هذه الثورة التي ولدت لتبقى حاولت دول الاستكبار العالمي إجهاضها منذ ولادتها بعد ان فقدت اهم نظام عميل بالشرق الاوسط والذي كان يسمى شرطي امريكا بالمنطقة وتخضع له كل دول الخليج ويقبل أمرأها وملوكها يدي الشاه تقربا وتوددا وخوفا وطمعا بالتقرب من امريكا واسرائيل والتي اطاحت به ثورة الامام الخميني رضوان الله عليه.
إيران في تلك الحقبة الزمنية كانت قد امتلكت الامكانات الاقتصادية والبنية التحتة النفطية والقدرات العسكرية التي جعلتها متفوقة على دول المنطقة بينما كانت دول المنطقة ترزح تحت انظمة بدائية بدوية وقبلية مغلقة والبعض منها تحت الوصاية والاحتلال الاوروبي المباشر.
ثورة إيران لم تستقبل بالحفاوة من قبل المجتمع الدولي الذي رأي في توجهات الثورة الاسلامية الايرانية خطرا على مصالحها بالمنطقة والخليج فسارعت الى إقحامها بحرب مع جارتها العراق دامت ثمان سنوات حصدت من البلدين الشقيقين الجارين مئات الالاف من القتلى والجرحى واستنزفت قدرات وامكانات البلدين والشعبين ورأت امريكا والدول الاوروبية توجيه الدول العربية الخليجية الوقوف الى جانب العراق على اعتباره حارس البوابة الشرقية ضد المد الايراني وماكان يسمى في ذلك الوقت تصدير الثورة الذي كان يقلق دول البعران الخليجي كذريعة للتخلص من قوتين كبيرتين كانتا تشكلان خطرا على الكيان الصهيوني وليس تصدير الثورة سوى ذريعة مثلما تستغل دول العدوان على الشعب اليمني تحت مبررات المد الشيعي وذراع ايران والمجوس والروافض وكلها عملية استغلال للتسويق للحروب قديما وحديثا حتى ان دول الخليج وجهت دعمها للعراق خوفا من وصول تأثير الثورة الايرانية الى عقر دارها خصوصا ان المذهب الشيعي حاضرا في معظم دول الخليج.
ايران تجاوزت الحرب مع العراق وتنفست الصعداء بعد اعلان مجلس الامن ايقاها وكذلك العراق فعاد البلدين الى بناء ذاتهما علميا وعسكريا واقتصاديا حتى تجاوزا آثار الحرب وتبعاتها فبدأ فصلا جديداً تجاه العراق لحصاره وتدميره منذ عام ٩٠حتى ٢٠٠٣م والذي انتهى باحتلال امريكا للعراق.
وبعد التخلص من العراق الذي كان يشكل خطرا على اسرائيل عادت الانظار باتجاه ايران التي تشكل هي الاخرى خطرا على اسرائيل وبدأت دول الاستكبار العالمي وعلى رأسها امريكا تحاول إعاقة أي تقدم او تطور باي مجال كان يمكن ان تصل اليه ايران وهي التي يحكمها نظام اسلامي يضع عداء اليهود نصب عينيه وازال اسرائيل من الخارطة قاعدة اساسية وشرع بدعم مظلوميات المستضعفين بالعالم الاسلامي ودعم المقاومة في لبنان وفلسطين كواجب ديني تؤمن به الثورة الايرانية وبدأت المؤامرات تحاك لايقاف وتحجيم الثورة الايرانية بفرض العقوبات الاقتصادية والمالية والنفطية في محاولات لمنع ايران من الوصول الى صناعة القنبلة النووية بعد ان كانت قد تجاوزت القدرات العسكرية التقليدية وشقت طريقها نحو العلم الحديث والاستفادة من امكاناتها النفطية التي خرجت عن النفوذ الامبريالي والسيطرة الامريكية والاستغلال الاوروبي لموارد النفط بالمنطقة.
ايران بذلك شبت عن الطوق الذي حاولت امريكا ودول الغرب فرضه عليها وهي التي تحرر قرارها السياسي والاقتصادي دون دول المنطقة التي تخضع للاجنبي.
