لاشك ان الزيارات التي قام بها الرئيس الايراني حسن روحاني الى بعض الدول الاوروبية تشكل الخطوات الاولى لا اعادة الثقة بين اطرافها وتعد مفصلية وواعدة والملاحظ ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول المجموعة الأوروبية يسعيان لتطوير علاقاتهما، في مختلف جوانبها، السياسية والاقتصادية والعسكرية، بعد ان كانت علاقاتهما عرضة للتذبذب، وتباينت مواقف كل منهما إزاء القضايا التي كانت مطروحة على أجندة العلاقة بينهما، كما كانت هذه العلاقة خاضعة لتأثير استكباري حيث حرمت هذه الدول من الاستثمار والاستفادة من الامكانات الكبيرة في الجمهورية الاسلامية الايرانية ؛ إذ تعرضت الدول الأوروبية لضغوط من الولايات المتحدة الأمريكية لتحجيم علاقاتها بإيران ، لغرض تحقيق هدفها في عزلها دولياً.وكان السبب الاول والمهم طيلة السنوات السابقة التي امتدت الى اكثر من ثلاثين عاماً . ويمكن القول بأن هناك العديد من المميزات البارزة التي تتمتع بها ايران الاسلامية مثل الديمقراطية الدينية والوحدة والتضامن الوطني، والمشاركة الواسعة للشعب في اتخاذ القرارات السياسية وآخرها الحماسة التاريخية خلال الانتخابات الرئاسية العاشرة في يونيو/ حزيران 2013، كذلك وجود طاقة بشرية كبيرة وشابة وماهرة، ومساحة واسعة ومصادر غنية للطاقة واحتياطيات كبيرة من انواع المعادن، وطرق مواصلات آمنة ورخيصة، تجعل أصحاب القرار واللاعبين السياسيين في العالم عاجزين عن تجاهل هذه الحقائق الناصعة والمهمة للجمهورية الاسلامية. والكل يعرف ان طهران كانت هي في مقدمة المتصدين للارهاب والعنف و لو لم تكن ايران فاعلة في مواجهة الارهابيين لكان العالم اليوم يواجه دولا ارهابية وليست جماعات ارهابية، وهو ما كان يشكل خطرا كبيرا جدا للعالم.وعلى الرغم من أن ملفات الخلاف بين الطرفين الأوروبي والإيراني لمّا تحسم بعد بشكل نهائي ولكن الامال كبيرة والتحركات المستمرة بين الطرفين يثبت بأن النوايا موجودة ، فإن الأوروبيين اليوم يعتقدون أن سياسة المقاطعة والحظر والعزل السياسي لإيران، التي كانت تنادي بها الولايات المتحدة، لم تكون فعالة ولم تجدي نفعاً ، ولم تسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وهم يصرون على أن اذا كانت هناك ملفات يمكن ان تحل بالحوار وتفهُّم كل طرف حاجات الطرف الآخر ومصالحه. ايران تدرك أن القارة العجوز، ستكون مركز الثقل في الحوار الاستراتيجي مع الغرب، على قاعدة المصالح المشتركة، في الاقتصاد كما في السياسة، بالرغم من الضغوط المتعددة الأطراف عليها . ويعد الان الحديث عن المشروع الإيراني في المنطقتين العربية والإسلامية ضرباً من العبث، كما لم يكن هناك مشروعات عربية وإسلامية بديلة، تعكس هوية ومصالح المنطقتين. فلقد كان لفشل المشروع العربي على الصعيدين السياسي والاقتصادي الأثر الأكبر في تواري قوى إقليمية عربية مثل مصر والسعودية، وبروز إيران ، كقوى فاعلة في المنطقة.
ويعد الاقتصاد الإيراني من الاقتصاديات ذات المرتكزات القوية ، ولم يلعب النفط فيه دورًا كبيرًا، ويظهر ذلك من خلال برمجة اقتصادها على اسس جديدة كي لا يؤثر النفط على نسبة كبيرة من صادراتها وتقليل الاعتماد عليه . و نجد أن الاقتصاد الإيراني يملك ميزة تنافسية بين الاقتصاديات العربية والإسلامية في مجالات اخرى تمكنه من ان يلعب بدور حاسم في المنطقة ، ويمكن له في الانفتاح الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، أو على الصعيد الإسلامي.
