بعد ان وصل او بلغ البرنامج النووي الايراني، بحسب الخبراء، اشهر قليلة؛ لصناعة السلاح النووي؛ لم يظهر، اي انفراج لملف الصفقة النووية بين ايران والولايات المتحدة الامريكية. الولايات المتحدة؛ تتبع الطريق الدبلوماسي في ايجاد مخرج لهذا الملف الشائك والمعقد. ايران من جهتها تستثمر جميع ما في جعبتها من اوراق ضغط؛ لوضع الخصم في المنطقة حرجة. المسؤولون الايرانيون يدركون تماما؛ ان الوضع الدولي والاقليمي والعربي، يتيح لهم؛ انتزاع اكبر قدر من التنازلات الامريكية، ومن اهمها، بعد رفع العقوبات؛ انتزاع اعتراف دولي اي امريكي وغربي؛ بدور ايران الاقليمي. ان الوضع الامريكي في الداخل وصراعها مع خصمين عظميين؛ الصين وروسيا، اضافة الى ان البرنامج النووي الايراني، بلغ المنطقة الحرجة، التي، لابد لأمريكا والغرب؛ من ايجاد منطقة مشتركة لمعالجة هذا الملف النووي الايراني المعقد. مما وفر للمسؤولين الايرانيين، ارضية صلبة، مكنتهم من الوقوف بقوة وثبات عليها؛ وفرض شروطهم سابقة الاشارة. أما، ماهي ركائز هذه الارض، فهي من وجهة نظرنا المتواضعة، في التالي:-
اولا؛ ليس امام امريكا و(اسرائيل)، الا حلين، لاوجود لبديل غيرهما؛ أما توجيه ضربات منتخبة على المراكز النووية، سواء، كانت امريكية او اسرائيلية، بموافقة امريكية، وهذا امر بعيد الاحتمال، ان لم نقل غير وارد، بكل تأكيد. لأنه لا يقضي على البرنامج، بفعل وجوده، تحت قواعد هذه الجبال. اضافة الى الرد الايراني على القواعد الامريكية في الخليج العربي، وفي العراق. وايضا، وهذا هو الأهم، والاخطر؛ الاغراق الصاروخي الذي سوف يواجهه الكيان الصهيوني سواء من ايران او من حلفائها في بعض دول العربية، والذي، سيلحق ضررا بالغا بأمن هذا الكيان، ويهز هزا عنيفا، ثقة السكان بقدرة (دولتهم) على المحافظة على امنهم، وسيكون له تداعيات نفسية مستقبلية.. أما الحل الثاني، وهو العودة الامريكية للصفقة النووية بين ايران والقوى العظمى في العالم؛ وهو الطريق الوحيد الذي سوف تسلكه الولايات المتحدة في نهاية المطاف.
ثانيا؛ الولايات المتحدة منشغلة في ترميم بيتها الداخلي؛ على الصعد كافة، الاقتصادية منها، والسياسية وغيرهما، والاستعداد لمواجهة التحديات الخارجية. لذا، فان امريكا بايدن؛ تبنت الفاعلية الدبلوماسية في وزارة الخارجية الامريكية؛ في حل القضايا العالمية، سواء في الشرق الاوسط، او في اي مكان اخر من المعمورة. ان هذا التوجه السياسي، فرضته على الولايات المتحدة، الظروف الداخلية والتهديدات بانحسار هيمنتها على كوكب الارض. مما اجبرها ان تعيد حساباتها في الداخل والخارج، كي تتمكن من العمل على تنشيط الاقتصاد، الذي يعاني من التباطؤ بسبب تفشي جائحة كورونا، ومنافسة التنين الصيني لها، في اسواق تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية عالية التقانة. والتفرغ الاهم؛ في مواجهة الصين في بحر الصين الجنوبي وحتى الشرقي، وفي شبه الجزيرة الكورية، وفي جنوب شرق اسيا، وبقية مناطق اسيا، وفي المحيطين الهادي والهندي. ومواجهة روسيا، في اسيا الوسطى، وفي اوروبا الشرقية، وفي رابطة الدول المستقلة( جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة..). هذا لا يعني باي حال من الاحوال؛ الاعداد الامريكي للانسحاب التدريجي من المنطقة العربية، بل ان العكس؛ هو الصحيح تماما؛ للعلاقة العضوية، والاستراتيجية للمنطقة العربية، وتأثيرها التبادلي لجهة امتلاك عناصر وعوامل القوة والقدرة، في حقلي، السياسة والاقتصاد، الفاعلان في رجحان اي طرف على الطرف الاخر؛ في الصراع التنافسي بين امريكا والغرب مع روسيا والصين.. وهذا هو ما يفهمه الايرانيون بصورة جيدة؛ ويعملون على استثماره بكفاءة عالية وذكية وشجاعة.. لكن، في المقابل؛ ان امريكا ستزيد من فعالية نشاطها الدبلوماسي والسياسي والمخابراتي، بالاستفادة من الثورة المعلوماتية وتقنياتها ومنصاتها الاجتماعية في الحقول السياسية والاعلامية، وصناعة رأي عام في الدول المستهدفة( الدول العربية وجوارها..) لصالح الرؤية الامريكية، والغربية و(الاسرائيلية)؛ في السياسة والثقافة والاقتصاد، مع وجود عسكري في حجم وعدد مقبول وغير مكلف، لكنه، قادر عند الحاجة على احداث التغيير المطلوب، او تحقيق، اي هدف او اهداف تريد امريكا ان تحققه في الميدان عند اللزوم، على طريقة الوجود الامريكي في معبر التنف السوري، وفي غيره من الارض السورية، وايضا كما هو وضع وجودها العسكري في العراق.. من دون ان تنزل بجنودها في الميدان، تكتفي بأسقاط من السماء، على الارض، صواريخها الجهنمية. أما بقية فعل الفاعل؛ تقوم به الدول او غيرها، ذات العلاقة بهذه الاهداف. وهذا هو، من وجهة نظرنا المتواضعة؛ ما يفسر لنا، التعاطي الامريكي الجديد، مع الملف الايراني، وايضا التوجه الامريكي الحالي؛ بوضع خارطة طريق جديدة، لتنظيم الشراكة الاستراتيجية مع السعودية على اسس جديدة..
ثالثا؛ الرسائل الامريكية للجانب الايراني، والتي تدعوها للتفاوض على صياغة جديدة للصفقة النووية، لكن ايران، لم تستجب لها بالشكل العملي، بل اصرت على رفع العقوبات الاقتصادية الامريكية اولا، قبل قبولها؛ للدخول في المفاوضات بينها وبين امريكا والاوربيين، اضافة الى رفضها، ادخال او التفاوض حول ملف الصواريخ، ونفوذها في المنطقة العربية. الامريكيون والاوربيون واصلوا دعوتهم لها؛ بالقبول بالتفاوض من جديد. امريكا ومن بين رسائلها العملية، الى الجانب الايراني؛ قبولها بالأفراج عن بعض الاموال الايرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، وفي العراق، والتي نفاها وزير الخارجية الامريكي. ( لكننا نميل الى تصديقها.) كما ان الامريكيين والاوربيين امتنعوا عن تقديم صيغة قرار يدين تحديد ايران لعمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. أما، ايران، فقد تابعت الضغط على الولايات المتحدة الامريكية، سواء بالتصريحات او بالإجراءات العملية؛ فقد زادت نسبة تخصيب اليورانيوم الى 20%، كما انها هددت بزيادة هذه النسبة من التخصيب الى 60% على لسان السيد على خامنئي، وحددت عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية. كما لا يفوتنا هنا، الاشارة؛ الى الهجمات الاخيرة على القواعد الامريكية في العراق، والتي كان اخرهما؛ الهجومان اللذان لا يفصل بينهما سواء بضعة ايام؛ على قاعدة عين الاسد، والتي كان من نتيجتيهما قتل متعاقد مدني امريكي، هذان وغيرهما، ما هما؛ الا رسائل ايرانية للتأثير النفسي على الجانب الامريكي، او هي رسائل تبليغ للجانب الامريكي، كي يضع في اعتباراته، الفاعل الايراني، في اي حل قادم تريد امريكا له النجاح.. امريكا لم ترد على هذه الهجمات حتى اللحظة. هذه الرسائل تتزامن مع رسائل غزل ايرانية، من قبيل؛ قول المتحدث باسم الحكومة الايرانية، على ربيعي؛ ان ايران مستعدة للتبادل الكامل للسجناء مع امريكا.. كما ان رضائي رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، في مقابلة له مع صحيفة فننشال تايمز، قال: ان الحل بالبدء المتزامن لخطوات رفع العقوبات مع خطوات مقابلة وموازية للالتزام الايراني ببنود الصفقة النووية.