حاولت ايران ومازالت تجاوز العقوبات الدولية واعتمدت على ذاتها وخصوصا ان اقتصادها متنوع ولايعتمد على النفط كمصدر للموارد المالية وتجاوزت الحضر المفروض عليها بالجانب العسكري حتى وصلت الى مراحل متقدمة بالصناعات العسكرية البرية والبحرية والجوية والفضائية واعتمدت التكنولوجيا الحديثة في مسارها التقدمي نحو تحقيق مكانة متقدمة حتى صارت تنافس الدول المتقدمة في كثير من المجالات.
إيران اليوم ليست إيران الامس مع تصاعد وتيرة المؤامرات وزراعة العملاء واحداث القلاقل ومحاولة زعزعة النظام واسقاطه واثارة الشعب ودعم الارهابيين للوصول الى ايران واقلاق الامن والسكينة الذي تنعم بها ايران واستمرت المؤامرات والضغط عبر تشديد العقوبات ومنع بيع النفط الايراني ومعاقبة الدول والشركات التي تتعامل تجاريا مع ايران في كافة المجالات فماذا حققت دول الاستكبار العالمي بعد مايزيد عن اربعين عاماً؟ واين وصلت ايران في مواجهتها لكل تلك المؤامرات الدولية التي بدأت بعد الثورة ومازالت مستمرة الى الان؟
لقد افشلت الثورة الاسلامية الايرانية كل مؤامرات العدو وجعلت العالم المتغطرس يحسب لها الف حساب ويراها كبيرة بعينيه ويسعى لاقامة تحالفات دولية لايقاف انتصارات الثورة الايرانية التي لن تخمد جذوتها وهي تسير بالاتجاه الصحيح تحمي شعبها وتنصر المتضعفين.
انها ايران التي خرجت من عنق الزجاجة ولن تعود اليها كما كانت ايام الشاه فقد صارت قوة اقليمية تهابها دول محور الشر وتقود محور المقاومة الذي سيحرر الارض ويعيد السيادة والريادة للامة الاسلامية ويحرر المقدسات ويزيل الكيان الصهيوني الغدة السرطانية التي سماها القائد الخميني رضوان الله عليه.
تهانينا للشعب الايراني بمناسبة العيد الوطني ومزيدا من التقدم والازدهار وستسقط امريكا واسرائيل وبعران الخليج عند اقدام الثورة الاسلامية الايرانية.
يمكن القول إن السياسة الخارجية للجمهورية الإيرانية هي حصيلة مصالحها الذاتية، المُتمثِّلة بحماية الحكم الإسلامي الإيراني من التهديدات الخارجية. هذه السياسة قد تبدو تارةً هجومية وطوراً براغماتية، لكن ثمة هنا زاوية طائفية أيضاً. فبسبب عزلتها عن جيرانها منذ ثورة 1979، انتهجت إيران استراتيجية تقوم على نسج علاقات مع كيانات غير دُولتية لمساعدتها على ترقية مصالحها الاستراتيجية. وعلى رغم أنها تدعم جماعات سنّية، كحركتي الجهاد وحماس الفلسطينيتين، إلا أن مساندتها للمنظمات الشيعية أثارت حنقاً شديداً لدى جيرانها. وقد درَّ هذا التوجُّه، المترافق غالباً مع السياسة غير المعلنة المتعلقة بتصدير الثورة، على إيران مكاسب استراتيجية، لكنه أسفر أيضاً عن تعميق التصورات حول تحيّزاتها الطائفية.
الدين كان عاملاً لم تنفصم عراه عن عملية صنع القرار الإيراني منذ ثورة 1979.
أيضاً منذ الثورة، شدّد قادة إيران على التزامهم بمبدأ الوحدة الإسلامية، وخفّفوا من الطابع الشيعي للجمهورية الإسلامية حين كانوا يتطرقون إلى السياسة الخارجية. كما ثابروا على طرح التعاليم الإسلامية التي حدّدها زعيم الثورة أية الله روح الله الخميني، وليس على المركزية الشيعية.
