–تتواصل الاتهامات يومًا بعد يوم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالسيطرة على مؤسسات الدولة، ووضع مخطط للسيطرة على خزانة الدولة بعد أن ربط القضاء والأمن والمخابرات والبيروقراطية والسياسة في تركيا بشخصه، وتسليم مفتاح الاقتصاد لصهره ومستشارَيه بالقصر الأبيض في أنقرة مما ادى الى أعلن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مبكرة في 24 يونيو/ حزيران 2018، بعد إجراء اجتماع مع قائد “الحركة القومية”، بالتزامن مع مرور عام على إجراء الاستفتاء الدستوري في تركيا، وفي خطوة مبكرة اقترح رئيس حزب الحركة القومية المعارض “دولت بهشتلي”، والمتحالف مع حزب “العدالة والتنمية” لخوض الانتخابات المقبلة في إطار تحالف انتخابي واحد، يوم الثلاثاء الموافق 17 أبريل/ نيسان 2018، بتقديم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى 26 أغسطس/ آب 2018، بدلاً من 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
والجدير بالذكر؛ ’’يعد “دولت بهشتلي” رئيس ثاني أكبر الأحزاب التركية المعارضة، الذي أعلن دعمه المطلق للرئيس التركي “رجب أردوغان” في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما إنه دعا لإجراء انتخابات مبكرة في 2002، ثم كان مقترحًا لتحويل أنقرة من نظام برلماني إلى رئاسي
من غير المقرر رسمياً إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية المقبلة قبل تشرين الثاني/نوفمبر 2019. ولكن في 8 كانون الثاني/يناير، أعلن زعيم «حزب الحركة القومية» دولت بهتشلي أن معسكره المعارض سيدعم رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة دون أي قيد أو شرط. ويأتي ذلك التعهد المهم في الوقت الذي تشير فيه نتائج الانتخابات الأخيرة إلى أن «حزب العدالة والتنمية» الذي يترأسه أردوغان غير قادر على الفوز بـ 50 في المائة من الأصوات في الانتخابات الوطنية وما زال يحتاج إلى حزب ثانٍ لتأمين حصوله على أغلبية برلمانية حقيقية. وإلى جانب التطورات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية الأخرى، يشير توقيت إعلان بهتشلي، الذي يبدو أنه سابق لأوانه، إلى أن قرار إجراء الانتخابات المفاجئة [العاجلة] قد يلوح في الأفق.
وإذا كان الأمر كذلك، من المرجح أن يسرع أردوغان إلى توطيد سلطته في الداخل، مما يعرض الديمقراطية التركية لخطر أكبر. ويمكن لواشنطن أيضاً أن تتوقع منه أن يتشبث بالسياسات الكردية قبل التصويت في الوقت الذي يتحالف فيه مع «حزب الحركة القومية» التركي، مما قد يؤثر على الشراكة بين الولايات المتحدة و«وحدات حماية الشعب» الكردية السورية في المستقبل القريب. لكن فور انتهاء الانتخابات العاجلة، من المفترض أن يتمتع بحرية أكبر للمناورة بشأن هذا الموضوع وغيره من القضايا القومية الساخنة.
لماذا يحث أردوغان على إجراء انتخابات مبكرة؟
من المقرر إجراء الانتخابات المحلية المقبلة في آذار/مارس 2019، أي قبل ثمانية أشهر من الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة. وعند التصويت في الانتخابات المحلية، يميل الأتراك إلى إيلاء قدر أكبر من الاهتمام إلى الشخصيات المحلية بدلاً من المنابر الحزبية الوطنية، لذلك غالباً ما يكون أداء الأحزاب الحاكمة ضعيفاً مقارنةً بأدائها في الانتخابات البرلمانية. فعلى سبيل المثال، حصل «حزب العدالة والتنمية» على 38.3 في المائة من الأصوات في الانتخابات المحلية عام 2009، مقابل 49.8 في المائة في الانتخابات البرلمانية عام 2011. لذلك قد يرغب أردوغان في إنقاذ حزبه من نكسة مماثلة في الجولة المقبلة.
