماتنا لوقف انتهاكات الحقوق ، لان من ابسط واجبات اللجنة المختصة في مجلس النواب وغيرها من الجهات والمنظمات المعنية بالموضوع ان تقوم بزيارات مفاجئة للسجون يتم من خلالها الاطلاع مباشرة على اوضاعهم وهو ما لا نعتقده يحصل الى الان ! اضافة الى اهمية توعية الجهات المسؤولة والزامها بالالتزام بما جاء بالدستور .
اخيرا نقول ان الشيء المهم الذي حصلنا عليه بعد الاحتلال هو فسحة الحرية النسبية التي تمنحنا حق النقد والتظاهر السلمي فلا تحرمونا منها .. فلا معنى لكل شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان في ظل الخوف والقهر.