ترجمة : وليد خالد احمد
كتابة : تلسيزام
لقد وصف الشاعر الفردوسي في ملحمته ( الشاه نامه) الاسطورية الحرب االطويلة التي امتدت مئات السنين بين ايران وطوران القديمة والتي سكنت واستقرت على ايدي البطل( اراش کامنجير ) الذي قام بعد اتفاق بينهما بالقاء نباله عن قوسه ماوراء المنطقة التي طالبت بها ايران ، وبذا عاش الناس بسلام لعدة سنوات قادمة، هذا على الرغم من أن البطل ( آراش) كتب عليه ان يموت بالسهام.
أما الحرب الايرانية العراقية التي ثبت ان اذاها يرتد إلى شعوبها فلو استمرت سياسة الخميني الحالية على هذا المنوال – رغم أن الحرب لا يحتمل أن تطول الي قرن واحد في العهد الحديث – قد تجلب معها خراباً مميتاً عاجلا جداً الیالخليج .
والتورط في الحرب يمكن أن تعرف نتائجه سلفاً أو يمكن التنبؤ به من البيان القصير الذي قال فيه الخميني ( اينما يذهب الجيش الايراني او يخطوا قادته فأنهم يقيمون مسجد اً ). وعندما قالها الخميني نسی بان الجيش الإيراني سبق أن خطی نحو( ظفار في عمان )في بداية السبعينيات لاقامة مساجد ولكن لتحطيم حركة تحررية وطنية تقودها الجبهة الشعبية لتحرير عمان ومع ذلكفالحقيقة باقية ، وهي أن حرب الخليج ظاهرة تلقائية فقد أعدت عن قصد ونفذت من قبل الطبقات الحاكمة، ولهذا السبب قال لينين منذ مدة طويلة ( أن الحرب استمرار للسياسة بوسائل اخرى، والحرب كلها لايمكن ان تفصل عن النظام السياسي الذي اوجدها ، فالسياسة التي تتبعها دولة ما أو طبقه في تلك الدولة لمدة طويلة ما قبل الحرب لا مفر من استمرارها من قبل الطبقة ذاتها أثناء الحرب ، لكنه أسلوب قد تبدل الان) . وكتب بعد ذلك قائلاً ( ان طبيعة الحرب والنجاح فيها يعتمد بصورة رئيسية على النظام الداخلي في البلد الذاهب الى الحرب. والحرب ما هي الا أنعكاس للسياسة الداخلية التي يسير عليها البلد قبل الحرب) . وقبل حوالي قرن واحد ذكر المورخ ( بنيامين) العوائق التالية حول تقدم ايران وهي:
1. ان الدين المحمدي ( بالنسبة له) معارض للتمدن.
۰۲ فساد الموجودين على رأس السلطة .
٣. المنافسة المستمرة بين انكلترا وروسيا القيصرية حول ايران .
اما الآن فلا يوجد لا روسيا القيصرية ولا انكلترا الاستعمارية القديمة ولكن لو تأملنا الحالة الراهنة في ايران لرأينا النقطتين ( 1 و 2 ) اعلاه وثيقتا ألصلة بالموضوع . فقد رحب الناس التقدميون في جميع أنحاء العالم بالثورة الايرانية كخطوة الى الامام في النضال ضد الاستعمار واعتمدوا أن ذلك سيجلب السلام والديمقراطية الى ايران ، لكن ( شوفينية) الجماهير والتعصب الديني اكتسح جميع آمال الشعب عندما أصدر الخميني بيانه في ۳۱ آذار ۱۹۸۰حول تصدير الثورة الإيرانية الاسلامية الى باقي بلدانالعالم حتى ظن رجال الدين، المتعصبون في ايران امكانية حدوث ثورة اسلامية في جمهوريات آسيا الوسطى من الاتحاد السوفيتي.
ونظراً لوجود عدد كبير من الشيعة المنتشرين في جميع انحاء منطقة الخليج فان النظام الشيعي في ايران افترضها جدلاً كقاعدة للثورة الاسلامية ، ولهذا السبب فقد ثار الشغب بين السكان الشيعة في الخليج توا بعد الثورة الاسلامية وأصبح العراق والبحرين الضحية الاولى لثورة كهذه حيث أن لكلا البلدين خصومات قديمة مع ايران لذلك فقد اتخذت خطوات ثابتة للسيطرة على الشغب المسبب من قبل الشيعة ، وبنفس الوقت تصرفت الكويت بحزم تجاه الزعيم الشيعي( مهدي المهدي) الذي اتهم بالمواعظ المثيرة للثورة فا بعدته الكويت عن البلاد کما ابعدت الالاف من الايرانيين المهاجرين.