وتتمثل إحدى الوسائل لتحقيق ذلك في إجراء الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية معاً في الشهر نفسه من العام المقبل. لكن قد يقرر أردوغان بدلاً من ذلك إجراء بعض هذه الانتخابات أو جميعها في وقت أبكَر بكثير استناداً إلى مجموعة من الدوافع المحلية والخارجية الأخرى وهي:
النمو الاقتصادي القوي: على الرغم من أن محاولة الانقلاب التي وقعت في تموز/يوليو 2016 وحالة الطوارئ التي تلت ذلك قد أضرت بسجل أردوغان الطويل من ناحية الازدهار المتزايد في تركيا، إلّا أنّ الأرقام لعام 2017 تشير إلى أن الاقتصاد قد نما أسرع بكثير مما كان متوقعاً، حيث كان مدفوعاً إلى حد كبير بالاستهلاك القائم على الائتمان والصادرات ومشاريع البنية التحتية الحكومية. وبحلول نهاية العام، ارتفع معدل النمو إلى 7 في المائة، أي إلى أعلى مستوى له منذ عام 2011. وقد يتطلع أردوغان إلى التمتع بهذه الفترة الاقتصادية القوية طالما تستمر عبر إجراء انتخابات هذا العام بدلاً من العام المقبل، مما يسمح له ولمرشحين آخرين من «حزب العدالة والتنمية» بأخذ الفضل لهم بهذا المشهد المالي المزدهر في الحملة الانتخابية، وربما إقناع بعض الناخبين بالتغاضي عن قضايا أخرى مثيرة للقلق.
نظام جديد ودي لرصد الانتخابات: أجرت تركيا انتخابات حرة ونزيهة منذ عام 1950، ولعبت لجان رصد الانتخابات دوراً هاماً في هذا الصدد من خلال مراقبة الأصوات وفرزها. وقد جرت العادة بأن يُعيّن أعضاء كل حزب مشارك في الانتخابات هذه اللجان، مما أدى إلى الحفاظ على التوازن بين بعضهم البعض وإلى ضمان الشفافية. غير أن «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» دفعا بنجاح في العام الماضي من أجل تغيير قانون الانتخابات في تركيا من خلال السماح للحكومة بتعيين معظم المراقبين. وبالنظر إلى التركيبة الحالية للحكومة، سيسمح هذا البند لـ «حزب العدالة والتنمية» (وبالتالي لأردوغان) باختيار اللجان القادمة، حيث قد يمكنه أن يقرر استغلال الوضع من خلال إجراء انتخابات مبكرة.
عندما حصل أردوغان على تصويت مؤيد في استفتاء تركيا في نيسان/أبريل 2017 – الذي سيسمح له، من بين أمور أخرى، بتولي صلاحيات رئاسية على غرار السلطة التنفيذية في أعقاب الانتخابات الوطنية المقبلة – حقق ذلك بأغلبيةً ضئيلة بلغت 51 في المائة. وفي ذلك الوقت، أُثيرت ادعاءات واسعة النطاق حول تزوير الانتخابات. وبينما رفضها «حزب العدالة والتنمية»، بقيت الشكوك تساور العديد من الأتراك. وسيؤدي التغيير في سياسات اللجنة إلى جعل الرقابة الانتخابية أكثر صعوبةً بالنسبة للأحزاب المعارضة، مما قد يعطي أردوغان الحائل القانوني الذي يحتاجه لضمان تحقيق نصراً “نظيفاً” إذا كانت [نتائج] الانتخابات المقبلة قريبة مثل استفتاء عام 2017.
قضية القدس: على الرغم من أن أردوغان بذل قصارى جهده لإقامة علاقة جيدة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، إلا أنه سرعان ما انتقد قرار الرئيس ترامب في كانون الأول/ديسمبر المنصرم القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل. وبعد أن أعلن أن وضع المدينة “خط أحمر للمسلمين”، قاد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 18 كانون الأول/ديسمبر الذي يدين الرئيس ترامب والولايات المتحدة.
