22 ديسمبر، 2024 9:36 م

اين نحن من الانتخابات التركية ؟

اين نحن من الانتخابات التركية ؟

حظيت الانتخابات الرئاسية والنيابية التركية التي جرت مرحلتها الثانية الاحد الماضي ، الثامن والعشرون من ايار / مايو باهتمام عالمي غيرمسبوق ، وتغطية اعلامية قل نظيرها وبخاصة من قبل العالم الغربي .

ولقد قيل كل شيء عن هذه الانتخابات واهميتها وكيف عاد اردوغان ليفوز بخمس سنوات لاحقة وهو ما يعني انه تربع وسيتربع على كرسي الرئاسة لمدة تزيد عن الربع قرن .. وفي الحقيقة فلا يهمني في هذا المقال من فاز ومن خسر ، ولن أتطرق الى سيرة اردوغان الماضية وحزبه وسياساته خلال اكثر من عقدين ومالها وما عليها ، ولا يهمني ماجرى خلال الحملات الانتخابية ، ولا نتائج الانتخابات الرئاسية والنيابية التي سجلت فوزاً كبيراً لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم .. واخيراً ، فليس لي راي ولا تكهنات بكل صراحة في مستقبل هذا البلد في ظل استمرار اردوغان بالحكم وخسارة المعارضة الواضحة وفي ظل التحديات الجسيمة لهذا البلد والمنطقة عموماً .. ولكن الذي لفت نظري واثار اهتمامي واعجابي ، والمي ايضاً ، هو الآليات والاجراءات الفنية واللوجستية التي جرت بها الانتخابات بجولتيها الاولى والثانية .. وما تعنيه الينا كعراقيين ، وسأذكر هنا بعض الحقائق :

بلغ عدد المواطنين الاتراك الذي حق لهم التصويت في انتخابات الرئاسة والبرلمان اكثر من اربعة وستين مليوناً من مجموع سكان الدولة البالغ حوالي الخمسة وثمانين مليوناً حسب احصاءات العام الفين واثنين وعشرين.. وان الذين صوتوا في الانتخابات كانوااكثر من ٨٥٪؜ من عدد المواطنين الذين يحق لهم التصويت ، وفي هذا تسجل تركيا اعلى نسبة تصويت في جميع دول العالم نسبة الى عدد السكان ، او عدد الاشخاص الذين يحق لهم التصويت .. ولذلك مؤشرات عديدة اهمها : وعي الشعب باهمية هذه الانتخابات ، واهمية المشاركة فيها ، وان الشعب ينظر اليها بجدية ومسؤولية لرسم مستقبله بنفسه .. وتذكر الإحصاءات ايضا ان اكثر من ثلثي الذين شاركوا في الانتخابات ( في الجولتين ) هم ضمن سن الشباب اي الفترة من ١٨ الى ٣٥ عاماً .
والنقطة المهمة جداً التي اثارت انتباهي هي الاستقلالية التامة والحيادية المطلقة لمفوضية الانتخابات ، وعدم تدخل السلطة في اي من مراحل الانتخابات ولا التأثير على نتائجها.. رغم ان رئيس الدولة وحزبه الحاكم وغالبية اعضاء حكومته هم طرف اساس في هذهالانتخابات ، كما ان المعارضة تحكم قبضتها على بلديات مدن وولايات كبرى كإسطنبول مثلاً ، ولم يفكر احدٌ في أستغلال موارد الدولة وامكانياتها في الانتخابات وفق آلية مراقبة صارمة ودقيقة من قبل مفوضية الانتخابات ، حتى في تلك المناطق النائية والبعيدة والمعقدة التضاريس ..
والامر الاخر هو فتح مئات المراكز الانتخابية خارج البلاد في ثلاث وسبعين دولة شارك في التصويت فيها اقل من مليوني ناخب مناصل عدد المواطنين المغتربين الذين يحق لهم التصويت والبالغ عددهم حوالي الثلاثة ملايين واربعمائة الف ناخب ، وقد وصلت صناديق واوراق اقتراعهم الى مقر الانتخابات الرئيس في الاوقات المحددة بسلاسة وسهولة وأُدخِلت نتائجها وأُعتمدت بنفس السهولة….
واخيراً وليس آخراً هو اعلان نتائج الانتخابات بشقيها وسعتها وشموليتها وعدد المشاركين فيها في مساء ذات يوم الانتخابات ،واعلنت النتائج الرسمية والنهائية في اليوم التالي .. وبكل شفافية وامام وسائل الاعلام ومندوبي المرشحين والمراقبين المحليين والدوليين .