على رغم تطلعاتها الإسلامية، ركّزت المقاربة الاستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط بدءاً من العام 2003، على الجماعات الشيعية المسلحة. وبالفعل، ساعد العمل من خلال هؤلاء الوكلاء غير الدولتيين إيران على تمديد نفوذها الإقليمي على نحو واسع، خاصة في العراق ولبنان وسورية واليمن.
تؤثِّر الهوية والعقائد الدينية على مقاربة إيران لعلاقاتها الخارجية، لكنها لاتُمليها. لا بل يُعتبر دور الدين ضئيلاً في علاقات إيران مع الدول. بيد أن عامل الدين يبرز بشكل واضح في روابط إيران مع الجماعات غير الدُولتية.
إسباغ الطائفية بشكل أساسي على السياسة الخارجية الإيرانية، يحجب أكثر مما يكشف طبيعة سلوكياتها. لكن، وكما بات الشرق الأوسط أكثر طائفية منذ سقوط صدام حسين واندلاع الربيع العربي، انسحب الأمر نفسه أيضاً على السلوكيات الإقليمية الإيرانية.
قدّمت عمليات إيران في سورية أوضح الأمثلة على سلوكها الطائفي. فهي سهّلت انخراط آلاف المُتشدّدين الشيعة من غير السوريين في الدفاع عن نظام بشار الأسد. وعلى رغم أن القادة الإيرانيين ركّزوا على شرعية تدخلهم في سورية، ونفوا وجود أي أجندة طائفية، إلا أن القوات الإيرانية وأتباعها نسجوا دورهم على منوال مندرجات طائفية فاقعة الوضوح.
ليس بالإمكان فصل النشاطات الإقليمية الإيرانية عن انفجار النزعة الطائفية السنّية في طول الشرق الأوسط وعرضه. وتتهم إيران جيرانها السنّة بدعم صعود التطرُّف السنّي، وتشعر أنها مضطرة إلى مواجهة هذا السلوك عبر مضاعفة دعمها لحلفائها الشيعة.
يتصاعد الاهتمام بالدور الإقليمي لإيران، على إيقاع جَيَشان الحروب في الشرق الأوسط. فالجمهورية الإسلامية تدعم بنشاط ودأب حلفاءها في النزاعات الرئيسة في المنطقة- العراق، سورية واليمن-، الأمر الذي وضعها على طرفي نقيض مع معظم جيرانها. ومثل هذه القِسمة ليست سياسية ولا هي استراتيجية، بل طائفية. إذ أن إيران وحلفاءها الأساسيين كلهم شيعة أو يُعتبرون كذلك، وهم يقاتلون معاً ضد قوات سنّية تدعمها دول يقودها السنّة. وقد أسفرت هذه الديناميكية عن تعميق إنزلاق المنطقة إلى خضم الطائفية، وفاقمت النزاعات السياسية بين إيران والعديد من جيرانها السنّة.
يعتبر منتقدو إيران، خاصة السعودية، أن الطائفية والتوسُّعية تغشيان سياساتها الخارجية، ويجادلون بأنها تستغل القلاقل السياسية في طول المنطقة وعرضها لتسييد وكلائها الشيعة المُتشدّدين، وتقويض الوضع الراهن الذي يُهيمن عليه السنّة. ويضيفون أن هدفها النهائي هو إنشاء كيان شيعي توسعي موالٍ لها متجاوز للحدود القومية، يمتد من إيران إلى لبنان ويشمل العراق وسورية، أي شىء مماثل لإمبراطورية فارسية مُنبعثة من جديد، لكن هذه المرة بقسمات توحيدية خاصة تستند إلى كلٍ من المذهب الشيعي والولاء للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية. وهذا سيناريو يثير القلق الشديد لدى جيران إيران، ويدفع السعودية، وآخرين أحياناً، إلى إبداء الالتزام بمنع تحققه.