ونظراً لصمت أردوغان النسبي على السياسات الإقليمية الأخرى للإدارة الأمريكية (على سبيل المثال، الحظْر الذي فُرض العام الماضي على المهاجرين والزوار من بعض البلدان ذات الأغلبية المسلمة)، فقد يكون رد فعله الشديد على قضية القدس مجرد حيلة لتحفيز القاعدة المحافظة لـ «حزب العدالة والتنمية» قبل الانتخابات المبكرة. وكان أردوغان قد تولى مقاليد الحكم أولاً من خلال الدفاع عن المظالم الإسلامية المحافظة والسياسية ضد النظام السياسي العلماني. وقد استولت هاتان الفئتان، اللتان وُصِمتا وتم التمييز ضدهما سابقاً، على نفوذ السلطة في ظل حكم أردوغان وفككتا بعزم النظام العلماني. ونتيجةً لذلك، هناك عدد قليل من المظالم المتبقية، وهي كبيرة بما يكفي لحشد قاعدة «حزب العدالة والتنمية»، وترك أردوغان يلفق مظالم جديدة نوعاً ما.
وبالفعل، بذلت وسائل الإعلام المؤيدة لأردوغان جهوداً كبيرة لإظهار أن قرار ترامب حول القدس هو ظلم ضد جميع المسلمين، ولا سيما الأتراك. ففي الأول من كانون الثاني/يناير، نشرت صحيفة “ديلي صباح” مقالاً رئيسياً بعنوان “قرار القدس اختباراً للقادة المسلمين ونهاية آمال السلام”. وباختصار، يبدو أن أردوغان على استعداد لتبادل الركود على المدى القصير في علاقاته مع ترامب مقابل التقدم بصورة متعثرة بين الناخبين المحافظين الذين قد يدفعونه إلى الفوز الحاسم إذا أُجرِيَت الانتخابات في وقت مبكر.
المنافسون الجدد في جناح اليمين: من الناحية السياسية، تعتبر تركيا دولةً يمينيةً، حيث أنه منذ الانتخابات الأولى المتعددة الأحزاب في البلاد عام 1950 لم يتولى اليسار الحكم سوى لمدة ضئيلة دامت سبعة عشر شهراً. وقد كان «حزب العدالة والتنمية» الحزب اليميني المهيمن على مدى سنوات، وقد أعلن الفصيل اليميني التقليدي الآخر، أي «حزب الحركة القومية»، عن نيته دعم أردوغان في الانتخابات المقبلة.
ومع ذلك، يواجه الرئيس التركي تحدياً جديداً من اليمين عن طريق حزب «إيي» أي «الحزب الجيد». فقد تركت ميرال أكشنار مؤخراً ، وهي التي كانت تشغل سابقاً منصب وزير الداخلية ونائب رئيس البرلمان، تركت «حزب الحركة القومية» من أجل تأسيس «الحزب الجيد» كحركة وسطية تميل إلى اليمين. ومن خلال استهدافها للجناح الأيمن لأردوغان، تشكل تهديداً كبيراً له، أكبر مما يمكن أن تشكله الأحزاب اليسارية. وبينما تُظهر استطلاعات الرأي أن «الحزب الجيد» يحظى بتأييد حوالى 10 في المائة من الناخبين، يدرك أردوغان جيداً أنه كلما حظيت أكشنار بوقت أكثر لبناء قاعدتها، كلما زاد احتمال أن تكون قادرةً على إثبات نفسها كبديل يميني مذهل وأن تنتزع بعض ناخبي «حزب العدالة والتنمية». ويمكن للانتخابات العاجلة أن تساعده على كبح هذه المُنافِسة الجديدة في مهدها وعلى منع «الحزب الجيد» من الوصول إلى عتبة الـ 10 في المائة الانتخابية المطلوبة لدخول البرلمان.
آليات الدعوة لإجراء انتخابات العاجلة
هناك سوابق كثيرة للانتخابات المبكرة في تركيا. فقد أُجْريت أكثر من مرة واحدة في التسعينيات، ودعا أردوغان نفسه أيضاً إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة عام 2011 من أجل استغلال الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد في ذلك الوقت.