وكان هناك شغب في السعودية ايضاً ، فحدثت في تشرين الثاني من ۹۷۹ا عدة مظاهرات قام بها الشيعة الذين يقطنون في المناطق الشرقية من البلاد حيث حدث للمرة الأولى في تاريخ الشيعة السعوديين أن سمح لهم باقامة مواكب العزاء في أيام شهر محرم فحدث صدام مع الشرطة السعودية وطفحت أعمال العنف وأخمد الشغب بصرامة شديدة ، وقام بنفس الوقت أحد علماء الشيعة الايرانيين آية الله ( صادق روحاني ) باصدار بيان تهديدي يطالب فيه بضم جزر البحرين الى ايران واتهم امير البحرين بظلم شعبه وقال فيما بعد ( أننا لانأمل في البحرين الا امرين فقط وهما تطبيق الشريعة الاسلامية أو الحاقها بالجمهورية الاسلامية في ايران ) .ورغم أن الشاه كان قد تخلى عن مطالبة أيران بالبحرين فقد القي القبض علىاحد زعماء الشيعة في البحرين المدعو ( محمد علي اكری) من قبل الشرطة بعد عودته من طهران الى البحرين في أب ۱۹۷۹ فقامت مظاهرت تـعارض اعتقاله وطالب المتظاهرون بتأسيس دولة اسلامية .
وقد رفعت مثل تلك المطاليب بسبب صدور بيانات الزعماء الايرانيين حول تصدير الثورة ، ففي اوائل حزيران سنة ۱۹۷۹ قال الخميني في رسالة ترحيب للشعب التركي قال بصراحة فيها ( على الرغم من أن الحكومة يجب أن تتعلم درساً من الثورة الايرانية وعلى الرغم من اننا عاجزون عن انجاز ثورة اسلامية في الطريقة التي نرغب فيها، فأن حكومتنا هي وطنية يدعمها الشعب واني اتمنى ان تشاركنا الشعوب الإخری نهضتنا الاسلامية العالمية. وقد أخذ بعض رجال الدين يبدلون تسمية الخليج الفارسي بالخليج الاسلامي ومع ذلك فلم ينتبه أحد الى مثل تلك المطاليب الوهمية.
وهناك دولة خليجية فزعت من الثورة الاسلامية الايرانية ، وهي (عمان) حيث بادرت بارسال وفد عالي المستوى الى ايران لمناقشة قضية أمن مضيق هرمز الواقع بين الطرفين في مدخل الخليج ، وكانت الأحاديث بين ( علي حبيب) رئيس الوفد العماني وموظفو وزارة الخارجية الايرانية متزامنة ومتطابقة مع البيان الإيراني الذي جاء فيه بان الاسطول الايراني سيقوم بمناورة في الخليج في ۲۹ ايلول 1979 وهو اول عرض للقوة منذ الثورة في شباط ۱۹۷۹. وقد ارسل قابوس سلطان عمان وفوداً إلى دول الخليج ايضاً ناقش فيها معهم قضايا السلم والامان في المنطقة وان تطور التنمية المحلية والشعور بالأمان في جميع أقطار الخليجاظهرت أن النظام الاسلامي في ايران قد خلق اضطراباً في المنطقة بلغ ذروته في الحرب الانتحارية بين ايران والعراق .
وبقدر ما يتعلق الأمر بالعداء بين ايران والعراق فقد برز ذلك منذ امد بعيد حول قضية الممر المائي شط العرب الذي يتكون من التقاء نهري دجلة والفرات في القرنة على مسافة (75) كيلو متر شمالي البصرة ويبلغ طوله ما بين القرنةوالخليج ۲۱۷ كيلومتر كما يؤلف قسم منه حداً فاصلاً يبلغ طوله 120 كيلومتر من الحدود بين العراق وايران وهو مصدرهام للعلاقات التجارية في الخليج ، وبالوقت ذاته فهناك المؤسسات النفطية وغيرها قائمة على طرفي شط العرب والتي تخص البلدين حيث أنه الممر المائي الوحيد الذي يسمح للبواخر في الوصول الى ميناء البصرة البصرة، ولهذا السبب اخذت اهميته تتزايد لاعتبارات استراتيجية لكلا الطرفين .