ايران؛ لها، مصالحها القومية، تقاتل للمحافظة عليها، وترسيخها؛ في استثمار ما متاح لها من وسائل وأدوات.. وهذا ليس حصرا على ايران، بل ان جميع دول العالم، تمارسه في كل مراحل تاريخ البشرية حتى الآن. كما ان الامريكيين والاوربيين، والروس، والاتراك؛ يأخذون في الاعتبار، ايران كفاعل لا يمكن تجاوزه، في خططهم ووسائل تنفيذها على ارض الواقع، في المنطقة العربية، وفي اسيا الوسطى، وفي بحر قزوين، وعلى سواحل المحيط الهندي. يقول الاكاديمي الكويتي، عبد الله النفيسي، في مقابلة له على قناة الجزيرة، نقلا عن مسؤولين غربيين وامريكيين؛ ان العلاقة الجيدة مع ايران مفيدة لنا، بينما الخصومة معها مضرة لمصالحنا في المنطقة العربية، وفي غيرها. انما الخصومة مع العرب لا تضرنا، وعلاقتنا مع العرب؛ تظل جيدة، مهما فعلنا او ابتعدنا في خططنا عن مصالحهم، تحت مختلف الظروف. النظام الرسمي العربي المستبد، لم يقم بما يلزم عليه القيام به؛ بتأسيس قاعدة صلبة في ادارة الحكم، اعمدتها؛- حرية الرأي.. صحافة، ومنظمات المجتمع المدني.. وغيرهما..- مشاركة الشعب عبر ممثليه؛ في صناعة القرار والاجراء..-الأخذ في الاعتبار؛ العلاقة العضوية بين الدول العربية، وبينهما من جهة وبين القضية الفلسطينية..- الاعتماد على الذات، بعون من العمق الاستراتيجي العربي، في حماية الاستقلال والسيادة والآمال.. ان هذه بمجملها، مجتمعة؛ تشكل ثقل استراتيجي سليم ومضمون النتائج؛ في بناء التحالفات او الشراكات مع القوى الدولية العظمى، على صعيد تنوعها، بما يجعل منه، قوة مؤثرة، وفاعلة؛ الخصومة معها تضر، والشراكة معها له ثمن، بأبعاد تخادميه. في سياق ذي صلة؛ دوائر صنع القرار في الموساد، والجيش الاسرائيلي، بحسب تسريبات الصحافة العبرية؛ واحد من خيارتهم في (مواجهة؟!) ايران النووية، سياسة الردع النووي، كما كان معمول به في صراع الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، لعشرات السنين. ان هذا هو ما يجب على العرب ان يفهموه؛ من ان ايران، ومهما كان شكلها السياسي، الأن، او في المستقبل، سواء بالاتفاق النووي، بعد حين من الزمن، او بدون اتفاق؛ ستمتلك السلاح النووي. عليه، على العرب بالاعتماد على الذات، وليس، على التحالف مع الكيان الصهيوني، عبر عمليات التطبيع المجاني، كحق مشروع لجهة القانون الدولي، امتلاك قوة ردع موازية. لصناعة السلام والاستقرار الحقيقيان، وليس كأداة للحرب( القوة تصنع السلام وتحافظ على السيادة والآمال..). أما الاعتماد على اسرائيل في مواجهة ايران النووية، بتشكيل ناتو عربي اسرائيلي، كما ما هو معلن من بعض اركان النظام الرسمي العربي المستبد، او موجود وغير معلن من البعض الاخر، فأن ثمنه؛ هو مصادرة القرار السيادي، في الحقل السياسي والاقتصادي والثقافي، وغير هذا الكثير، من جهة كما انه خدعة كبرى من الجهة الثانية. ختاما نقول؛ ان المنطقة العربية، ستبقى ولسوف تبقى، مهمة، استراتيجيا في صراع وتوازنات القوى الدولية العظمى، وعلى العرب، قبل فوات الأوان؛ الاستثمار الامثل، لهذا الذي وهبهم الله لهم، لصالح استقلال وسيادة دولهم، وأمن واستقرار ورفاه وتنمية قدرات شعوبهم، حتى يكونوا في قلب صناعة تاريخ المنطقة، وليس على هامش تاريخ المنطقة.