تستهدف السياسات الخارجية للجمهورية الإسلامية ترقية مصالحها الاستراتيجية، وتلعب الطائفية دوراً في هذه السياسات، لكن ليس بالطريقة الشاملة والغامرة التي يتحدث بها منتقدوها. لا بل الواقع أن الجمهورية الإسلامية انتهجت طيلة تاريخها مساراً لاطائفياً إلى حد بعيد. فقادة إيران لطالما شدّدوا على المُثُل العليا الإسلامية وخطبوا ود حلفاء من السنّة. كما أن غالبية الباحثين الذين درسوا السياسية الخارجية الإيرانية منذ العام 1979، لايُصنّفون هذا السجل من السلوك على أنه طائفي، أو بأنه يستهدف في المقام الأول النهوض بأجندة شيعية، بل على العكس يرون أن عملية صنع القرار في إيران أقرب ماتكون إلى السياسة الواقعية.
مع ذلك، يبدو أن العامل الطائفي في السياسة الخارجية الإيرانية قَويَ عودَهُ خلال العقد المنصرم. وكانت المحفزات الرئيسة لهذه الانعطافة نحو دعم واضح وقاطع للوكلاء الشيعة وحلفائهم في الشرق الأوسط، هي حدث إطاحة الزعيم العراقي صدام حسين العام 2003، واندلاع الربيع العربي في أواخر 2010. هذان الحدثان وما أشعلاه من نزاعات، خاصة في العراق وسورية واليمن، باعدا بحدّة بين مصالح إيران وجيرانها. ثم جاء الخوف المتبادل من نوايا كل طرف، ليقذف بإيران ومنافسيها العرب بشكل مطّرد إلى خضم السلوكيات الطائفية. مثل هذه النزعة الطائفية لاتتوافق مع المواقف الرسمية لإيران، بيد أن العلاقات الوثيقة مع الحلفاء الشيعة باتت هي أساس النفوذ الإيراني في المنطقة. فحين أصبح حلفاؤها في العراق وسورية واليمن في مهب التهديدات، ضاعفت طهران اندفاعتها نحو استراتيجية مناصرة الشيعة، كوسيلة لحماية مصالحها واستثماراتها الإقليمية. وهذا تجسّد بالدرجة الأولى في خطاب وسلوكيات الحرس الثوري الإسلامي، الذي يُعتبر المنظمة العسكرية الأبرز في إيران والأداة القيادية الأساسية في نشاطاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وكان الحرس، إضافة إلى انخراطه في نزاعات المنطقة، باشر منذ ذلك الحين بوصف حلفائه ووكلائه على أنهم جبهة شيعية موحّدة لديها طموحات إقليمية.تبادلت إيران والسعودية العام 2016، في سياق صراعهما المرير، اتهامات علنية بممارسة النهج الطائفي، ما فتىء أن وصل صداها إلى أماكن قصيّة، كوسائل الإعلام الرئيسة في الولايات المتحدة. ففي أيلول/سبتمبر من ذلك العام، نشرت نيويورك تايمز مقالاً لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف تحت عنوان “فلنخلّص العالم من الوهابية”3 ادّعى فيه أن هذه الأخيرة أصبحت وباءً يُطلق العنان للإرهاب والشغب الإجرامي في طول الشرق الأوسط وعرضه وفي العالم. أسبغ ظريف على الوهابية نعت “التحريف اللاهوتي” الذي “أتى على الأخضر واليابس” وكانت له مضاعفات “مدمّرة” على المجتمعات الإسلامية. كما جادل بأن العنف الذي ترتكبه جماعات جهادية على غرار القاعدة، هو حصيلة مباشرة لـ”مثابرة الرياض على رعاية التطرف”، وأن هذا العنف هو في جذر الصراعات الراهنة في الشرق الأوسط. واتهم ظريف السعودية بـ”لعب ورقة إيران” لتحريض حلفائها على الانخراط في حربي سورية واليمن، وخلُص إلى القول إن “العمل الجاد والصلب مطلوب ضد التطرف”. لكن، وعلى الرغم من اتهامه الرياض بالتسبُّب في كل الفوضى الراهنة، إلا أنه دعاها إلى أن تكون جزءاً من الحل. وهذه تبدو بالطبع دعوة جوفاء حين توضع في سياق اللهجة الاتهامية العنيفة للمقال، ولاتعدو أن تكون مجرد مجادلة ضد جار إيران وخصمها اللدود، أو رشقة أخرى من رشقات الحرب الباردة المتواصلة معها.