ورغم أن النزاع على شط العرب بين ايران والعراق كان قد اوجد من قبل السياسات الاستعمارية القديمة بين الامبراطوريتين البريطانية والعثمانية منذ القرن السادس عشر لكنه أشتد كثيرا عند قيام ( محمد رضا بهلوی) شاهايران بالغاء معاهدة سنة ۱۹۳۷ منذ عام 1969 والتي كانت تعطي العراق شريطاً من الأرض على الضفة الشرقية لشط العرب والذي يشير الى نهاية الخليج من خط الحدود العراقية. وزاد الموقف حراجة عندما اخلى الانكليز منطقة الخليج حيث قام الشاه في 30 تشرين الثاني باحتلال ثلاثة جزر استراتيجية وهي جزر ( طنب الكبرى والصغرى وابو موسى ) الواقعة على مقربة من مضيق هرمز ورداً على هذا العمل قال حزب البعث العربي الاشتراكي : ان انزال القوات العسكرية الايرانية في جزيرة ابو موسى واحتلال جزيرتي طنب الكبرى والصغرى ماهي الا خطوة تمهيدية لخلق فلسطين جديدة في الخليج العربي.
وبعد احتلال الجزر الثلاث من قبل الشاه توترت علاقات العراق الدبلوماسية مع ايران وبريطانيا احتجاجاً عليها وارسل مذكرة الى مجلس الامن وجامعة الدول العربية واعضاء السلك الدبلوماسي في العراق ، ومع ذلك فلم يتخذ العراق اي اجراء عسكري ضد ايران سببه الرئيسي في ذلك هو ان موقف الشاه كان قوياً في الخليج بسبب الوجود الامريكي العسكري في ايران ، ولذلك وبعد حين من الوقت عقد نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في العراق حينها صدام حسين مع شاه ايران اتفاقية في الجزائر في 6 آذار 1975 تنص على ان ايران ستكف يدها عن مساندة التمرد الكردي في العراق وان تضبط الحدود بين العراق وايران بما فيه ضبط خط ( التالويك) على طول خط شط العرب وان توقف الحرب الدعائية حول معارضة العراق الفعالة لاحتلال الجزر الثلاث وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الاخر .
وعلى كل فأن تخطيط الحدود كان يجب ان يتبع اتفاقية سنة 1913 المعقودة في استانبول ( القسطنطينية) والتي تم بموجبها تحديد الحدود مابين البلدين لاول مرة بصيغة واضحة عندما كان العراق خاضعاً للحكم العثماني وبعد اتفاقية الجزائر اعد بروتوكولاً آخر تم التوقيع عليه في بغداد في حزيران 1975 حول تخطيط الحدود لكن هذا الاتفاق لم يوضع موضع التنفيذ اطلاقاً رغم وجود منازعات لبعض الوقت بين الطرفين ، وبما يتعلق بهذا الامر فقد انتعشت من جديد الخصومات القديمة تواً بعد الثورة الايرانية في شباط 1979، هذا رغم ان الخميني كان قد سكن في العراق لمدة (14) عاما بعد نفيه من ايران عام 1964 وغادر العراق قبل نشوب الثورة التاريخية بستة شهور وعاش خلال تلك الفترة في قصر قرب باريس وعندما غادر باريس الى طهران في كانون الثاني 1979 اعطى وعداً بمنح الحرية لكل الجماعات السياسية بما فيها الشيوعيين ، ولكن بعد مجيئه الى السلطة نسى كل شيء واخذ في مهاجمة كل شيء حتى مفاهيم الديمقراطية لاسباب اطلق عليها اسم ( غربية) وكلما يدعى ( غربي )، وربما كان الخميني قد اغض عينيه عمداً عن حقيقة السياسات التي كان هو نفسه يتبعها والتي كان يعتبرها غربية ومنها الرأسمالية والدكتاتورية المستندة على الكذب والاحتيال وقد جاء الاستفزاز الايراني للمرة الاولى .
اما اخبار النزاع الكبير فقد ظهرت في 10 آيلول 1980 عندما اعلن العراق من بغداد (بأن القوات المسلحة العراقية قامت بواجبها المقدس في استعادة المقاطعات العراقية التي كانت ايران تتمسك بها منتهكة بذلك اتفاقية وكانت المقاطعات موضوع النزاع قرب قصر شيرين يفترض ان تبلغ مساحتها حوالي (190) كيلومتر مربع وكان عزت ابراهيم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة قد صرح في روما قبل اسقاط الشاه بأن طهران وافقت ان تعيد للعراق قطاعاً من الارض بطول (500) كيلو متر وعرض (15) كيلومتر .