وهنا اعود الى انتخاباتنا العراقية واقول .. اننا نجري انتخابات منذ عقدين من الزمن ونشهد في كل انتخابات مشاكل وخروقات واجراءات ارتجالية ومناكفات وتسقيطات سياسية وغير سياسية ويستخدم فيها الدين والمذهب والعشيرة والمال السياسي ( الداخلي والخارجي ) والمناطقية وفق قانون انتخاب بغيض ومهلهل فصلته الاحزاب على مقاسها لتضمن الهيمنة على المشهد السياسي ، ويشارك فيها الحزب ذوالمليشيات او الاجنحة العسكرية والحزب المدني والعلماني .. اضافة الى ادارتها من قبل مفوضية عينتها نفس الاحزاب المشاركة في الانتخابات وفق مبدأ المحاصصة القومية والعرقية والدينية ، فكيف نضمن نزاهة هذه الانتخابات ؟ اضف الى ذلك ان نسبة العراقيين الذين صوتوا في الانتخابات الاخيرة التي جرت عام ٢٠٢١ كانت متدنية للغاية ولم تتعد العشرين من المائة حسب الاحصاءات الرسمية ( وقيل اقل من ذاك ) مما يدل على ان المواطن العراقي يئس من الطبقة السياسية التي تحكمه منذ عقدين وفقد الثقة بها ، فاحجم عن المشاركة.. كما ان الجميع يتذكر ان نتائج الانتخابات العراقية تتاخر نتائجها في كل انتخابات اياماً ولياليا وربما شهوراً ، مما يدع الف مجالٍ للشك في نزاهتها وطبخها على نار هادئة ارضاءً لهذ الطرف او ذاك ، ثم تبدأ المرحلة اللاحقة لشهور وربما عام في تفسير الكتلة الاكبر التي ستشكلالحكومة .. و….و و ..و …

والسؤال الذي يتكرر الان بمناسبة الانتخابات التركية والذي لا يجد الاجابة : لماذا لا نتعلم من الاخرين ، في الانتخابات واجراءاتها ومراقبتها ومفوضيتها واعلان نتائجها بنفس السرعة التي تجري بها في ذات اليوم حيث السرعة والتكنولوجيا ونقل الحدث باللحظة وقد اتاح لنا العالم الافتراضي كل شيء يسهل لنا حياتنا ؟؟ ولماذا في العراق فقط تتدنى نسبة مشاركة المواطن ويحجم عن ممارسة حقه الشرعي والدستوري ؟؟ ومتى ننظم انتخابات شفافة ونزيهة لا دخل فيها للتهديد والوعيد والتدخل الخارجي والسلاح والايدي الخفية ، وتعلن نتائجها في مساء ذات يوم الانتخابات .. وتتشكل فيها الحكومة بعد اسبوع واحد من إجرائها ؟؟

كل يوم تشهد دول العالم انتخابات مختلفة وهي تقريباً بذات مواصفات الانتخابات التركية وآلياتها وشموليتها في شرق العالم وغربه ،الا في العراق فالامر مختلف ، فالامر يزداد سوءاً ويتراجع الى الوراء وكأننا الشذوذ الوحيد في هذا العالم !!