18 ديسمبر، 2024 8:07 م

ايران وامريكا: ابرام الصفقة النووية أم المواجهة

ايران وامريكا: ابرام الصفقة النووية أم المواجهة

عندما كان الملف النووي او ملف الصفقة النووية جاهزة للتوقيع عليه؛ اندلعت الحرب في اوكرانيا، او الغزو الروسي لأوكرانيا، هذه الحرب التي غيرت الكثير من قواعد الصراع والاشتباك في العالم وفي المنطقة العربية. ايران وعلى جري عادتها او ديدنها في المناورة والمساومة والقدرة على استثمار تحولات وتغيرات البيئة السياسية والاقتصادية في المنطقة وفي العالم؛ سارعت وبقوة واصرار على فرض شرطا جديدا الا وهو؛ ان ترفع امريكا الحرس الثوري من قائمة المنظمات الارهابية، واعادة المطالبة بالرفع الكامل للعقوبات الامريكية قبل التوقيع على الصفقة الجاهزة حينها للتوقيع عليها؛ مما قاد او ادى الى توقف المفاوضات في فينا. هنا يظهر لنا السؤال المهم؛ هل ان الولايات المتحدة الامريكية في اجندتها وبالذات هذه الادارة؛ التنصل، او عدم متابعة مفاوضات الملف النووي مع ايران، والذهاب الى الحلول، او المعالجات الاخرى، والتي ربما من اهمها هو المعالجة المخابراتية والاقتصادية وحرب الوكلاء؛ للملف النووي الايراني؟. وهل القيادة الايرانية التي عرف عنها ليس المناورة فقط، بل القدرة الفائقة على التحول البراغماتي في لحظة الاستحقاق لهذا التحول، وتجنح الى مواصلة التصلب في المواقف على ما في هذا من مخاطر، ربما ليس في قدرتها مواجهته الى امد، ربما يكون غير معلوم واقصد هنا هو تشديد العقوبات الاقتصادية مع الضغط على دول المحيط، سواء كان في الجوار او في الأقرب، أو في الابعد؛ بالكف عن التعامل مع ايران، وايضا دفع اسرائيل على العمل او التحريض الاسرائيلي او الاستفزاز الاسرائيلي للبنان، اقصد هنا النفط والغاز في المياه الاقتصادية اللبنانية؛ لإجبار حزب الله على اطلاق الطلقة الاولى حتى يتسنى لها كحجة في شن حرب شرسة على لبنان؟ وزيارة بايدن للدول؛ فلسطين المحتلة، والكيان الاسرائيلي، والسعودية بناءا على دعوة الملك السعودي، لحضور قمة تضم امريكا دول الخليج العربي، ومصر والاردن والعراق ؛ وهل ان هذا التحرك؛ يقع في خانة المساعي الامريكية الاستباقية لمواجهة ايران في المنطقة بحرب الإنابة( من الطبيعي النفط يقع في هذه الخانة..). ان أي وقفة متأنية وفاحصة بحيادية الى موقفي الدولتين، امريكا واسرائيل ومن معهما، وموقف ايران من الملف النووي، او من ابرام الصفقة النووية مع امريكا والدول الاخرى المشاركة في اتفاق عام 2015؛ يقود التحليل المتأني والهادىء والحيادي الى التالي، وباختصار:

اولا: صحيح ان ايران اصبحت لديها القدرة، وكمية اليورانيوم المخصب، سواء كان بنسبة 20% او بنسب 60%، اضافة الى ان قدرتها على صناعة الصاعق وبدن القنبلة النووية، واخفاء بسهولة ويسر؛ عملية التصنيع عن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية؛ على صناعة السلاح النووي في زمن قياسي. هذا الامر مقلق سواء لأمريكا او للدول الاخرى الكبرى من الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي؛ لأنه يهدد اسرائيل وبقية دول المنطقة ويدفع الى الانتشار النووي فيها أي في المنطقة.. إنما ايران ليس في وارد خططها صناعة القنبلة النووية، على العكس مما يروج له؛ من انها تخطط لصناعة سلاح نووي. ان صناعة السلاح النووي لا يخدم ايران في الوقت الحاضر وحتى في الامد المنظور والمتوسط؛ لأنها لا تحتاج إليه في المحافظة على امنها وحدودها من أي اعتداء خارجي؛ لأنه ليس هناك دولة في جوارها لها القدرة والقوة في اجتياح الاراضي الايرانية، اضافة الى عدم توفر النية والاهداف لمثل هذا العمل العدواني، لا الآن ولا في المستقبل. الأمر الاخر؛ هوان ايران بقدراتها العسكرية الحالية وافاق تطورها كما ونوعا في المستقبل المنظور، وسعة جغرافيتها، ووعورتها كافية لصد أي اجتياح.  المسؤولون الايرانيون ليسوا من الغباء بحيث يقدموا على هذه الخطوة في الوقت الحاضر. في المقابل؛ سيصرون على الاحتفاظ بقدراتهم على درجة التخصيب، أي الوقوف على اخر حافة من العتبة النووية..

ثانيا: المسؤولون الاسرائيليون في الايام الأخيرة؛ تحدثوا كثيرا، من انهم سوف لن يسمحوا لإيران بامتلاك السلاح النووي، وهم يدركون اكثر من غيرهم من ان ايران ليس في وارد برنامجها صناعة السلاح النووي؛ انها أي هذه التصريحات ما هي الا مغازلة الجانب العربي، وتجيش الانظمة العربية ضد ايران؛ بتحويلها الى بعبع نووي يهدد دولهم وشعوبهم. انها مخالفة للواقع الايراني على الارض وبالذات في الوقت الحاضر، الذي فيه ايران تعاني صعوبة اقتصادية جمة، كما ان الداخل الايراني هش بدرجة كبيرة جدا. رئيس الوزراء الاسرائيلي قبل ايام؛ قال ان زمن الحصانة الايرانية قد ولى، وحان الآن الوقت على ضرب رأس الاخطبوط وليس الاذرع، وهو هنا يقصد ضرب ايران. لا اسرائيل ولا امريكا؛ ستهاجم الجغرافية الايرانية بطريقة مباشرة، لا الآن ولا في المستقبل، حتى ولو بطلقة مسدس، تحت مختلف الظروف والاحوال؛ لأسباب، سآآتي عليها لاحقا في هذه السطور. لكنها من الجهة الثانية؛ سوف تُفَعل مفاعيل الموساد، التي بدأت قبل سنوات؛ لجهة القوة والسعة، في الداخل الايراني وفي أي مكان يمكن للموساد الوصول اليه. على غرار ما حدث في الايام الاخيرة وما سوف يحدث لاحقا، اكثر كثيرا من الايام الاخيرة..

ثالثا: لا اسرائيل ولا امريكا ستهاجم ايران ولو بطلقة مسدس، للتالي: ايران حاجة استراتيجية امريكية واسرائيلية، والذي اقصده هو الدولة وليس النظام الايراني، فكلا الدولتين تعملان على ازالة النظام الايراني. وهما يعتقدان حسب قراءتهما للمشهد السياسي والاقتصادي والايديولوجي، ومرتكزات النظام الايراني، وليس حسب قراءة كاتب هذه السطور؛ انهما قادران على اسقاطه، من خلال، او بواسطة الاعمال المخابراتية، والحرب الاقتصادية، وحرب الوكلاء، وتحطيم اعمدة النظام داخليا، وفعل الزمن في تجريد تجربة نظام الحكم في ايران من قوة زخم الحركة الداخلية فيه، وانحسار التأييد الشعبي له؛ من خلال تشديد العقوبات الاقتصادية، والاعمال المخابراتية والقتال الإنابي. هنا تأتي الحاجة الى تجيش الجوار الايراني ضد ايران على مختلف الصعد.

