المراقبون لما يجري في بغداد الان ، يطلقون احينا احكاما تبعا لاهوائهم ومواقفهم من هذا الطرف او ذاك، وقليل جدا اولئك الذين ينظرون من بعيد ولكامل الصورة وابعادها، معنيين بحركة الجماهير الساعية للقبض على مفتاح التغيير وازالة الادران والطفيليات التي ترتوي من دماء الشعب وقوته، وماحدث يوم الجمعة حين عبر المتظاهرون القاصدون للاعتصام في ابواب المنطقة الغبراء جسر الجمهورية وكسروا حاجز القوى الامنية التي حرصت الحكومة على وضعه لتخويف الناس ومنعهم من الاقتراب منه، يعني الكثير جدا ويشكل حركة جديدة من حركات الحراك الاجتماعي والسياسي في العراق، ومهما حاول المناهضون للتيار الصدري من تقليل اهمية الحدث وسبغه بصفات تتعلق بطبيعة الصراع القائم بين الصدر وشركائه في السلطة، فانهم لن يستطيعوا الغاء دور الجماهير واسباب حراكها، وتعطشها لكسر حاجز الخوف الذي رافق احتجاجاتها المناهضة للفساد والجوع والظلم ، واذا كان للصدر اهدافا قد لا تتماشى مع اهداف عموم الشعب وفئاته المظلومة، الا انه شكل لها سببا ودافعا مهما في كسر الخوف وتجاوز بنادق القوى الامنية المحددة لتحركاتهم، مستندين الى عدد اتباعه وثقلهم، في الاقل بتحييد دور العصابات والميليشيات الاخرى من الاقتراب اليهم وضربهم وتحطيم عزيمتهم، ومع ايماننا التام ان الصدر لن يحقق الاهداف التي يريدها الشعب ، وان النتيجة في النهاية ستكون ترضيات وصفقات سيكون الشعب هو الوحيد الخاسر فيها وسيكون للفاسدين جولة اخرى قد تطول لاشهر قبل ان يكتشف الجمهور انهم خدعوا وان ماحصل هو تخدير لاغير ، الا ان هناك خطوة قد اتخذت وردود افعال قد سجلت، فالخطوة التي اتخذت هي ان الناس جربت عبور حواجز الخوف وتقدمت الى اماكن كان من الصعب عليها وصولها وكانت لو حاولت سابقا لسقط الكثير ضحايا برصاص الميليشيات وعصابات الاحزاب، اما ردود الفعل التي سجلت فهي موقف رجال القوى الامنية الحكومية التي اثبتت انها جزء من الشعب وتعاني مثل ما يعاني ولا يمكن ان تكون يوما اداة بيد الفاسدين والظالمين لارهاب الناس واضطهادهم، وهذا الموقف سيكون حتما عنوانا لماهو قادم، فلن يتمكن بعد الان اي قائد عسكري او امني من اتخاذ قرار ضرب الجماهير حتى وان عبرت اسوار المنطقة الغبراء، وان الذي سيعطي مثل هذه الاوامر هم رجال عصابات الاحزاب او قادة الميليشيات او بعض ضباط الدمج الذين تسلقوا خلسة مراكز عليا في القيادات الامنية..
اذن فان ما تحقق بعبور الجماهير الحواجز الامنية والاقتراب حد التماس من اسوار الغبراء هو بحد ذاته خطوة جبارة وعملا عظيما وهدفا يتناسب تماما ومستوى الحراك الجماهيري المتردد والخجول والذي كان غير قادر الا على التجمع لساعات كل جمعة في ساحة التحرير، فقد كانت عيون الثوار تنظر الى جسر الجمهورية ولكن اقدامهم متعثرة ومقيدة في ساحة التحرير، واعطى هذا العبور الامل للفقراء والمظلومين في انهم قادرون على الوصول الى اهدافهم وان هذه البنادق الموجهة نحوهم سوف لن تطلق الرصاص
باتجاهم بل ربما ستكون عونا لهم في لحظة يشعر فيها الجميع ان نصر الشعب قد اصبح قاب قوسين او ادنى..
وعلينا ان نؤمن ان الاخفاق الذي سيحصل بعد مهلة الصدر والصفقات التي ستعقد والتي ستؤخر الثورة الى اشهر معدودات هو ليس النهاية بل هو مرحلة مهمة من مراحل الثورة، فمن خلال ما سيحدث ستكتشف الجماهير ان الوثوق بمن ساهموا بشكل او باخر بنهب البلاد واستباحت كرامتها ونشر الجريمة فيها لن يحقق لها ماترجوه وانه انما وسيلة لتبييض الوجوه وتخدير الجماهير واعطاء فسحة من الوقت للفاسدين الظالمين كي يلملوا اوراقهم ويهيئوا انفسهم لما هو قادم..
ومع ان نتائج الاخفاق والفشل ليست حميدة واحيانا تكون كارثية حين يكبر الاحساس بالياس ويتسع ليشمل شرائح كثيرة اهمهما شريحة الثوار الاحرار المؤمنين بالوطن وليس باشخاص او رموز دينية، الا ان تجربة عبور حاجز الخوف وهتك ستر الفاسدين واسوارهم تجربة تستحق منا خوضها مهما كانت النتائج وتحت اي عباءة او غطاء، فالمهم هو استمرار التحرك والضغط اللازمين لانضاج الثورة التي مازالت للان لم تستكمل شروطها المهمة في توفر القيادة القادرة على ادارة شؤون الصراع مع السلطة وداعميها، والتي ايضا لم تتمكن رغم شرعيتها من جذب الجماهير الواسعة وتوحيد صفوفها وتنسيق خطواتها، وازالة عوامل الخوف والرهبة من تسلط الميليشيات واجرامها بحق الثائرين والمواطنين بشكل عام..
[email protected]