لا شك ان امريكا اكبر قوة مهيمنة وتحكم كل العالم ومستعدة ان تمسح مدن من الارض وتنتهك كرامات شعوب من اجل مصالحها … هذا ليس سلوكها وحدها فقط بل هو سلوك ونهج كل الدول القوية المتغطرسة كبريطانيا وفرنسا وروسيا …. ولكن نحن في العراق لا نبخس حق امريكا ولا ننسى فضلها بانها هي من اطاحت بالنظام البعثي وانهت حقبة من التسلط الدكتاتوري والهيمنة الطائفية بل هي من دعمت خمس حكومات عراقية وقتلت اعداء المكون العراقي الاكبر ومعارضي الديمقراطية كالزرقاوي والمصري وابن لادن …..لكن يعاب على السياسية الامريكية التي اعتمدت في العراق بانها سياسة غبية يكتنفها الغموض والضبابية وعدم الوضوع كما ان اجراءاتها متراخية وغير حاسمة بشان صفحة محاربة داعش حتى وصل الامر بها ان تلقي طائرات امريكية الأسلحة على معسكرات داعش بدلا من القوات العراقية وتخرج بعد ذلك لتدعى أن ما وقع كان خطأ ورغم هذا امريكا كانت تصوغ وتصور نفسها على أنها العدو الرئيسى للتنظيمات الإرهابية وفي الواقع هناك الكثير من الشكوك في كلام وفعل امريكا فهل يعقل اننا نحتاج الى 30 عاما للقضاء على داعش في حين هي باشهر استعادة الكويت من قبضة صدام وباسابيع اسقطته ؟ لهذه الاسباب وغيرها واجهت امريكا انقساما عراقيا سواء في المكونات او الكيانات حول وجودها في المنطقة , فالاكراد بجميع فصائلهم واحزابهم موقفهم ايجابي منها ومن وجودها وكذلك اهل المثلث الغربي فسياسيهم كلامهم مغاير لفعلهم , فحماس العراق التي ادعوا انها تقاتل الامريكان لانهم قوات احتلال قبل سنوات , اليوم اتضح ان 7000 مقاتل منهم يتدربون على يدي القوات الامريكية في عين الاسد , كما ان الحكومة المحلية وشيوخ عشائر الانبار سافروا الى واشنطن والتقوا كبار المسؤولين الامريكان بشان تجهيزهم بالسلاح … الموقف المحير من امريكا ينحصر بالائتلاف العراقي الموحد فطرف منغمس معهم ويؤخذ مشورته ونصيحته منهم كالحكومة المركزية وطرف محايد لا يتودد للامريكان ولا يعاديهم كاتباع المرجعية العليا وطرف مقاوم رافض لوجودهم كالتيار الصدري والعصائب وعلى هذا الاساس اصبحت امريكا في ورطة ومعضلة كيف تتعامل مع هذه الاطراف المتناقضة بتوجهاتها ؟ لذا اليوم بدءت امريكا تدرك الحقيقة انها غير مرحب بوجودها ولا يمكن تحقيق اهدافها رغم انها بذلت الدماء من اجلها , فقد راجعت حساباتها واعلنت عن حالها على لسان رئيسها اوباما بقوله : امريكا تعلمت درسا صعبا في العراق …. ولذا نحن نعتقد ان اوباما يتصرف اليوم بحكمة فحروب امريكا الخاسرة لم تعبد الطرق لكي تصل الى اهدافها وعليه فان اعطاء الضوء الاخضر منها لروسيا ليكون لها دورا في العراق وسوريا هي محاولة الخروج من عنق الزجاجة او خروج غير مهزوم لامريكا على اقل تقدر هكذا يريد اوباما ان يسوق الحالة وعليه يمكن ان نصور علاقة امريكا بالعراق وسوريا اليوم اشبه بعلاقة شاب مع خطيبته في اللحظة الاخيرة يتنازل عنها الى شخص اخر ليتزوجها بعد ان ياس من اخلاصها له رغم تودده وتضحايته من اجلها … روسيا هي الاخرى متشوقة لدخول ساحة الحرب ضد داعش في سوريا اولا والعراق ثانيا لان مصلحة الروس في سوريا تتحدد بحجم تجارة الأسلحة الموردة وفي وجود القاعدة الإستراتيجية البحرية الروسية المتمركزة في طرطوس على ساحل البحر الأبيض المتوسط والتي تستخدمها روسيا لإمداد سفنها الحربية في المحيط الهندي بالوقود والغذاء , فإذا سقط نظام بشار فقدت روسيا هذه الميزة لاسيما ان بريطانيا وأمريكا يسعيان الى إبعادها عن أهم المضايق البحرية في العالم …كذلك روسيا تريد ان تظهر قوتها مقابل قوة وهيمنة امريكا في المنطقة لتعيد امجاد الاتحاد السوفيتي السابق. .. كما ان روسيا اصبحت تدرك ان الكثير من الدواعش هم من مواطنيها وقد يعود شرهم اليها فيما لو انتهت صفحة داعش في العراق وسوريا لذا يتحتم امنها الوطني ان تقضي على هؤلاء المنحرفين فكريا بعيدا عن اراضيها لذلك صرح مدفيديف رئيس وزراءهم بقوله :أنه من الأفضل أن تتم حماية الشعب الروسي من التهديد الإرهابي خارج حدود بلاده لا داخلها… اما الواقع السياسي في العراق وعلى مستوى الكيانات لا المكونات فنلاحظ حصل انقسام فيه من جديد فالاحزاب الكردية مرحبون بوجود الروس كما هم مرحبون بالامريكان على قاعدة من يتزوج امي سيكون عمي ؟ اما اطراف الائتلاف العراقي الموحد اتفقت كلمتهم جميعا رغم اختلافهم على القبول والترحيب بالقوات الروسية سواء على صعيد الجانب الاستخباري اوالمشاركة في الضربات الجوية , المشكلة تبدو في اتحاد القوى العراقية الذين يرفضون التحالف الرباعي روسيا – سوريا – العراق – ايران لاسباب منها طائفية فهم لا يتحملون ان يروا ايران صاحبة دور في هذا التحالف , او لاسباب اخرى منها ان بعض سياسيهم هم جناح سياسي لداعش وداعش سيكون مصيرها مهدد بالخطر على يدي القوات الروسية لان الروس عازمين وحازمين للقضاء على داعش نهائيا عكس الامريكان متباطئين ومتراخين ,فهدفهم الاحتواء لا القضاء …. السبب الاخر هؤلاء السياسيون لهم منافع في تصدير النفط من المناطق تحت سيطرة داعش فهم لهم شراكة فيه او على اقل تقدير سيذهب الى تركيا التي هم ذيول مطيعة لها ومن هنا نرى المطلك والساري والعاني اقاموا الدنيا ولم يقعدوها برفضهم واعتراضهم ولكن سلوك هؤلاء الدعاة كشف حقيقتهم بانهم ينعقون مع كل ناعق لا يريد للعراق خيرا فهم مرة يتقربون للبعثين ومرة لداعش حتى وصل بهم المطاف ان يبنوا جسور مودة مع منظمة مجرمي خلق الارهابية والظاهر هؤباء نسوا ان عناصر هذه المنظمة هم فرس مجوس .
روسيا بدءت فعليا اعمالها العسكرية ضد داعش في سوريا من خلال طائرات من طراز «سو-34» قامت في أول أكتوبر بتوجيه الضربات لمعسكر تدريب مقاتلى «داعش» ومركز قيادة للتنظيم جنوب غرب مدينة الرقة… ويبدو ان بوتن المعروف بالحسم الدائم يريد ترتيب الأوضاع في سوريا لتكون تحت سيطرة روسيا أو على الأقل جزءا منها، تصبح موسكو هي المسئولة عنه وتقيم فيه قواعد عسكرية جوية وبرية وأجهزة تنصت وتجسس، فإنه لن يكون من المستبعد أن تتدخل روسيا بقوة أكبر مستقبلا وتعمل على ضرب التنظيمات الإرهابية بقوة حتى تثبت نجاحها وقدرتها على إنجاز ما وعدت به…. ولكن الم يكن هذا الفعل هو إحراج الى امريكا التي أنفقت مليارات الدولارات ونفذت أكثر من 7 آلاف غارة جوية في سوريا والعراق بحجة محاربة داعش والقضاء عليه، لكنها لم تحقق شيئا على الأرض؟
وفى حال هزيمة داعش ، فإن الولايات المتحدة ستصبح في حرج بالغ وسيفتضح أمرها أمام العالم، خاصة أنها عملت منذ بداية الأزمة في سوريا على تكثيف دعمها للتنظيمات المتطرفة على أمل إسقاط الأسد وأمدتها بالأسلحة والمقاتلين وتولت المخابرات الأمريكية تدريبهم بالتعاون مع تركيا , ولكن هناك تقارير تتحدث عن مخاوف أمريكية من هزيمة تنظيم داعش في سوريا، لأن هذا سيحرمها من السبب الرئيسى في التدخل عسكريا بسوريا والعراق، كما يعد التنظيم الإرهابى وسيلة لابتزاز سوريا وإيران والعراق أيضا، ووضع الجميع تحت ضغط لتنفيذ الرغبات الأمريكية، كما أنه وسيلة جيدة لاستنزاف قدرات إيران العسكرية والاقتصادية.
في العراق يجب على مجلس النواب والحكومة الموافقة على الموافقة بان تقوم القوات الروسية بتوجيه ضربات جوية مؤثرة وقاضية لتجمعات داعش وحركة ارتال مقاتليها الذين يقدمون للعراق من الرقة , كذلك استهداف ارتال صهاريج النفط التي ترسله داعش الى تركيا يوميا دون ان تتعرض له قوات التحالف الدولي والذي يعتبر ركن اساسي في تمويل داعش في العراق وسوريا . .
اخيرا نامل ان تكون النوايا صادقة من قبل كل الاطراف للقضاء على داعش ولو هناك ريبة تنتابنا فهل امريكا ستتخلى عن العراق بعد هذه التضحيات لصالح روسيا ؟ كما نامل ان لا تكون لعبة تقاسم الحصص بين الكبار هذه لي وتلك لك لتكون سوريا من حصة روسيا والعراق من حصة امريكا .