مع ذلك، يتضمن كلام ظريف في ثناياه، وجهة نظر إيران حول الطائفية والنزاع الطائفي في الشرق الأوسط. فهما، برأيه، ليسا أساسيين، بل حصيلة فرعية لجهود مخطئة ومضللة تبذلها السعودية وحلفائها الغربيين لعزل إيران وكبح نفوذها. هل ساهمت إيران بأي طريقة في استيلاد هذا المستنقع الطائفي الراهن في المنطقة؟ لا، أبداً، يرد ظريف. اللائمة تقع برمتها على طرف واحد.
جاء مقال وزير الخارجية الإيراني في أيلول/سبتمبر 2016، بعد مقال آخر كان نشره في كانون الثاني/يناير تحت عنوان “التطرف السعودي الطائش والأرعن”، جادل فيه هذا الدبلوماسي المخضرم أنه في حين وضع رئيس إيران حسن روحاني “الصداقة مع جيراننا، والسلام والاستقرار في المنطقة والتعاون الدولي على رأس أولويات إيران”، كما برهنت على ذلك الصفقة النووية في تموز/يوليو 2015، إلا أن “بعض الدول”، خاصة السعودية، وقف حجر عثرة أمام جهود طهران لتحقيق “الانخراط البنّاء”.
والآن، يدشّن ظريف هجوماً حاداً مشابهاً على النظام السعودي، ويورد أسباباً عدة لقيام الأخير بإلحاق الأذى بالأمن الإقليمي: فهو لا يعرقل جهود إيران لإبرام التسويات ونسج الصداقات وحسب، بل “ينشط أيضاً لرعاية التطرّف العنيف”. ويربط ظريف السعودية بالهجمات الإرهابية على الغرب، وبفروع القاعدة في الشرق الأوسط، والتطرّف في أنحاء العالم” ، ويُدرج الحرب السعودية في اليمن، ودعم الرياض للمتمردين الإسلاميين في سورية، وسلوكيات أخرى، في إطار محاولة استدراج إيران إلى أفخاخ “وحرف مسار الاتفاقية النووية” عبر مفاقمة التوترات في المنطقة”.
وهكذا، بدا مقال كانون الثاني/يناير كوميض فاقع في العلاقات الإيرانية- السعودية، كان قد سبقه قبل ثمانية أيام إقدام الحكومة السعودية على إعدام الشيخ نمر النمر، رجل الدين والناشط الشيعي البارز، ومعه 46 سجيناً (معظهم من السنّة المتشددين). هذه الخطوة أثارت حفيظة وحنق إيران وغيرها، ودفعت المرشد الأعلى علي خامنئي إلى التحذير من أن النظام الملكي السعودي قد يتعرَّض إلى “انتقام إلهي”.6 وقد حذت الميليشيات الشيعية العراقية حذوه وهدّدت بالانتقام، ثم تتوجّت موجة الغضب حيال إعدام النمر بانطلاق مظاهرة كبرى خارج السفارة السعودية في طهران، اجتاحت خلالها مجموعة من المتشدّدين المبنى وأشعلت فيه النيران.
لم تتأخر ردود الفعل على إيران. فقد قطعت السعودية وكل حلفائها في مجلس التعاون الخليجي (ماعدا عُمان)، إضافة إلى الأردن والمغرب والسودان، علاقاتها الدبلوماسية معها أو خفّضت مستواها. كان هذا الحدث مُربكاً لإيران، فسارعت حكومتها إلى محاولة حصر ارتداداته من خلال الزعم أن عناصر مارقة هي التي نفذّت الهجوم، وقامت باعتقال بعض الأفراد المتورطين. والحال أن الرسالة المفتوحة التي وجهها ظريف عبر المقال، جاءت في هذا السياق، لكنها بدلاً من الاعتذار، حاولت الدفاع عن إيران عبر اتّهام السعودية بأنها المُذنب الحقيقي المسؤول عن القلاقل الإقليمية.