وقد نصت التغييرات الدستورية التي تقررت في نيسان/أبريل 2017 على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في الوقت نفسه، وبإمكان البرلمان أو الرئيس أن يدعو الآن إلى إجراء انتخابات مبكرة (على الرغم من أن إجراء انتخابات محلية مبكرة يتطلب تعديل المادة 127 من الدستور). فعلى سبيل المثال، يمكن للبرلمان أن يقدم تاريخ انتخابات وطنية بأغلبية مؤهلة من 330 عضو من أصل 550 عضو في المجلس التشريعي – الأمر الذي يشكل عقبةً سهلة نظراً لامتلاك «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» ما مجموعه 352 مقعداً. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع أردوغان بالسلطة للدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة بنفسه، لكنه قد يفضل اتخاذ الطريق البرلماني من أجل المظاهر.
وإذا دعا البرلمان إلى إجراء انتخابات مبكرة، فسيتعين على المشرعين أن يتفقوا على موعد جديد. أما إذا اتخذ أردوغان القرار، فستجرى الانتخابات تلقائياً في أول يوم أحد بعد ستين يوماً من إعلان الرئيس. وفي كلتا الحالتين، تعني الانتخابات العاجلة الانتقال المبكر إلى النظام الرئاسي التنفيذي الجديد في تركيا – وبذلك يشكل سبباً رئيسياً آخر وراء رغبة أردوغان في تقديم الانتخابات.
التداعيات على العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا
إذا دعت أنقرة إلى إجراء انتخابات مبكرة، فإن موقف تركيا من تعاون الولايات المتحدة مع «وحدات حماية الشعب» سيتصلب من دون شك، وذلك من أجل إرضاء القاعدة القومية التركية لـ «حزب الحركة القومية» ومنع أكشنار من اجتذاب الناخبين من «حزب العدالة والتنمية». وتبلغ نسبة أصوات «حزب الحركة القومية» حالياً حوالي 9 في المائة، أي أقل بقليل من العتبة البرلمانية البالغة 10 في المائة، لذلك من المنطقي للطرفين أن تقوم شراكة مع «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات المبكرة. وكما ذُكر سابقاً، سيستعيد أردوغان حريته في المناورة بشأن قضية «وحدات حماية الشعب» بعد الانتخابات. فقد استغل سابقاً العديد من الحلفاء وأهملهم أيضاً، بما في ذلك الليبراليين والأكراد القوميين وحركة غولن. لذلك، لن يكون لديه أي مخاوف بشأن التخلي عن فصيل بهتشلي بعد فوزه بالسيطرة الكاملة على البلاد، وخاصةً إذا كان ذلك يعني بناء علاقات أفضل مع الولايات المتحدة.
أثار هذا المقترح جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية الحزبية، حيث أعلن سابقًا الرئيس التركي وزعيم الحزب الحاكم “رجب طيب أردوغان” أن التعديلات التي أسفرت عن الاستفتاء الأخير في 16 أبريل/ نيسان 2017 ستطبق بالكامل في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي بموجبها سيتحول النظام السياسي التركي من برلماني إلى رئاسي، مانحًا الرئيس “أردوغان” سلطات سياسية وتنفيذية أوسع. فيما أشار نائبه “بكر بوزداج” أن المؤسسات الرسمية ستقيم هذه الدعوة وسيعقب ذلك ببيان بهذا الشأن.
في حين علق نائب رئيس حزب “الشعب الجمهوري” “بولنت تيزجان” أبرز أحزاب المعارضة على فكرة تقديم موعد الانتخابات؛ بإنهم جاهزون لهذا التحدي، حيث تعاني أنقرة من العديد من التحديات اقتصادية وسياسة، تعجز الحكومة الحالية عن إداراتها بكفاءة وفعالية للخروج من وطئته في حين أعرب حزب “الشعب الجمهوري” أكبر أحزاب المعارضة عن استعداده لخوض هذه الانتخابات، وقبوله التحدي.
على الصعيد السياسي: ترجع أسباب التعجيل بإجراء الانتخابات المبكرة وأن كانت في ظاهرها دعوة فردية من قبل أحد قادة الأحزاب إلا إنها تتزامن مع الوضع الحرج الذي تشهده البلاد إبان الانقلاب العسكري وما تبعه من تراجع الاستقرار السياسي رغم إحكام الحكومة قبضتها الأمنية على الأوضاع. بجانب انتشار الجيش خارج حدود أراضيه للقيام بعمليات عسكرية في سوريا والعراق جاءت أخرهم في مدينة “عفرين” .
