عملُ بعض الاحزاب والتشكيلات السياسية على تكريس احتكار تمثيل اطياف الشعب العراقي في الحكومة والمواقع السيادية لايقوم ، حتى الان ، على تسبيبات مقنعة أو واضحة ، وقد تجلى هذا الفعل أولا وأخذ بعدا عمليا بعد انتخابات 2010 بحرمان رئيس الوزراء العراقي الاسبق اياد علاوي ( الفائز الاول بالانتخابات النيابية ) من رئاسة الحكومة ، بإعتبار ان ذلك الحق محصور لا بالشيعة حسب ، فاياد علاوي هو الآخر شيعي ومن اسرة قريبة على مرجعياتها ، بل وبجهة سياسية عينها ، حتى وان لم تمتلك شرعية ما يؤهلها لذلك .
الامر ذاته وبنفس التبريرات ينسحب على تمثيل العرب السنة والكرد في مواقع سيادية اخرى .
وفقا للمعايير الديمقراطية ، تخضع المواقف والسلوكيات والممارسات السياسية لضوابط او اعراف دستورية ، وماجرى في العام 2010 ويجري تكريسه الان ، يشذ عن هذه الاعتبارات ، فالدستور العراقي ، بنصوصه الواضحه ، لايرفض بل ويعاقب ايضا على انتهاج الطائفية او العرقية بكل اشكالهما وفي كل الميادين ، مما يسقط الحجة الدستورية عن هذه السابقة الخطيرة التي جاءت ايضا نافرة عن الاعراف والتقاليد الجامعة والموحدة لاطياف الشعب العراقي عبر تعايشها السلمي الطويل ، فالاحزاب والكيانات السياسية المدعية بحق تمثيل المكونات العراقية على اسس مستحدثة ، لاتمتلك العراقة التي ترفعها ( ولو نظريا ) الى مصافي احتكار هذا الحق ، كالمرجعية الدينية والعشائرية او السلالة الاسرية او العمق التاريخي .
مضافا على ماتقدم ، فإن إعتماد هذه المفاهيم في الحكم لم يوقف التقدم نحو دولة المواطنة التي تنهض على اسس المساواة بين ابنائها ، بل أشعل ايضا صراعا ينطلق من التمييز والكراهية والشعور بالغبن التي تترعرع في مثل هذه البيئة الفاسدة ، وتتدعم هذه المقولة بالنظر الى ماخلفته تلك السياسات خلال السنوات الماضية من موت ودمار وتهجير .
بعد العمل بنظام الاقاليم والمحافظات والادارات المحلية ، وصلاحياتها الواسعة في حكم وادارة شؤون مواطنينها بهوياتهم المحلية ، لم يعد المضي بتقسيم السلطة الاتحادية بالمقص الطائفي يخدم مصلحة البلد ووحدته قدرما يخدم مصالح فئوية وطموحات شخصية ، فالدكتاتورية السابقة باتت تواجه بالرفض والتراجع ، على خلفية إرثها المروع ، امام الأغلبية الوطنية التي تقودها التوجهات السياسية المدنية .
لقد لعب السيد اياد علاوي ، خلال السنوات الماضية ، دورا اساسيا في مواجهة المد الطائفي ، من خلال العمل على تعميق تجربة العمل الوطني بسماته المدنية ونهجه الوحدوي ، وقد افرزت الانتخابات الاخيرة – مع جل الملاحظات حول نزاهتها ودرجة شرعيتها – تنامي التيار المدني ، ومحاولات جدية لكسر قاعدة احتكار السلطة على اسس من التمثيل الطائفي في الحكومة بفضل هذا الدور الريادي الذي لايمكن اغفاله وامتداداته وآثاره المستقبلية .