اذا كانت الاحزاب والقوى الكوردية تعتقد أنها بمنأى ومأمن مما تقوم به تركيا على اراضي الاقليم فأنها مخطأة تماما , فقد اثبت استفتاء عام 2017 جدية هذا التهديد على الجميع , فحينما كان الجيش العراقي يهم بالدخول االى كركوك وبقية المناطق التي انسحبت منها قوات الحزبين الكورديين كانت تركيا السباقة في حشد قواتها على حدود الاقليم الشمالية وبدأت حينها مهيأة للانقضاض على كوردستان, وسيسرها ويسعدها ان تعيد الكرة وتستولي على كل اراضي الاقليم بمجرد ان تتيح اوضاع المنطقة الفرصة لها وعندها لن يكون هناك اقليم تحكمه الاحزاب الكوردية وتتصارع فيه للفوز باكبر قدر ممكن من الثروات , وعلى هذه الاحزاب ان لاتعول على اي اتفاقيات بينها وبين الجانب التركي , فتركيا ستضرب كل الاتفاقيات عرض الحائط عندما تنعدم اسباب دفاع الحلفاء عن كوردستان , فهي تعتبر وجود الاقليم غصة في بلعومها اوجده الحلفاء رغما عنها لشعب يعتبره الاتراك من الد أعداء الكيان التركي والوحيد الذي قد يهدد الدولة التركية في هذه المنطقة , فهي تنفق المليارات على الرغم من ازمتها المالية في مشروع قناة اسطنبول فقط للالتفاف على اتفاقية مونترو وللتخلص من الشروط الدولية في هذه الاتفاقية لذا ليس غريبا عليها الالتفاف على اي اتفاقية اخرى بينها وبين طرف آخر ضعيف جدا بحيث لا يتمكن مسؤوليها حتى من عدم الابتسام عند لقاء المسؤولين الاتراك الزائرين الى اربيل كرد على عدم رضاهم على ما يقوم به الجيش التركي .
ان سكوت حكومة الاقليم على تجاوزات الجيش التركي واعتداءاته على اراضي الاقليم سيزيد من الفجوة التي بدأت تتكون وتتسع بينها وبين شعب الاقليم الذي يفقد ثقته رويدا رويدا بقدرة هذه الاحزاب على قيادة دفة الحكم بعيدا عن مظالم الدول الاقليمية , واذا استمرت هذه المظالم وهذه الاعتداءات , فأن العودة الى احضان الحكومة العراقية وتحمل مظالمها قد يكون باب النجاة بالنسبة لشعب الاقليم وبديلا افضل في كل الاحوال من السقوط بيد الاتراك الذين اثبتت كل نواياهم وافعالهم انهم لن يؤمنوا في يوم من الايام بحق الكورد في العيش كقومية كوردية الى جانبهم او بجوارهم , وبالتأكيد قد تكون هذه السياسة هي ديدن كل دول الجوار التي تحكم الاراضي الكوردية , ولكن التعامل مع الشعب العربي الذي يشارك الكورد في سذاجتهم ونواياهم قد يكون افضل من التعامل مع حكومات وشعوب لا تريد الخير لاي قومية أخرى .
وهكذا اصبحت القوى الكوردية بين أمرين احلاهما مر علقم , فهي من جهة لاتتمكن من رد الجيش التركي لعدم توفر امكانيات المجابهة وخوفا من رد الفعل التركي الذي قد يسبب انهيار حكمها , ومن جهة اخرى فان عدم الرد يحرجها بشكل يومي امام شعبها الذي قد يلجأ الى اختيار بديل آخر .