وفي أواخر ذلك الشهر، ردّ وزير الخارجية السعودي عادل جبير على التحية بمثلها ونشر مقالاً في نيويورك تايمز أيضاً، رد فيه على ماوصفه بالأكاذيب “العجيبة” مذكّراً بسمعة إيران:
“لسنا نحن البلد الذي دُمغ بأنه دولة راعية للإرهاب. إيران هي ذلك البلد. لسنا نحن البلد الخاضع إلى العقوبات الدولية بسبب دعم الإرهاب. إيران هي ذلك البلد. ولسنا البلد الذي أُدرجت أسماء مسؤوليه على قوائم الإرهاب. إيران هي ذلك البلد”.
وأضاف وزير الخارجية جبير تهماً أخرى مفادها أن إيران “اختارت أن تُغطّي، من خلال إدانتها السعودية، سياساتها الطائفية والتوسُّعية الخطيرة”، بدلاً من بذل الجهود الضرورية للتحوّل إلى “عضو محترم في المجتمع الدولي”. ووفقاً لجبير، كان السلوك الطائفي الإيراني “متّسقاً ومتواصلاً منذ ثورة 1979”. وأشار إلى أن “هدف تصدير الثورة” الذي أعلنته إيران هو في جذر علل سياساتها الخارجية، مُشدّداً على أن دعم إيران للجماعات الشيعية، “حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن والميليشيات الطائفية في العراق” هو دليل على استمرار الأجندة الطائفية لديها”. كما جادل أن مثل هذا السلوك يقف على طرفي نقيض مع الرغبة المُعلنة التي تبديها طهران للتعاون:
“فيما تزعم إيران أن الصداقة تحتل أولى أولوياتها، يشي سلوكها بالعكس تماما. فهي اللاعب الأكثر ميلاً للمشاكسة والتحارُب في المنطقة، وأفعالها تكشف عن التزام بالسعي إلى الهيمنة الإقليمية، وعن رأي متجذر لديها بأن المبادرات التصالحية تؤشر على ضعف، سواء من طرف إيران أو من جانب خصومها”.
يتعيّن ألا نُطل على هذه الملاحظات من منظور التوترات السعودية- الإيرانية. إذ يتشاطر مسؤولون شرق أوسطيون مثل هذه النظرة إلى إيران بكونها قوة طائفية وتوسعيّة في المنطقة. ففي آذار/مارس 2015، اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إيران بـ”محاولة الهيمنة على المنطقة” من خلال دعم الجماعات الشيعية في العراق وسورية واليمن كما شدّد على أن انخراط فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في معارك العراق، هو على وجه الخصوص سلوك طائفي. وألمح أردوغان إلى قائد هذا الفيلق الجنرال قاسم سليماني، الذي يشرف على العمليات العسكرية الإيرانية في الخارج، قائلاً: “هذا شخص أعرفه جيّدا.. ما هدف إيران؟ زيادة قوة الشيعة في العراق؟ هل هذا ماتريد؟”.
وقبل أردوغان، كان عدد من الدول العربية يُدلي باتهامات مماثلة في مايتعلّق بنشاطات إيران خارج حدودها. كما أدانت جامعة الدول العربية برمتها تقريباً في اجتماعها السنوي في العام 2016 “التدخلات” الخارجية الإيرانية، ولم يشذ عن توقيع هذا البيان سوى لبنان.