كما اصبحت اوروبا مقتنعة بأن الأزمات التي تهز المنطقة تمثل تهديدا خطيرا على العالم بأسره وخاصة على الدول الأوروبية التي تواجه مشكلات مثل التطرف والطائفية والإرهاب والاضطرابات الأمنية ولايمكن حلها دون ان يكون لايران مشاركة فيها وثبت مساهمتها في الوقوف بوجه الارهاب .
أن تراجع العلاقات بين ايران واوروبا كانت على خلفية الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عليها بحجة البرنامج النووي.
ومنذ عودة إيران إلى الساحة الدولية الاقتصادية بعد رفع العقوبات بموجب الاتفاق التاريخي حول برنامجها النووي الموقع مع السداسية، وقعت طهران سلسلة من العقود مع الدول الاوروبية المختلفة كما ان الزيارات المتبادلة زادت بشكل مكثف وتتسابق الكثير من الدول لعقد الاتفاقات الثنائية .
وقد اجمع العالم على ان الاتفاق النووي الإيراني يعد تاريخي، سيأتي بنتائج إيجابية إذا نفذ جميع الأطراف التزاماته وهذا ماتحقق بالفعل لحد الان رغم قصر الفترة الزمنية .
الآن وبعد اتفاق جنيف الذي تم بين ايران والغرب (5+1) وتنفيذ هذا الاتفاق تأتي الزيارات المتبادلة في اطار زمني مهم وتاريخي للغاية حيث ستفتح فصلاً جديداً من العلاقات بين ايران والاتحاد الأوروبي. ويسعى الاوروبيون كافة إلى البدء بمبادرات تجارية وايجاد محل قدم لهم في الاسواق الايرانية لتعويض ما خسروه لصالح روسيا ودول ناشئة كالصين وتركيا.
الزيارات ستفتح فصلاً جديداً في العلاقات لابل ستكون نافذة جديدة بين ايران والاتحاد الاوروبي. يمكن القول ، ان العلاقات بين ايران والاتحاد الاوروبي خلال العام الماضي شهدت تطورات سريعة الى الامام، وكخطوة اولى فهي تطورات مهمة وضرورية، ولكن في الخطوات التالية يجب ان تقترن هذه التطورات بالفعل من أجل ايجاد نقطة عطف في تاريخ العلاقات الثنائية.
طبعاً الدول الغربية تعرف جيداً الإمكانيات التي تتمتع بها ايران في شتى المجالات من إمكانيات الطاقة، هناك الغاز وايضاً النفط وبالاضافة الى الطاقة البشرية العلمية التي تتمتع بها ، ممايجعل هذه الدول تسعى الى إستثمارها وبالاضافة الى مجالات الاستثمارات الاخرى التي تقدمها ايران، وتحاول هذه الدول الغربية والصين إستثمار هذا الظرف الزمني خاصة وأن معظم دول المنطقة من الدول الاسلامية والعربية حالياً تعاني نوعاً من الكساد بسبب تراجع أسعار النفط بينما ايران في ظل إمكانياتها البشرية والعلمية استطاعت الخروج من الازمة الى حد ما وكذلك في مجال الطاقة يمكن أن تكون سوقاً مهماً لهذه الدول .
وهي تدرك انها ستكون بمركز الثقل في الحوار الاستراتيجي مع الغرب، على قاعدة المصالح المشتركة ، في الاقتصاد كما في السياسة، بالرغم من الضغوط المتعددة الأطراف عليها ولها القدرة على الخروج منتصرة .وهي تحظى بمكانة مؤثرة لدى الراي العام العالمي والعالم كله يقر بتاثير ايران في العلاقات العالمية. وهو الأمر الذي تقر به القوي العالمية الكبرى ايضاً،