18 ديسمبر، 2024 5:04 م

ايام لاتنسى من قصص الحرب… الجزء الرابع

ايام لاتنسى من قصص الحرب… الجزء الرابع

معارك شرق البصرة
الجزء الرابع والاخير
دخلنا القاعة فوجدت خمسة من اصدقائي الذين كنا في وحدة عسكرية واحدة وقد واجهنا الموت سوية الى آخر لحظة وتعرفنا على نفس العدد من الفوج الثاني التابع لنفس اللواء فاصبح عددنا عشرة مقاتلين فيما تبين ان القاعة تضم ثلاثين مقاتل بالتحديد عرفنا قسم منهم لانهم كانوا حماية آمر اللواء والباقين كانوا من افراد حماية قائد الفرقة والغربب في الامر ان هؤلاء لم يصلوا ارض المعركة اصلا وكانوا بعيدين جداً عن ساحة المعارك ولكن اقدارهم ان يكونوا في حماية القادة الذين رشحوهم لينالوا التكريم بدلا من اصدقائي الابطال الذين ضحوا بأنفسهم والذين شاهدت جثثهم مرمية فوق الساتر نعم انها انعدام العدالة في كل شيء وفي كل زمان ومكان فهناك من يقاتل ويدفع روحه ثمن لهذا الوطن لا ينال اي تكريم ومن يكون من المقربين للسلطة يناله التكريم بدون مشقة او خوف اوتعب انتظرنا في القاعة لمدة ساعتين تقريبا وعندها احضروا لنا وجبة غداء سريعة مغلفه في كرتونات صغيرة وبعد ان تناولناها قاموا بإعطائنا بدلات عسكرية جديدة غير بدلاتنا القديمة الممزقة اغلبها ….
بعدها حدثت ضجه كبيرة في الممرات ودخل عددا من ضباط الحمايات الى القاعة وكان من ضمنهم وزير الدفاع في حينها الذي قام بمنحنا رتبة ضابط في الجيش العراقي بدلا من رئيس الجمهورية الذي اعتذر السيد الوزير نيابة عنه كونه مشغول بأمور المعارك حسب ادعائه… وقد تم منحنا رتبة ملازم ثاني في الجيش العراقي مع نوط الشجاعة ومبلغ مالي قدره خمسمائة دينار في ظرف مغلق لكل مقاتل مع كارتون مغلق تبين لنا فيما بعد انه مسدس شخصي وبعد نهاية التكريم صعدنا في نفس السيارات التي اقلتنا لتعيدنا لنفس المكان والذي هو استعلامات القصر الجمهوري لنتوجه بعدها الى كراج العلاوي في وسط العاصمة بغداد ونتفرق كلا يذهب الى محافظته.
استنجدت باحد جنود الانضباط العسكري مرة اخرى لكي يقوم بحجز لي مقعد في السيارة المتوجهة الى مدينة الموصل حيث كان الكراج ايضا مكتظ بالركاب وما لفت انتباهي كلماته عندما قال تأمر سيدي وانا متناسيا نفسي بانني اصبحت ضابطا في الجيش لان آلام الإصابة في رجلي وفي يدي ما زالت اوجاعها قوية…. حجز لي منتسب الانضباط العسكري المقعد الاول في السيارة والتي كان نوعها باص كبير وتسمى المنشاة وجلس بقربي ضابط برتبة مقدم وبدأ حديثنا عن الجيش وعن الحياة العسكرية وبما ان الطريق طويل فان المسافرين يأخذون قسطا من النوم داخل السيارات ثم يجلسون يتحدثون مرة اخرى. خمسة ساعات مرت لنصل الى مدينة الموصل وكان الوقت يشير الى منتصف الليل تقريبا توجهت على الفور الى المستشفى العسكري كونني شعرت بآلام قوية في رجلي اليسرى المصابة وعند وصولي وعلى الفور قام الكادر الطبي بادخالي ردهة الضباط وقاموا بإعطائي بعض المسكنات الطبية لحين دوام الطبيب الاخصائي في الصباح….
وبما انني كنت متعب ومرهق جدا من هذا السفر وهذه الرحلة وجدت نفسي في نوم عميق لم افق منه الا عند الساعة العاشرة صباحا تقريبا عندما كان الطبيب الاخصائي ومعه الكادر الطبي بالقرب مني وعند افاقتي قاموا بتقديم التبريكات لي لمناسبة منحي رتبة ضابط في الجيش العراقي كونني كنت راقدا لديهم ويعرفون كل التفاصيل وقام الطبيب المختص بفتح الضماد وتبديله بعدها ذهبت الى إدارة المستشفى لإعطائهم نسخة من المرسوم الجمهوري الذي تم منحنا فيه رتبة ضباط في الجيش العراقي فقاموا بتغيير نموذج الاجازة وتغيير الرتبة فيه وتم منحي اجازة مرضيه لمدة 60 يوما اراجع من خلالها وبعدها المستشفى المذكور ثم خرجت من المستشفى وكان احد اقاربي قد اتى الى المستشفى لمراجعة اعتيادية فصاحبني معه في سيارته الخاصة والتي استلمها من الدول قبل مدة كونه نائب ضابط مطوع في القوات المسلحة وتوجهنا الى القرية التي نسكن فيها…