وبعد الاصطدامات الدموية اعلنت ايران بأن العراق اخترق في عدد من النقاط الاراضي الايرانية والى عمق (15) كيلومتر ، وبعد ذلك وفي 17 آيلول 1980 الغى الرئيس صدام حسين من جانب واحد اتفاقية الجزائر واتهم السلطات الايرانية بانتهاك المعاهدة وذلك برفضها سحب قطعاتها من المناطق العراقية المجاورة للحدود ، وبذا اضطر العراق الى استرجاع اراضيه بالقوة .
وقامت القوة الجوية العراقية على الفور بمهاجمة ( طهران وتبريز وهمدان وسنندج وكرمنشاه وعبادان وجزيرة خرج في الخليج ومهاجمة ميناء النفط الرئيسي فيها ) مما دعى ايران الى ان تقوم بهجوم جوي مقابل على ( بغداد والموصل وكركوك واربيل وميناء النفط في الفاو ) واعقب ذلك تبادل القصف المدفعي بين الطرفين على ضفتي شط العرب على عبادان والبصرة واصبحت المحمرة ( خرمشهر) وهي عاصمة عربستان ( خوزستان ) مركزاً دموياً ، وكانت من اولى الاهداف التي احتلها العراق . وتدار الحركات البرية على جبهة طولها (800) كيلومتر من خط الحدود من قصر شيرين حتى الخليج.
وبعد نشوب الحرب توقع المحللون الغربيون احتمال تدخل سوفيتي في حرب الخليج مشابه لما حدث في افغانستان ، لكن الرئيس السوفيتي ( برجنيف) قال في بيان له : لا العراق ولا ايران يستفيدان من التخريب واراقة الدماء وتقويض احدهما اقتصاد الاخر، والمستفيد الوحيد هو الطرف الثالث الذي تكون مصلحة شعب هذه المنطقة مغايرة له ، والطرف الثالث هذا هو الامبريالية.
ودحض بعد ذلك مراراً تهمة التدخل المتوقع في الحرب قائلاً ( اننا سوف لانتدخل في النزاع بين العراق وايران . واننا ندعم اقرب تسوية سلمية سياسية تتم بجهود الطرفين فلا العراق ولا ايران قادران على كسب اي شيء من اراقة الدماء) . وقد ارتفعت اصوات ضد حرب الخليج في جميع انحاء العالم ولكن دون نتيجة وكان الرئيس السوفيتي يزور الهند في كانون الاول سنة 1980 فألقى خطاباً امام البرلمان الهندي اقترح فيه مبدأ من خمسة نقاط للسلام والامن في الخليج يشترط التزامات متبادلة للاتحاد السوفيتي والقوى الغربية بأن لاتقيم قواعد عسكرية او تقوم بنشر اسلحة نووية او اسلحة اخرى ذات طبيعة تخريب شامل في المنطقة.
وقد جرت محاولات من قبل هيئة الامم المتحدة وزعماء دول عدم الانحياز ومن قبل ( فيدل كاسترو) وبعده من قبل انديرا غاندي الرئيس الحالي لمؤتمر عدم الانحياز ، لكنها فشلت في ايقاف الحرب ، اما الخميني فقد تمسك ببساطة في موقفه المتعصب القائل بأنه : ليست القضية هو جعل العراق يسحب قواته . ويدفع التعويضات على ماسببه من تخريب مادي ولكن يجب على صدام حسين ان يتنحى ويترك العراقيين يقررون مستقبلهم بحرية ، وعلى كل مسلم ان يحارب نظام الحكم في بغداد ويساعد الشعب العراقي على تحرير انفسهم من الظلم البعثي.
وخشية موقف المتاجرة بالحرب الذي تقوم به الجمهورية الاسلامية فأن دول الخليج الست – العربية السعودية والكويت ودولة الامارات العربية المتحدة وقطر وعمان والبحرين – بادرت في تأليف مجلس التعاون الخليجي في شهر مايس 1981 ، واعلنت ستراتيجية تعالج فيها اية محاولة ايرانية لاثارة القلاقل في دولهم.
