الدين أو ذلك الوسيط الذي يربطنا بالإيمان والخشوع والطاعة والعبادة, ولا يهم ان كان هذا الوسيط _أي الدين_ اسلاميا أو مسيحيا أو وثني, فهو في النهاية لا يعدو إلا ان يكون مجموعة من القواعد والتعاليم, تستوجب الطاعة والإلتزام على كل من يؤمن بها لكن هذا الوسيط تحول فيما بعد, الى مجموعة من الموروثات القبلية ولدت من رحم البيئة الصحراوية, التي تشرعن لمفاهيم القوة والقسر المعروفة, مما ابعد الدين عن المغزى الروحي الحقيقي, الذي بشر به جبريل لمحمد في بادىء الأمر .
أما اليوم فلا زلنا نعاني من مشكلة كبيرة, مغزاها ما يحدث من خلط بين علم السياسة من جهة, وبين المنهج الديني من جهة أخرى, فنحن نعلم ان السياسة تقف على مسافة بعيدة من الدين, من جميع النواحي لأن فحوى السياسة من الناحية التاريخية, هو براغماتي المنشأ ودراماتيكي التغير, وهذا معروف للجميع اما الدين فهو لا يعدو إلا ان يكون مجموعة من الثوابت ألأزلية الظهور, وقد فرضت على البشرية فيما بعد, بمعنى أدق ان الدين يتبنى الجانب الثابت القطعي اما السياسة فهي رهينة التغيرات والتقلبات, على الدوام ويجب ان لا ننسى ان الكثير من بلداننا العربية, اقيمت نظمها الحاكمة على أساس ثيروقراطي صرف, مما أضحت الديمقراطية هناك عرجاء مشوهة مفرغة من جميع محتوياتها الحقيقية, بخلاف البلدان الأخرى (التقدمية), التي تتضح فيها أجلى صور الديمقراطية ومعالمها, ولهذه الأسباب وغيرها سبقتنا الدول الغربية الى التطور والعمران, لعقود طوال فضلا عن تبني هذه الدول مفهوم “الدولة المدنية “, التي من احدى شروطها فصل ايديولوجية الدين عن ايديولوجية السياسة, بخلاف مجتمعاتنا التي لا زالت تعاني من مرض الخلط بين الثابت والمتغير, فقد بات الدين مطية لأهواء الكثير من المتحذلقين والمتكسبين, الذين انتجوا الينا فيما بعد ما يسمى بالفقه الأصولي, الذي لا يقف عند متاهة إلا ودخل في أخرى, وما الكتب والتفسيرات الدينية التي بين أيدينا اليوم, إلا دليل على هذا التشعب الديني الأعمى, الذي يعتبر نتيجة مكملة للفقه المذكور الذي لا زلنا نعاني من تشعباته, ومتاهاته في دولننا ومجتمعاتنا .
السياسة علم له قواعده وآلياته كما ذكرنا, وكذلك الحال بالنسبة للدين لكن عندما يتم الخلط عن عمد أو غير عمد , بين هذين النقيضين الكبيرين في عقولنا, هنا سنقع في الأخطاء الجسيمة التي لا زلنا للأسف ندفع ضريبتها لغاية اليوم .