لايمکن التصور أبدا بأن الاوضاع في الانبار قد تفاقمت بهذا الشکل السريع من تلقاء ذاتها و مانجم عن دخول مفاجئ لداعش(تنظيم دولة الشام و العراق التابع للقاعدة)، للساحة و صيرورتها طرفا مهما و فعالا في مجريات الاحداث، بأنه مجرد أمر عرضي وانما هو حاصل تحصيل مسعى يتم التهيأة و الاعداد له منذ ثلاثة أسابيع، وهو من دون أدنى شك حلقة ضمن سلسلة تهدف تطويق العراق و تکبيله من مختلف المناطق، لکن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا بدأ هذا المسعى من الانبار؟
محافظة الانبار تتميز بمواقفها الوطنية و رفضها المستمر لإستشراء نفوذ النظام الايراني في المفاصل المختلفة للدولة، وانها تحاول بشتى السبل وقف سرطان هذا النفوذ الذي بدأ ينتشر بصورة مخيفة بحيث يهدد سيادة العراق و العمق الوطني لقرار السياسي، وان إختيار الانبار کبداية لمسعى تطويق العراق و إضعافه تمهيدا لسقوطه و بشکل نهائي في سلة النظام الايراني، والذي يدعو للشك و الريبة هو ذلك الصمت المشبوه جدا للأمريکان الذين يشارکون من خلال موقفهم هذا في السماح بإنجاز هذا المسعى الاسود، خصوصا وانهم قد زودوا المالکي بأسلحة من ضمنها صواريخ جو أرض 75هيلفاير يستخدمها حاليا ضد أهالي الانبار(وليست داعش التي هي مجرد وسيلة لبلوغ الغاية الاکبر)، بل وان الذي يثير القلق أکثر فأکثر أن هناك أسلحة متقدمة أخرى من ضمنها طائرات من دور طيار و کذلك الدفعة الاولى لمقاتلات F-16، ستسلم لاحقا للمالکي، وقطعا أن الامريکان لايمکن وصفهم بالنعامة التي تخبئ رأسها في الرمال بل انهم يعرفون کل شئ وان وراء صمتهم شر مستطير للعراق و شعبه بشکل خاص و للأمن و الاستقرار في المنطقة بشکل عام.
هذا الوضع المأساوي الذي يجري في العراق عامة و الانبار خاصة و الموقف الامريکي منه، يبدو أن ستراون ستيفنسن رئيس بعثة العلاقات مع العراق في البرلمان الاوربي قد صوره أفضل تصوير في بيانه الذي أصدره بمناسبة الاوضاع الاخيرة في الانبار عندما قال بخصوص ذلك:” يبدو أن الأميركيين غير قادرين على قبول حقيقة أن حماقة التدخل في العراق قد أدت حتى الآن إلى أكثر من مليون حالة وفاة للعراقيين، تغيرت تلك الدولة الغنية بالنفط الى سلة مملوءة بالازمات وببساطة استبدال صدام حسين الدموي بالفاسدين وديكتاتورية دموية أخرى کنوري المالكي وتزويده بالأسلحة الأمريكية من اجل شن حرب صارخة على الأقلية السنية في العراق، ويبتهج ويصفق الملالي الإيرانية من الشريط الحدودي ، انه منهج سوف لن يحل شيئا وسيؤدي حتما إلى الصراع المدني.”.
قبل شن”حرب المالکي ضد الانبار”، سبقه هجوم غامض من حربه الخاصة”المباشرة حينا و غير المباشرة حينا آخرا” ضد المعارضين الايرانيين في ليبرتي، وکلا الامرين قد حدثا بعد عودة المالکي من طهران، وطبعا لايمکن تصور ذلك مجرد صدفة بريئة لأن مراقبين معنيين بالشأن العراقي رأوا في زيارة المالکي لطهران انها قد نجمت عن صفقة ستطال بموجبها الکثير من الجبهات و الاطراف و سيحدث أکثر من عملية خلط للأوراق و تحوير و تغيير في المعادلات السياسية القائمة، وان التطورات و المستجدات القادمة ستحمل في ثناياها الکثير من المفاجئات غير السارة و السوداء مالم يتم تدارك الامور و وضع حد لهذا المخطط الامريکي ـ الايراني المشؤوم الذي ينفذه المالکي من أجل کرسيه المهزوز.
الذين يدافعون عن موقف النظام الايراني و يبررونه بمختلف السبل فيما يتعلق بالاوضاع في العراق و على الرغم من ضعف أدلتها و کونها لاتقنع حتى المبتدئين بالسياسة، لايبدو أن تصريح الجنرال محمد حجازي نائب رئيس الارکان للنظام الايراني بشأن إستعداد نظامه للتدخل عسکريا فيما لو طلب العراق ذلك، والذي جاء هو الاخر بعد زيارة المالکي و عقب إندلاع الاحداث في الانبار، لايمکن أبدا إعتباره صدفة او مجرد تصريح عادي، وانما هو أشبه مايکون بالتمهيد لمنح النظام الايراني دورا في العراق شبيه بدوره الحالي في سوريا کما يرى العديد من المراقبين السياسيين، وهذا التصريح يعطي مصداقية أکبر و أقوى لما تقوله و تؤکده المقاومة الايرانية بشأن الدور المشبوه و المخيف للنظام الايراني في العراق الذي ليس يستهدف العراق فقط وانما السلام و الامن و الاستقرار في المنطقة کلها.
لقد شن المجرم جورج بوش حربا مجنونة على العراق ليس حبا بشعب العراق ولا من أجل الديمقراطية و حقوق الانسان کما زعم کاذبا، وقد حول العراق بفعل حربه المجنونة تلك الى ساحة تصفية للحسابات و نزيف دم دائمي، لکننا وفي عهد باراك اوباما نجد هنالك مسعى لإستبدال تلك الديمقراطية المشوهة و مبادئ حقوق الانسان المزيفة بحالة خاصة تذکرنا بعهود الدکتاتوريات الدموية في الخمسينيات و الستينيات، وان اوباما الذي فتح أکثر من قناة للإتصال مع النظام الايراني، لايوجد شك من أنه طرف في المخطط الحالي من خلال سلاحه الذي يقدمه للمالکي، ومن حق الشعب العراقي أن يخاطب اوباما و يطرح عليه سؤلا محددا هو: من حضن أي نظام قد إنطلق تنظيم داعش الارهابي؟!
[email protected]