وقد اوجد النظام الاسلامي ضرراً شديداً لا في منطقة الخليج فحسب بل وسبب ضرراً لشعبه ذاته ايضاً فأنه استغل مشاعر الحرب فزحف بترتيب ونظام نحو الاستبداد والدكتاتورية وعانى الالاف من الوطنيين الحقيقيين والديمقراطيين الذين صارعوا نظام الشاه طول حياتهم من الاعتقال والتعذيب والاعدام ، فاعتقل المئات من اعضاء حزب ( توده) الشيوعي وزعمائه بتهم التجسس الكاذبة للسوفييت واعدم الكثير منهم .
وان مايدعوه الخميني بالحرب ضد الامبريالية قد تحول الى بلايين من الدولارات والى التعاون مع حلف الناتو ، ولهذا السبب كتبت جريدة ( اكتويل) التي تصدرها الثورة الايرانية في الخارج بالذكرى الخامسة لثورة 1979 مايلي : لقد قلبت الجمهورية الاسلامية بسرعة التحركات السابقة نحو الاستقلال الحقيقي لوطننا وان سلب ثروتنا النفطية والدولارات النفطية حولت وطننا ثانية على شكل سوق ذو (20) بليون دولار من بضائع الامبرياليين.
ويلاحظ هنا ان المانيا الغربية كانت المجهز الرئيسي لايران حيث بلغ ما ارسلته اليها ما يعادل (1600) مليون دولار من الصادرات في السبعة اشهر الاولى من عام 1983 ، كما ان اليابان وتركيا تحتلان المركز الثاني والثالث. وفي سنة 1983 حلت بريطانيا محل ايطاليا كمجهز رابع لايران بصادرات تعادل (550) مليون باوند استرليني في شهر كانون اول من عام 1983.
وليس ذلك فقط ، بل ان ايران تستورد مايعادل الملايين من الدولارات لشراء الاسلحة من الاسواق السرية لكتلة دول حلف الناتو بما فيها الولايات المتحدة الامريكية ، هذا على الرغم من ان الاخيرة انتقدت المملكة المتحدة علناً لتزويدها ايران بالادوات الاحتياطية للمعدات العسكرية كما ان واشنطن اتخذت اجراءات صارمة على الصادرات غير القانونية لخمسة واربعون مادة من التجهيزات الى ايران ومن خلال طرف ثالث ، وان وزير الخارجية الامريكية ( جورج شولتز ) وصف المبيعات البريطانية المزعومة على انها غير نافعة.
وصحب الاعتماد الاقتصادي على معسكر الناتو نتيجة اخرى لحرب الخليج في اعتماد الجيش الايراني عسكرياً على الاحتكارات الامبريالية العسكرية كما كانت في عهد الشاه . فبجانب امريكا وبريطانيا فأن الاسلحة تشترى ايضاً من المانيا الاتحادية وايطاليا واسبانيا وكوريا الجنوبية وحتى من اسرائيل . ولهذا السبب فأن ايران على الاغلب قد اوقفت نهائياً الحرب الدعائية مع ( الشيطان الاكبرامريكا).وبنفس الوقت فأن الولايات المتحدة زادت من تحصيناتها العسكرية في الخليج واتخذت من جهة اخرى موقفاً عدائياً نحو الاتحاد السوفييتي نتج عنه طرد (18) دبلوماسيا سوفييتاً من طهران في مايس 1983، هذا رغم ان الاتحاد السوفييتي كان يرد على ذلك بحذر زائد ويعرب بصورة متكررة عن حسن العلاقات المتبادلة بينهما .
وفي اوائل صيف1982 ، ظهرت رغبة في خلق جو لايقاف الحرب ، فالعراق سحب قطعاته من المناطق الايرانية المحتلة واعلن عن قصده في ايقاف اطلاق النار وانهاء الحركات العسكرية وصرح مجلس قيادة الثورة العراقي في 10 حزيران 1982، بأنه متهيئاً للعودة الى الحدود الدولية ، وعلى سبيل المثال كالعودة الى الحدود التي حددتها اتفاقية الجزائر عام 1975، كما انها اعلنت عن قبولها لمقترحات السلام التي عرضها وسطاء بلدان عدم الانحياز والبلدان الاسلامية .
وعرض الرئيس صدام حسين مرة ثانية مبادرات سلام الى ايران تتضمن اتفاقاً على ايقاف الحركات العسكرية في منطقة الخليج لضمان حرية الملاحة لجميع البلدان وعدم تكبيد المدن اضراراً ، وايقاف اطلاق النار طيلة شهر رمضان شهر صيام المسلمين.