والحال أن القلق الذي تشعره العديد من الدول الإسلامية إزاء التطلعات الطائفية الإيرانية المُتصوّرة، يعود إلى خطاب قادة إيران وسلوكياتهم غداة ثورة 1979. (صحيح أن القومية- الإثنية للشاه محمد رضا بهلوي والإرث التاريخي لإيران منذ السلالة الصفوية الحديثة، هي مصادر أعمق للتوتر، لكن هذا ليس مدار بحثنا هنا). فهذه الثورة أسبغت شكلاً راديكالياً ثورياً على الإسلام الشيعي، وضخّت آراء مناهضة للمَلَكِيَة في السياسات الإيرانية. هذه الإيديولوجيا أرعدت فرائص مَلَكِيات الخليج العربية والعراق المجاور. فقد شعر صدام، بعد تصاعد الفعالية السياسية للغالبية الشيعية العراقية المحرومة سياسيا، أن بلاده مُستهدفة ومكشوفة أمام الثورة الإيرانية. كما زعم أن غزو العراق لإيران العام 1980، الذي أشعل فتيل الحرب العراقية- الإيرانية التي دامت نحو 8 سنوات، كان ضرورياً لتحصين العراق والعالم العربي السنّي من تمدد الشيعية المتطرفة بقيادة أية الله روح الله الخميني (أبو الثورة الإيرانية ومرشدها الأعلى الأول). هذا الموقف حظي بدعم مجلس التعاون الخليجي، الذي شكّلته المشيخات العربية في الخليج الفارسي لخلق جبهة موحّدة ضد إيران، ووقف إلى جانب صدام حسين في الحرب. وتجسّدت المساندة في قيام السعودية والكويت، على وجه الخصوص، بتوفير قسط كبير من التمويل للمجهود الحربي العراقي.
صحيح أن الزعيم العراقي كان ظاهرة إشكالية ومُلتبسة، إلا أن البعض اعتبره متراساً وحصناً ضد طموحات إيران في الشرق الأوسط. فهو حَكَمَ البلد الذي يضم أكبر كثافة سكانية شيعية في العالم العربي، ويتضمن أهم المقامات والمزارات ومراكز التدريس الشيعية. وقد حرص صدام، عبر الاعتقالات والتعذيب والقتل، على ألا تتجذّر الاندفاعة الثورية المُتّقدة للثورة الإيرانية في العراق، أو أن تُحتضن من قِبَلْ آيات الله العراقيين البارزين، ثم تمتد إلى المجتمعات الشيعية العربية في مناطق أخرى في الخليج الفارسي. ولذلك، حين أُطيح بصدام في العام 2003 وبدأت الأحزاب الشيعية بالهيمنة على السلطة السياسية في العراق، تصاعدت المخاوف إلى ذروتها في دول الخليج المجاورة من احتمال توسُّع نفوذ إيران الطائفي وطموحاتها الإقليمية.
سارع الملك الأردني عبد الله الثاني، الذي تلمّس النفوذ الإيراني المتزايد في الديمقراطية العراقية الوليدة، إلى التحذير العام 2004 من أن إيران تسعى في الواقع من خلال بناء قاعدة دعم في العراق إلى إقامة “هلال” شيعي ضخم يمتد من أراضيها إلى العراق وسورية ولبنان. ومثل هذه الكتلة الجغرافية التي تتضمّن سياسات مُتماثلة، قد تتحدى الوضع الراهن القائم على الهيمنة السنّية الموالية للغرب في الشرق الأوسط. جرس إنذار عبد الله هذا تمحور حول المقولة بأنه إذا ما وقع العراق تحت هيمنة الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، سيكون لذلك مضاعفات متعاقبة على المنطقة: فالتوترات السنّية- الشيعية ستعاود الظهور، ما سيؤدي إلى زعزعة استقرار دول الخليج التي توجد فيها أقليات شيعية كبيرة، مثل السعودية. وجادل عبد الله أن هذا “سيفاقم أكثر احتمال نشوب صراع سنّي- شيعي” خارج العراق.
يعتقد العديد من الدول العربية وتركيا، إن لم يكن أيضاً المراقب الموضوعي، أن التاريخ الحديث تمخّض بالفعل عن الصراع الطائفي الذي حذَّر منه الملك عبد الله. فهم يرون إلى عراق مابعد البعث الذي يسيطر عليه الشيعة على أنه الأصل الذي تخلّقت منه سلسلة النزاعات الطائفية في سورية واليمن والعراق، وأيضاً احتجاجات الربيع العربي في البحرين والمنطقة الشرقية في السعودية. كل اللائمة تنصّب هنا على رأس إيران، التي يقول منتقدوها إن هذه الأزمات هي الحصيلة المباشرة لطموحاتها المنفلتة من عقالها والهادفة إلى السيطرة على المنطقة عبر نثر بذور الشقاقات الطائفية، وتشكيل فرق مسلحة شيعية قوية في المنطقة.