وصلت القرية وكان في استقبالي الجميع مهنئينني برتبه الجديدة كونه شاهدوا لقاءنا بالسيد وزير الدفاع وتكريمه لنا عن طريق التلفاز… وما احزنني اكثر عندما التقيت بعمي عبدالرحمن الذي بارك لي وقال ياعبدالكريم لقد اخذ الله منا ابن عمك حسن الذي ذهب الى جوار ربه الكريم وها انت اليوم ضابط ضمن افراد عائلتنا نتمنى من الله ان يحفظك ذخرا لنا وحضنني وانهالة الدموع من الاثنين…
بقيت على وضعي اراجع بين الحين والاخر المستشفى العسكري لحين ان تم شفائي وتمت احالتي الى لجنة طبية داخل المستشفى والتي قررت بان نسبه العجز هيَ اربعين في المائة وانني لا اصلح للخدمة الا في وحدات ثابته دائميه وبعد مدة شهر تقريبا وحسب التعليمات توجهت الى العاصمة بغداد لمراجعة وزارة الدفاع كونها المرجعية في نقلي الى الوحدة العسكرية الجديدة وهي من يختار ذلك…. وصلت الى هناك وابلغوني بالمراجعة في اليوم التالي بقيت في احد الفنادق في وسط العاصمة ثم توجهت منذ الصباح الى الوزارة لأجد كتابي كامل وجاهز وان الوحدة التي تم اختيارها لي قريبة من سكني وبنفس مدينة الموصل وعند عودتي وفي صباح اليوم التالي توجهت الى الوحدة العسكرية الجديدة وكان في استقبالي العقيد ميسر آمر الوحدة وسلمتهم الأمر الصادر من الوزارة ومن مديرية ادارة الضباط تحديداً وكذلك قرار اللجنة الطبية.. قام السيد آمر الوحدة بتسليمي مكتب ضابط استخبارات الوحدة بعد ان عرف منطقة سكني وظروفي الخاصة وكانت هذه الامور تدخل ضمن اختيار الوظائف الحساسة في كل مفاصل الدولة…. بقيت في هذه الوحدة لمدة ثلاثة سنوات تقريبا وفي احدى المناسبات قام السيد امر الوحدة بدعوتي لحضور حفلة زواج ابنه رافد الذي كان نقيب في الجيش العراقي وينتسب الى قيادة القوة الجوية كونه مهندس خريج الكلية الفنية العسكرية.. واثناء الحفلة والتي حضرها شخصيات عديدة ووجهاء من مدينة الموصل تعارفت على عائلته وكانت لديه احدى بناته تعمل معلمة في احد القرى الريفية في منطقة جنوب الموصل… وقد اعجبت بها وبحديثها وبعد فترة زمنية قمت بمفاتحة السيد آمر الوحدة برغبتي بخطوبة ابنته وقال لي امهلني يومان فقط وان شاء الله خيراً… وبعد يومين ابلغني بعدم الممانعة من الزواج من ابنته الست اشواق وفي نهاية الاسبوع تقدمت لخطوبتها ومعي كبار الرجال في العشيرة إضافة الى والدتي وافراد عائلتي وتمت الخطوبة وتم بعدها الزواج….
استمريت في وظيفتي العسكرية حيث تدرجت الى رتبه عقيد في الجيش وفي عام 2003 وبعد احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق تم احالتي الى التقاعد اسوة بزملائي افراد المؤسسة العسكرية وحسب قرار الحاكم المدني الامريكي بريمر القاضي بحل الجيش العراقي.. واليوم يطلق علينا اسم ضباط الجيش المنحل….
وبعد ان انتهت وظيفتي في الخدمة العسكرية واحالتي للتقاعد توجهت الى القطاع الخاص وبدأت اعمل في مجال التجارة وانا حاليا صاحب احدى الشركات التجارية الاهلية في احدى دول الجوار كون الاوضاع غير مستقرة في بلادي… ورغم مأساة الغربة والحنين الى الوطن الا ان الظروف احيانا لا تقبل المجازفة خاصة واننا اليوم اصحاب عوائل ولا نريد ان نذهب بهم الى التهلكة…
هذه هي قصة كتبتها عن احد المواطنين ابناء البلد الكبير باسمه وعنوانه ابناء العراق الذي ضحى وما زال يضحي ويتمنى ان تعيش كل دول العالم في سلام واستقرار تام وهو يعاني من فوضى وعدم استقرار وان جميع الدول التي تحيط به لا تتمنى له الخير ابدا ولا تريد له الاستقرار مهما كان الثمن…
وان القصة من عالم الخيال الممزوج بالواقع العراقي… واحداثها تشبه احداث الكثيرين من ابناء هذا الشعب….
نتمنى لكم الاستمتاع بقراءتها وان لا نكون ضيوف ثقلاء عليكم…… تحياتي