على الصعيد الاقتصادي: تدهور الأوضاع الاقتصادية؛ حيث يتعرض الاقتصاد التركي لسلسلة من الأزمات رغم الإجراءات الاستباقية التي قامت بها الحكومة الحالية، نبعت هذه الأزمات من العجز في التجارة الخارجية، وميزان المعاملات الجارية. فقد تراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى ما قيمته 511 مليون دولار، خلال فبراير/ شباط الماضي وفقًا لمؤشرات البنك المركزي ، علاوة على هروب رؤوس الأموال الأجنبية بما قيمته 779 مليون دولار . بينما بلغ حجم الصادرات 2.5 مليار دولار ، ارتفع حجم الواردات إلى 9 مليار دولار، وذلك في الربع الأول من العام الجاري. فيما غادر ما يقرب من 70 علامة تجارية عالمية خلال 3 أعوام الماضية. الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على قيمة الليرة التركية. جاء ذلك نتيجة فرض حالة الطوارئ الذي افسد بيئة الاستثمار ، بجانب حالة عدم الاستقرار الأمني
على الصعيد الخارجي: يحاول “أردوغان” استعادة شرعيته داخليًا، مستغلاً انتصاراته الخارجية، وتقدمه كفاعل مؤثر في العديد من الملفات الإقليمية المثارة. بالتزامن مع توطيد حكمه داخليًا للانطلاق أكثر بدون قيود، وتحقيق أطماعه التوسعية والنابعة من استعادة أمجاد الدولة العثمانية. علاوة على تحركها وفقًا لفكرة العمق الاستراتيجي باعتبار أنقرة دولة مركزية يمكنها التحرك في اكثر من إطار باعتبارها جزء من آسيا، والشرق الأوسط، والعالم الإسلامي. وهو بالفعل ما أكده “أردوغان” في بداية العام الحالي، موضحًا أن ضمان مستقبل أنقرة مرهونًا بحل مشاكل المنطقة.
هيمنت الانتخابات والتحضير لها على المشهد السياسي الداخلي وذلك بعد الاستفتاء الدستوري. بدأت الحملة الانتخابية بشكل غير رسمي لحزب “العدالة والتنمية” عبر إجراء المؤتمرات على مستوى المناطق والولايات بجانب تغييرات واسعة في قيادات الحزب المحلية، ورؤساء البلديات التابعة للحزب، مع تكوين تحالف بعرف باسم “تحالف الجمهورية” مع حزب “الحركة القومية”.
وعلى الجانب الأخر استمرت عمليات الاعتقال للعسكريين والأكاديميين والمدنيين بتهمة التورط في محاولة الانقلاب التي شهدتها أنقرة في يوليو/ تموز 2018، جاءت أخرها في مارس/ أذار 2018 بإصدار النيابة قرار اعتقال 25 عسكريًا يعملون بالإدارة العامة لقوات الدرك. جاءت قرارات الاعتقال ضمن الحملة الأمنية على 9 مدن تركية مركزها أنقرة. تزامنت هذه الحملة مع التدخل العسكري في “عفرين” التي بدأت في 20 يناير/ كانون الثاني 2018 وذلك لتوجيه رسالة رادعة للمعارضين في صفوف الجيش لهذا التدخل.
في المقابل؛ دعا حزب “الخير” المعارض المنبثق عن حزب “الحركة القومية” أحزاب المعارضة التركية للتصدي لـ”أردوغان” عبر تشكيل تحالف من قبل أحزاب المعارضة يقضي بتقديم كل حزب مرشحه في الجولة الأولى، على أن تقوم كافة أحزاب المعارضة بتدعيم المرشح الذي سيصل في الجولة الأخيرة
”
يواجه التحالف عدد من التحديات التي تقف عائق أمام استمراريته في الحراك السياسي التركي، يرجع ذلك لعدد من العوامل وأهمها مخاوف الحزب الحاكم من خسارة قاعدة ناخبيه من الأكراد في جنوب شرق تركيا. لذا فإن تكلفة التحالف ستكون باهظة نظرًا لأن أصوات الأكراد كانت بالغة التأثير في تمرير التعديلات الدستورية الأخيرة، خاصة مع في إطار رفض المدن الكبيرة هذه التعديلات.
