23 ديسمبر، 2024 12:01 ص

ايران تخطت الثوابت العقائدية في اعادتها العلاقات الدبلوماسية مع السعودية

ايران تخطت الثوابت العقائدية في اعادتها العلاقات الدبلوماسية مع السعودية

في وسط اطلاق تجارب صاروخية مستفزة وتخصيب عالي لليورانيوم في المفاعلات النوبية الايرانية تم افتتاح سفارة ايران في الرياض على أثر اتفاق سابق تضمن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين برعاية الصين كخطوة قد تغيير من قواعد اللعبة السياسية في المنطقة، بالرغم من ان تلك الخطوة لا تتعدى حدود المصالح وفق مقايس المرحلة الحالية لان المسافة بعيدة عن بناء جسور الثقة وتجاوز سفر تاريخي طويل من العداء الفكري والعقائدي قبل ان يكون عداء سياسي، الا ان هذة الخطوة نقلت الثوابت المبدئية النابعة من موروث فارسي مثقل بالخلافات القومية والعقائدية والمذهبية وما يصاحبها من تراكمات سياسية الى المتغير السياسي النابع من استراتيجيات متحركة أساسها المصالح وفق ما تقتضيه الظروف والمستجدات التي أدت الى تخطي تلك الثوابت والانتقال الى متغير استراتيجي فرضه الواقع الجديد وفق مفهوم ” ليس في السياسة عدو دائم ولا صديق دائم ” وانما انتزاع ما يمكن تحقيقه من مصالح مشتركة في ضوء ما تمليه التحديات لان الدافع الاساسي او العامل المشترك الذي فرض على الطرفين مهادنة سياسية بعد تفاقم الازمات الاقليمية والتحديات السياسية والاهم من ذلك الموقف الامريكي من البلدين، حيث عانت ايران أقتصادياً من العقوبات الامريكية فلابد من تهدئة سياسية في المنطقة لالتقاط الانفاس من اجل احتواء الازمات الداخلية خصوصاً بعدما تيقن قادة ايران من غدر الامريكان بعد سفر طويل من العلاقات المشبوهة والتخادم المشترك رغم الخطاب العدائي الظاهري ضد اميركا، لان الانسحاب الامريكي من افغانستان وتسليم طالبان مقاليد الحكم وفر مناخات للتصادم بين الطرفين الايراني والافغاني نتيجة التوترات على المناطق الحدودية وما يصاحبها من تشنجات نابعة من اختلاف انتماءاتهما العقائدية والمذهبية، مما جعل ايران مرغمة على تبريد حماوة جبهة الغرب التي تشكل العمق العربي من اجل التفرغ للخطر القادم من جبهة الشرق التي بدت حرارتها تتصاعد على حدود افغانستان، لهذا رأت ايران من مصلحتها تحييد السعودية في الصراع الايراني – الافغاني المرتقب.
ومن جانب السعودية هي الاخرى عانت من ضبابية المواقف الامريكية وتخلي واشنطن عن اغلب تعهداتها بشأن توفير الحماية لحلفائها في منطقة الخليج العربي بالاضافة الى انتهازية السياسة الامريكية في قضية اليمن التي سعت الى تعميق الخلافات من اجل المزيد من استنزاف الأطراف الاقليمية والمحلية خصوصاً بعدما اصبحت ايران طرفاً مباشراً في الصراع، لهذا رغبت السعودية في انهاء التوترات مع ايران خصوصاً في حوض البحر الاحمر من اجل ضمان انسيابية الملاحة في مضيق هرمز وعدم التعرض لناقلات النفط.
وفي خضم هذة العوامل التقت الارادة الايرانية والسعودية على حل المشاكل العالقة ونبذ السياسة الامريكية وبناء قواسم مشتركة للتخلص من الاسلاك الشائكة التي نصبتها تلك السياسة الخبيثة في المنطقة، وهذا ما دفع الطرفان قبول وساطة الصين خصوصاً بعدما وجدت السعودية نفسها محاطة بميليشيات عقائدية تثير القلق على حدودها وامنها القومي بالرغم من التحفظات على سلوك ايران التي اشار اليها محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في كثير من المقابلات، وبالمقابل ايران هي الاخرى قبلت باعادة العلاقات الدبلوماسية مع دولة مخالفة لها في العقيدة والمذهب وكثيراً ما اتهمتها بالظلال والكفر ولا يمكن ان ننسى ما قاله الخميني في عام 1987 معلقاً على أحداث مكة المكرمة « نتنازل عن القدس ونتصالح صدام أهون علينا من أن نسامح السعودية ». ولكن اليوم ايران في سبيل مصلحتها ضربت تلك الاتهامات عرض الحائط وذهبت للصلح مع السعودية لفك عزلتها الدولية والخروج من ازماتها الخانقة، وهذا يعني ان ايران لا تبدي اهتماماً للدين والمذهب وانما تستخدمه واجهة لاغراض سياسية لان القومية في ايران تتقدم على الدين، والشواهد كثيرة على ذلك من خلال انحيازها الى ارمينيا المسيحية ضد اذربيجان الشيعية، وايضاً لا يمكن نسيان صفقة السلاح مع اسرائيل المعروفة بايران كونترا او ايران كيت خلال الحرب العراقية الايرانية وهذا دليل على انها دولة قومية قدمت مصلحتها الفارسية على الدين والمذهب، فضلا عن ما تسرب من معلومات بتوقفها عن ارسال الاسلحة الى الحوثيين في اليمن .. مما يعني ليس فقط تخلي ملالي ايران عن المعتقدات الدينية وانما بإمكانهم التخلى عن اتباعهم عندما تتطلب المصلحة ذلك، لذلك لا غرابة من الاتفاق مع السعودية واعادة العلاقات الدبلوماسية وتجاوز الخلافات المذهبية والثوابت المبدئية .. بالرغم من ان الاتفاق نال صخب أعلامي اكثر من ما هو عمق استراتيجي لحل الخلافات بشكل جذري بين البلدين، لان المشاكل اعمق من ان تكون اجراءات شكلية ومراسم احتفالية وانما تكمن في كيفية بقاء الاتفاق حي والبناء عليه في علاقات اكثر تطوراً من اجل تخطي العقابات الكبرى التي تهدد استمرار الاتفاق واستقرار المنطقة لان سلوك ايران كما هو معروف يفتقر الى المصداقية والالتزام بالعهود والمواثيق لذلك يصعب التكهن باستمرار الاتفاق والنجاح في حل أهم معضلتين اولها مشكلة اليمن التي يفتقر الاتفاق المبهم الى وجود خطوات جادة في حلها، والثانية مشكلة الميليشيات المحيطة بالسعودية والمتواجدة من العراق وسوريا ولبنان واليمن التي لم يرد في الاتفاق ماهو واضح لانهاء نفوذ تلك الميليشيات .. لهذا أعتقد كثير من المراقبين ان الاتفاق مرحلي ولا يعدو سوى هدنة سياسية قد تنتهي بانتهاء الاسباب الموجبة وتعود الخلافات الى ما هي اعمق مما كانت علية في مرحلة الحملات السياسية والاعلامية التي بلغت ذروتها وادت الى القطيعة الدبلوماسية بين الطرفين لان سلوك ايران المراوغ اعطى انطباع على استحالة التخلي عن طموحاتها وتمددها في دول المنطقة الذي تعتبره ورقة للمساومات الاقليمية والدولية .