رابعا: في الايام الاخيرة اشتد الضغط الامريكي على الجانب الايراني؛ سواء  بقرار الادانة الذي صدر مؤخرا من مجلس محافظي الوكالة الدولة للطاقة النووية، وليس أنتهاءا بالتهديد الاسرائيلي باستخدام القوة العسكرية لتدمير البرنامج النووي الايراني، مرورا بزيادة الضغط الاقتصادي على ايران من قبل الادارة الامريكية، والتلويح بالحرب في مناطق النفوذ الايراني. في مقابل زيادة التصلب الايراني في مواقفها من المفاوضات المتوقفة، مرورا بتنفيذ قرار البرلمان الايراني في عدم استمرار الالتزام بمقتضيات اتفاق 2015: بزيادة عمليات التخصيب، وايقاف كاميرات المراقبة، وزيادة اجهزة الطرد المركزي في نطنز، من الجيل السادس المتطور. ان الجانبين الامريكي والايراني يقومان بعملية الضغط والضغط المقابل؛ لإجبار الخصم على التحرك الى منطقة بين المنطقتين في نهاية المطاف. ان امريكا اذا ما استمرت في تعنتها سوف تقود ايران الى العمل على امتلاك ليس الحافة النهاية من العتبة النووية، بل ستعمل على امتلاك حتى هذه الحافة او الوصول علميا وعمليا اليها من غير ان تقدم على صناعة السلاح النووي، الذي يكون عندها في متناول يدها لحظة تريد، او تقرر ان تصنعها. ان هذا التطور؛ يقود حكما الى الانتشار النووي في المنطقة. أما ايران فمن جانبها تستخدم هذه الاستراتيجية؛ لدفع امريكا على القبول بالحلول الوسط لبرنامجها النووي. اعتقد ان هذا هو، ربما، ربما كبيرة جدا ما سيحصل لاحقا ولو بعد حين

خامسا: الكيان الاسرائيلي لا يخشى ايران النووية، ولا ايران العتبة النووية؛ ان ما تتوجس منه، خوفا ورعبا؛ هو الانتشار النووي في المنطقة، وعلى وجه التحديد؛ امتلاك الدول العربية في الجوار الايراني وايضا في الجوار الاسرائيلي على العتبة النووية او السلاح النووي في زمن مقبل. مما يشكل خطرا وجوديا على كيانها المسخ؛ عنما تتغير احوال دول المنطقة العربية بغير احوالها هذه في الوقت الحاضر، وهو تغيير حتمي تفرضه حتمية تطور التاريخ وضرورات ومرتكزات هذا التطور. عليه فان الكيان الاسرائيلي يعمل بجد وقوة وفاعلية على عدم امتلاك ايران السلاح النووي ولو بعد زمن ما. وايضا يعمل هو وامريكا ولو من خلف ستار على استمرار عملية التطبيع حتى الوصول بها الى نهايتها؛ وتصبح معترف بها من جميع الدول العربية مستقبلا. عملية التطبيع هذه مرتبطة بالبرنامج النووي الايراني، ولو جزئيا، أي في جانب منها وليس جميع جوانبها واهدافها المستقبلية.  لذا نلاحظ ان امريكا والكيان الاسرائيلي؛ يعملان بكل ما بهما من قوة واعلام واقناع؛ على جعل ايران بعبع يهدد دول الخليج العربي وبقية دول المنطقة العربية؛ وان من مصلحة الدول العربية؛ ان تصطف مع الكيان الاسرائيلي للحصول على دعم هذا الكيان الذي يحتل الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة ويعمل ما يعمل من عمليات قتل وحشية للناس في فلسطين، ان لم نقل يحتل كل فلسطين وتلك هي الحقيقة. ايران في اوضاعها الحالية لا تشكل تهديدا وجوديا على دول الخليج العربي او بقية دول المنطقة العربية. لكن هنا من المهم، ان اقول؛ ايران لها وما لها وعليها ما عليها، وهي في النهاية تبحث عن مصالحها بكل الطرق والوسائل التي تستطيع ان تستثمرها. في ذات الصدد لوكان هناك في المنطقة العربية، وفي دول عربية بعينها؛ حرية في جميع مناحي الحياة، وتبادل سلمي للسلطة، وعدالة في جميع فرص الحياة.. ما كان لإيران ان تكون بماهي كائنة عليه في طبيعة علاقاتها مع تلك الدول العربية في الوقت الحاضر، وما كان لها ان تشكل هاجسا مخيفا لتلك الدول.. كما ان ان الانظمة العربية لو تصالحت مع شعوبها العربية، وترجمت إرادة شعوبها في سياستها على جميع الصعد، ومن بين اهمها هو موقف الشعوب العربية من الكيان الاسرائيلي؛ ما كانت لتحتاج الى الدعم الاسرائيلي من خلال التصالح معه، أو التطبيع المجاني معه، على حساب رأي شعوبها او بالضد من رأي هذه الشعوب، التي ستنقلب عليها ولو بعد زمن ما.

