18 ديسمبر، 2024 7:45 م

يتحرّك العالم السياسي على ايقاع التوازن بين الدول او مجموعة منها ، فيُضبَط ايقاع الحياة السياسية للشعوب بناء على مصالحها الاستراتيجية أو توازن القوى للمحافظة على ميزان القوة بين مجموعة من الدول ، بحيث لا يُسمح لدولة او مجموعة من الدول بالانفراد بالهيمنة ، وعادة ما يكون السلبي منها هو تحقيقها الفعلي على ارض الواقع فتبقى ورقة الصراع هي الابرز بين القوى اذا ما تركنا عقلية المؤامرة بان الصراع يخدم مصالح الاطراف جميعها وبالإضافة الى ذلك وجود نظرية اخرى وهي (توازن تدخلات الدول ) وهذا يعتمد على سلوك وتدخلات الدول مع تكتلات سياسية داخلية وهي من اهم الادوات التي تحمي المصالح الخارجية ، من اوضح الواضحات ان العراق هو جزء من هذه الايقاعات الدولية التي جعلت منه ساحة للصراع والمصالح والتخادم بين الاطراف ، فضبط اتجاه البوصلة السياسية في العراق بعد عزل الاتجاه الاجتماعي الديني الصاعد والمتصاعد بيانيا “التيار الصدري” وفق المصالح العامة الخارجية ، فقد تحتّم على عوامل التأثير ان يبقى البديل السياسي هو مجموعة من الاحزاب الخاسرة والمعزولة جماهيريا في سيطرتها واعادة تموضعها وترتيب اوراقها بعد الهزات الارتدادية التي حطّمت اركانها وتسببت بافلاسها على المستوى القيمي والاجتماعي والتأثير الاقليمي ، ولكن المفارقة انها قائمة برعاية خارجية تحت ظل قوتين متنافرتين سياسيا وعقائديا كما يبدو ، ولكن الغريب ان هذه القوى السياسية في العراق لها القدرة على التلون وتطويع مفاهيمها وشعاراتها ومواقفها حسب ما يُملى عليها من الخارج بمشهد معقد فوسائل الاعلام ومذكراتهم تعجّ بهذه المواقف المتلونة في كل موسم !!!
جاءت حكومة السوداني والتعويل عليها من رحم هذه الهزّات ليتعلق بها حبل مشيمة التكتل الاطاري ليبني آماله العريضة على نتيجتين مهمتين :
1- اعادة تموضع وترتيب اوراقهم السياسية من خلال عباءة السوداني وما يقدمهُ لهم من مساحة واسعة للعمل والتدخل الاقتصادي والسيطرة على مفاصل مهمة وخاصة بعد اعلان افلاس اي مشروع سياسي او برنامج سياسي واضح سواء المنافسة والهيمنة على اكبر قدر من مفاصل الدولة التي تعتبر مصدر الريع الاقتصادي للمحافظة على التشكيلات والتنظيمات الحزبية .
2- وضع السوداني ودائرته الحكومية بالمواجهة امام اي فشل حكومي او ردة فعل شعبي وسهولة التنصُّل عن دعمه والتخلي عنه ، فأنه لا يمتلك عمقا جماهيريا ولا وجود حزبي تحت قبة البرلمان ، استشعرت الاوساط السياسية ان جدلية نور زهير مع كبار الاحزاب كما يسميهم احد مستشاري السوداني بـــ” الكهنة” لا تنتهي هذه الازمة الا بالتصفيات السياسية وما تفرضه التوازنات والتحالفات من تنازلات سياسية قاتلة امام الحكومة فإن القلق السياسي ومتاهة الولاء هو الابرز على الساحة وسط اعصار فساد مالي وحكومي لا مثيل له في هذه الفترة ، بدأ الصراع السياسي يطفو شيئا فشيئا بين فريقين هما فريق السلطة الذي يمثله السوداني ومستشاريه وفريق اطاري قد وجد اللحظة الحاسمة لقلع السكة الحديدة التي انطلق عليها رئيس الحكومة والتي تمثل له مصدر قلق وطموح سياسي نتيجته الندامة .
ولذا فإن ملف ” التجسس” وزيادة رقعته وكثرة ملفاته وتشابكها ، كان بديلا عن ملف نور زهير ومعولا فعالا لهدم قلعة السوداني وتحويلها الى خربة تعود ملكيتها الى الاطار التنسيقي فهذه الاوزان السياسية القائمة اليوم في مهب رياح الملفات واختلاف المصالح والخوف من الايام القادمة او بإنتظار شتاء الساخن في قصور الخضراء التي انكشفت خصوصيتها للجميع.