وقد تتصور القوى الكوردية ان شعب الاقليم اضعف من ان ينتفض على حكومته لجملة اعتبارات , قد يكون احد هذه الاسباب هو نفسه الذي سيدفعه الى العودة الى الحكومة المركزية وطلب مساعدتها , حيث لن تتوانى بغداد من قبول هذا العرض برحابة صدر , وليس بعيدا عن ناظري مسؤولي حكومة الاقليم ارتفاع الاصوات التي نادت بالعودة الى الحكومة المركزية في حل مسألة الرواتب التي تفاقمت في الفترات الماضية , فما بال هذه القوى الكوردية اذا كان الامر يتعلق بوجود الشعب الكوردي وكيانه امام جبروت وعنجهية العدو التركي . تركيا التي تتذرع بالدفاع عن تركمان العراق بحيث يمكن ان تلجأ الى تكوين كيان في شمال العراق اشبه بجمهوررية قبرص الشمالية .
وهناك تصور آخر لدى القوى الكوردية وهو ان المعادلة السياسية بين ايران وتركيا في تقاسم المصالح داخل العراق يمنع تركيا من التغلغل بصورة اكبر واوسع من اقامة بعض القواعد هنا او هناك فقط, وانها اي الاحزاب الكوردية طالما حافظت على التوازنات فيما بينها ولم تخل بين مناطق النفوذ الايراني ومناطق النفوذ التركي فهي في مأمن من غضبهم , ولكن اتفاقية سنجار اثبتت ان المنافسة التركية الايرانية قد تؤدي الى انهيار كوردستان بصورة كاملة , فبمجرد ان اعلنت تركيا نيتها اجتياح سنجار , ارسلت ايران انذارا لها عبر قصف معسكر القاعدة التركية في بعشيقة كما سارعت ومدت اذرعها الى منطقة سنجار واقتلعتها من بين اسنان تركيا , فلم يعد بامكان تركيا حتى من قصفها كما كانت تفعل قبل الاتفاقية , ولتعويض خسارتها استعجلت تركيا واقامت قاعدة للجيش التركي في كيستة حتى دون اعلام اصدقاؤها في اربيل وبدت وكأنها تستهين بحكومة بغداد ايضا لكونها لم تنفذ اتفاقية سنجار حسب البنود التي اعلمت بها الحكومة التركية, وهكذا تتحرك تركيا في المنطقة التي يسيطر عليها الحزب المنضوي تحت جناحها , بينما تتحرك ايران في المناطق التابعة للحشد الشعبي وللاحزاب الكوردية المنضوية تحت جناحها , ومع ذلك اثبت تاريخ العلاقات بين البلدين ان المساومة بينهما تزداد بصورة اكبر وان الغلبة تكون للاقوى حين تكون هذه الدولة او تلك اقوى من جارتها وستكون حكومة الاقليم حينها كبش الفداء.
وواقع الامر الحالي هو رغبة التحالف الدولي في بقاء كوردستان كحجر عثرة امام التمدد الايراني في العراق والمنطقة ولكبح جماح تركيا التي بدأت اولى خطواتها في تزعم العالم الاسلامي وتكوين دولة جديدة على غرار الخلافة العثمانية لكي يكون قطبا اسلاميا في مواجهة القوى العالمية الاخرى , وكذلك ابقاء العراق ضمن دائرة التحالف الدولي بتهديده في كل مرة بالعودة الى تشجيع استقلال كوردستان عند رغبته بالخروج من تحت عباءة هذا التحالف , ولكن هذا التحالف لن يستمر في دعم الاقليم على حساب مصالحه الاخرى عندما تتوائم مع سلطات كل من ايران وتركيا والعراق الا اذا اثبتت القوى الكوردية انها حجر الشطرنج الافضل من هذه البلدان الثلاثة . والخيارات المتاحة امام هذه الاحزاب والقوى الكوردية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعلاقة مع شعبها بصورة رئيسية للابقاء على دعم التحالف الدولي الذي انما انشأ المنطقة الامنة لحماية الشعب الكوردستاني وليس للدفاع عن الاحزاب الكوردية , فلابد لهذه الاحزاب ان تثبت انها جزء من هذا الشعب وان قوتها بقوة هذا الشعب وانها ستفقد كل سلطاتها وسلطانها عندما يشعر المواطن انها لا تتمكن من الدفاع عنه ضد مدافع وطائرات كل من ايران وتركيا .