سادسا: هل الايرانيون اخطأوا؛ عندما فرضوا شرطا جديدا في اللحظة الاخيرة، وهي اللحظة التي سبقت التوقيع على الصفقة النووية، او هكذا تناقل الاعلام والمسؤولون في ايران والدول الكبرى؟ من وجهة نظري: ان الايرانيين اخطأوا على غير ما عرفوا به من حنكة وذكاء في ادارة الازمات والصراع بينهم وبين امريكا واسرائيل، للسببين التاليين:- الادارة الامريكية الحالية ليست حرة تماما في الذي يخص مفاوضات فينا بينها وبين ايران؛ في الاستمرار في المرونة الذليلة في التعامل مع ايران الحافة الأخيرة من العتبة النووية؛ فهناك معارضة شديدة وقوية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في ابرام الصفقة النووية بالشكل الذي يريده الايرانيون، بضغط من اسرائيل العميقة في الداخل الامريكي، وتحديدا في اروقة صنع القرار الامريكي. – ان هناك تيار قوي في غرف صناعة السياسة الامريكية في الذي يخص ايران؛ يضغط باتجاه العمل على عدم ابرام الصفقة النووية، والعمل في مسار اخر، الا هو تشديد العقوبات الاقتصادية والعمل على عزل ايران، وتثوير الداخل الايراني الذي ينتهي في نهاية المطاف الى اسقاط النظام الايراني؛ حسب قراءة هذه القوى الامريكية لتحولات الداخل الايراني.

سابعا: ان هذه السياسة الامريكية الأخيرة، ان تم اعتمادها امريكيا، اتجاه ايران، او مسار التعامل مع ايران في الظروف الاقليمية والدولية التي خلقتها الحرب في اوكرانيا؛ هي الأخرى خاطئة للتالي: – ان ايران لا يمكن عزلها؛ فهناك روسيا والصين ودول اخرى في جوارها وفي محيطها الاقرب والابعد؛ لا يمكن لها الا ان تستمر في التعامل مع ايران سياسيا واقتصاديا وتجاريا، بفعل او بتأثير الضرورة والحاجة- ان ايران لديها اوراق ضغط في جوارها؛ تربك خطط وحسابات امريكا في هذا الجوار.

في النهاية اقول ربما، ربما كبيرة جدا؛ ان الدولتين في خضم هذا الصراع بينهما او بين ايران وامريكا واسرائيل، على الرغم من التعقيد والاشتباك والتداخل والالتباس؛ سيصلان امريكا وايران الى منطقة حرجة جدا؛ تستوجب منهما اتخاذ القرار حسب مصلحتيهما في الذي يخص احياء مفاوضات فينا لإبرام الصفقة النووية بينهما.. وليس العمل على موت الصفقة..