22 ديسمبر، 2024 4:39 م

اوقفني …جبل الفولاذ/الثانية

اوقفني …جبل الفولاذ/الثانية

اجابني بنبرة حادة:
ذلك لا يعنيني ….قلت لك قدَّم مستمسكاتك….وإلا….
شعرت بخوف شديد لم اشعر به خلال سني حياتي الماضية ,لذا ودون ارادة مني نطقت شفاهي كلمات ما كنت ادرك انني يمكن ان اجعلها طريقا للخروج من هذا المأزق إذ تدفقت الكلمات التي تضمنت عبارات هي …
آه…آه…يا صديقي لقد كنت طفلا ابحث عن الحرية ,طفل في السابعة حين مضيت بعيدا عن بيتي العائلي انا واخي …
رايته يصغي اليَّ باهتمام …لذا تشجعت وواصلت حديثي:
اجل …أجل يا صديقي لقد كنت في السابعة من العمر واخي في السادسة ,مضينا بعيدا بمسافة تعتبر بعيدة بالنسبة لأطفال مثلنا متتبعين حلقات من مجاميع أخرى صبية وأطفال حيث قيل ان هناك قرب النهر العاب تقام في مناسبة سعيدة لأحد البيوتات المعروفة ,وفعلا مضينا وكان مشهد أخذ بمجامع لبي إذ شهدت جمال النهر والمياه المتدفقة فأخذني ذلك المشهد بعيدا عن المشاركة في تلك الالعاب .
اجل رحت اتأمل ذلك الجمال حيث فورة المياه ودورتها حين اسقطت بعض الحصى وتشكلت دوائر مختلفة تلاحق بعضها البعض بينما كان مشهد اخر بعيد عني نسبيا هو سباحة بعض الخيول في النهر وكان ذلك اول عهدي بتلك المشاهدة وبدت لي تلك الخيول رشيقة وجميلة فبت مشدوها لتلك المشاهدات ولذا لم استجب لدعوة اخي بالرجوع الى المنزل بل الحق اقول انني لم انتبه له وهو يبتعد عني عائدا الى البيت بمفرده وما لبثت ان سمعت صوته مناديا (يا…) رحت اتلفت لكنني لم ار اخي بل ولم المح اي احد آخر فعدت اتأمل ذلك الجمال لكن الصوت عاد من جديد فهرعت راكضا باحثا عنه حتى لاح لي رأسه الصغير مرفوعا من احدى الحفر القريبة من النهر واصابع يده متمسكة بظاهر ارض الحفرة فأسرعت صارخا ومددت له يدي محاولا اخراجه وقد ازداد وجيب قلبي خوفا وهلعا وعلى صراخي وبعناية من الله تعالى تنبه لي الاخرون فتجمع حولي الاطفال والصبية يعينونني على اخراجه متمسكين به بشدة وحين اشتد الامر ركض الينا احد الرجال ورفع اخي من الحفرة ووضعه على الارض وانا اكاد اموت خوفا وهلعا حرصا على حياة اخي العزيز.
اه يا صديقي بعد كل تلك السنوات لم انسى ما حييت ذلك المشهد
التمعت عينا جبل الفولاذ بان عليه سيما الفرح لنجاة اخي من ذلك الخطب الذي كاد ان يودي بحياته مما شجعني على ان اواصل حديثي فقلت:
لم استطع ان اتحدث الى ذلك الرجل سوى ان قلت …
شكرا عمو …شكرا لإنقاذك اخي بينما كان اخي يرتجف
ابتسم وقال كأنه يلومني على اهمالي رعاية أخي لكن حين وجد نظرة الخوف والطفولة ابتسم بهدوء قائلا:-
الحمد لله …قدر ولطف…الحمد لله إذ لم يصب اخوك بسوء ومسح بيده الكريمة على شعر أخي وأضاف مخاطبا له:
انك شجاع حيث استطعت التمسك بقوة بظاهر الارض وإلا ….
بدى لي انه لم يشأ ان يكمل العبارة لكنني دفعته لإكمال عبارته من خلال استيضاحه مرددا كلمته الاخيرة
– وإلا ماذا…؟
– لقد كانت ارادة الحياة عند اخيك قوية بحمد الله تعالى وإلا لكان في عداد الموتى إذ كان يمكن ان يهلك غرقا لا سمح الله لأن هذه الحفرة تؤدي الى النهر واخوك صغير ولا يحسن السباحة ولا يستطيع الخروج من النهر حيا.
شعرت بمزيد من الخوف وفي سري حمدت الله وشكرته على سلامة اخي الذي كان يرتجف خوفا وهلعا وبردا ونظرت الى ملابسه وقد غطتها بقع الطين والماء فأمسكت بيده مقررا الرجوع الى المنزل لكني اجلت العودة حين رأيت ان الاخرين ماضين برفقة الرجل الذي انقذ اخي الى باب سور أحد البساتين التي امتدت قبال تلك الحفرة فمضيت معهم وحين طرق الباب لم يجبه احد وبعد تواصل الطرق خرج اليه احدهم وسأله بنبرة حادة عما يريد فأجابه:-
اريد بعض الاخشاب يمكن جعلها غطاء لتلك الحفرة
وكانت دهشتنا عظيمة حين رفض ذلك البستاني اعطاء اي خشبة او حتى سعفة من سعف النخيل .
هنا ثارت ثائرة الرجل الشهم وأخبر البستاني بأن ذلك مسؤولية كبيرة إذ كاد طفل أن يفقد حياته بسبب تلك الحفرة التي يسقي بستانه من خلالها ولم يكلف نفسه واجب تغطيتها وأضاف موضحا:-
ان لطَّف الله بهذا الطفل اليوم وتنبهنا له ,ربما سيسقط آخرون دون ان يعلم بهم ويفقدوا بهذا حياتهم وتكون انت مسؤولا عن ذلك في الدنيا والآخرة.