وبنفس الوقت وحسب تعليمات مجلس التعاون الخليجي ذهب الى بغداد وطهران وزراء خارجية الكويت والامارات العربية المتحدة يحملون مقترحات معينة لايقاف جزئي لاطلاق النار في الخليج ومنع تسرب النفط من الابار الايرانية العاطلة ، لكن ايران رفضت المقترحات بصورة قاطعة ورفضت مواصلة الاحاديث مع اعضاء مجلس التعاون الخليجي ، وفي وقتها فقد تصاعدت الحرب لدرجة اصبح معها الصبيان يرتدون الملابس العسكرية ووجدوا من بين القتلى على الحدود الايرانية .
وفي الاسبوع الثالث من مايس 1984 ، حدثت بعض التطورات الفريدة من نوعها في حرب الخليج حيث حدث ان قصفت ناقلات سعودية وكويتية محملة بالنفط من قبل الطائرات الحربية الايرانية ، كما وأغرقت ناقلة نفط ( بنامية) وعلى اثرها بعد هذه الحوادث عقد مجلس التعاون الخليجي اجتماعاً طارئاً في 17 مايس 1984، ادانوا فيه الاعتداء الايراني . وبعد مرور خمسة ساعات من الاحاديث الحادة حول الاعتداء الايراني على الناقلات الكويتية والسعودية اصدر بيان مختصراً يقول : ( ان اي اعتداء على اي عضو من مجلس التعاون الخليجي يعتبر اعتداءً على الدول الستة ). وطار بعدها سكرتير عام المجلس (عبد الله بشاره) الى نيويورك لاثارة القضية في مجلس الامن بصورة رسمية بصدد الهجوم على الناقلات ونوقش الموضوع ايضاً في الجلسة الحادية والعشرون لمجلس الجامعة العربية يوم 19 مايس 1983.
وقد ادان مجلس الامن في اجتماعه في 2 حزيران 1984 الهجمات الحالية على السفن التجارية في الخليج وطلب ايقاف مثل هذه الهجمات في الحال واصيب بعد ذلك اربعة ربابنة للباخرة التركية ( بيوك هون) بحروق ماتوا على اثرها عندما شب حريق في سفينتهم بعد اصابتها بصواريخ عراقية وقبل ذلك اتخذ تصعيد حرب الخليج تحولاً جديداً عندما جرى ارسال (400) صاروخ امريكي نوع (ستنجر) ضد الطائرات وطائرة عسكرية من نوع هيركلس ، الخاصة بتموين الوقود في الجو الى السعودية لتعزيز دفاعها ضد الهجمات الايرانية على ناقلات النفط في مياه الخليج . وبارسال تلك الصواريخ ارسلت الادارة الامريكية العشرات من الخبراء العسكريين لتدريب السعوديين على ادارة الصواريخ.
وخلال اسبوع واحد من وصول صواريخ ( ستنجر) اسقطت الطائرات الحربية السعودية ( ترشدها طائرات الاواكس) طائرتين ايرانيتين في 5 حزيران 1984، واعلن بنفس الوقت وزير الاعلام العراقي لطيف نصيف جاسم بأن بلاده حصلت على اسلحة هائلة القوة قادرة على تدمير جزيرة (خرج) الميناء النفطي الرئيسي لايران.
واصبح الموقف الحالي اكثر خطورة بسبب اشتراك وتورط السعودية وغيرها من الدول الخليجية واكثر المظاهر خطورة للازمة هو احتمال التورط الامريكي من خلال مجلس التعاون الخليجي . كما كان ذلك واضحاً عند اسقاط الطائرتين الحربيتين الايرانيتين ، وبهذه الصورة فأن حرب الخليج لم تقدم الى شعبي العراق وايران شيئاً . ويمكننا بهذا الصدد ان نتذكر الشاعر الايراني الشهير (نظامي) الذي وصف كارثة الحرب بطريقة فريدة من نوعها عندما قال : ( حصل في يوم من الايام ان شاهد احد الملوك غرابين جالسان على اجساد ميتة لقرية مدمرة فسأل وزيره الذي كان يفهم لغة الطيور عم يتكلم الغرابان فيما بينهما فأجابه الوزير ان الغراب كان يبحث عن قرية مدمرة مثل هذه كهدية لزواج ابنه) وربما ان مثل هذا الطلب على خرائب كهذه فوق محاولات السلام).
الهوامش