فضلًا عن انخفاض شعبية “الحركة القومية”، وانشقاق بعض أعضاءها مثل “ميرال أكشنار” التي أسست حزب “الخير” المعارض لحكومة “أردوغان” خارج سياق “الحركة القومية”، الأمر الذي دفع “بهشتلي” سابقًا بالمطالبة بتحفيض حجم الحصة المخصصة لدخول الأحزاب”العتبة الانتخابي” إلى البرلمان، إذ يجب أن يحصل كل حزب على 10% من الأصوات للدخول إلى البرلمان، وإلا سيخسر كافة مقاعده
والجدير بالذكر، شكل حزب “الحركة القومية” في الانتخابات البرلمانية في 2015 رابع أكبر كتلة من حيث عدد المقاعد بحصوله على 11.9% من الأصوات(8).
في هذا الحراك السياسي الذي تشهده أنقرة في أعقاب إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة، من المتوقع أن تأثير بشكل كبير على السياسة الداخلية والخارجية حتى في ظل فوز “أردوغان” أو أحد منافسيه. يرجع ذلك تحول النظام إلى رئاسي، بالإضافة إلى الصلاحيات التي مُنحت للرئيس عبر التعديلات الدستورية الأخيرة ، حيث منكته من التحرك بدون قيود على كافة الصعدة وأن كانت هناك رقابة من قبل البرلمان، إلا إنها منح الرئيس الحق في إلغاء منصب رئيس الوزراء، وتعين نائبًا أو أكثر للرئيس، علاوة على التدخل المباشر في عمل القضاء، كما سيكون للرئيس حق فرض حالة الطوارئ قبل عرضه على البرلمان في أعقاب “انتفاضة ضد الوطن”
فعلى المستوى الداخلي؛ من المتوقع أن تستمر حالة الخناق والتضيق على العسكريين، والأكاديميين، وبعض التابعين لحركة “فتح غولن” بحجة تورتهم في محاولة الانقلاب لتكون بمثابة سياسة ردع صامتة في وجه المناهضين للسياسات الداخلية. من المتوقع عدم التوافق الداخلي بين الأتراك حول السياسات المقبلة من قبل “أردوغان” أو أحد زعماء المعارضة نتيجة الاختلاف حول المصالح العامة للدولة، وتنامي حالة السخط العام نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية من قبل الحكومة الحالية. ومن المحتمل استمرار الوضع الاقتصادي الحالي نتيجة عدم الاستقرار ، مع هروب الاستثمارات الأجنبية برغم من وضع الحكومة الحالية حزم من المساعدات لتحفيز الاستثمار، وان كانت في باطنها ما هي إلا مهدئات لحالة الخناق الاقتصادي الحالي.
أما خارجيًا؛ من المتوقع استمرار العمليات العسكرية الخارجية، لتحقيق الأطماع العثمانية في المحيط العربي، عبر إقامة قواعد عسكرية على غرار الصومال وقطر. فضلًا عن دعم الجماعات والتنظيمات المسلحة في الدول العربية لتكون أذرعها الخارجية لتحقيق وتنفيذ مصالحها خارجيًا مثل “الجيش السوري الحر “. وذلك لأن الحرب الدائرة الآن هي حرب بالوكالة كونها غير متماثلة، كما إنها تمثل استنزاف للجيوش الوطنية. من المتوقع التصدي بجراءة وحزم للمشروع الكردي المتنامي على الحدود مع سوريا للحفاظ على سيادة الدولة التركية عبر الحسم العسكري على غرار العملية العسكرية في “عفرين”. وذلك في سياق؛ علاقات استمرار علاقات التنافس مع القوى الإقليمية والدولية على تقسيم النفوذ بما يتوافق مع المصلحة الوطنية التركية التي تجلت في سوريا.
ختامًا؛ يعد إعلان “أردوغان” بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، مؤشرًا على تراجع شعبيته داخليًا، وخوفًا من انفلات زمام الأمور. علاوة على الرغبة في التوسع خارجيًا بدون تطويق من الداخل، وردع من المعارضة الحزبية.