23 ديسمبر، 2024 5:27 ص

انهيار سعر صرف الدينار اسبابه ومعالجاته V

انهيار سعر صرف الدينار اسبابه ومعالجاته V

عندما كان الحصار يخنق الاقتصاد العراقي و الدينار يطبع محليا على ورق (A4)  ولم يكن هناك أي غطاء للعملة من عملات اجنبية أو معادن ثمينة أو أوراق مالية قوية لم يكن الغطاء يتعدى تعهد الحكومة  بان العملة المطروحة في التداول هي دين برقبتها ( بذمتها) ، فإن انهيار سعر صرف الدينار كان مبرراً ومفهوماً وعانى منه العراقيون واقتصادهم كثيراً .أما الآن فإن غطاء العملة يتألف من حوالي 70  مليار دولار يحتفظ بها البنك المركزي أي مرة ونصف بقدر العملة المتداولة إضافة إلى تعهد الحكومة وإضافة إلى غنى البلد بالثروات الهائلة وإضافة إلى ما يضخه البنك المركزي من عملة اجنبية في السوق تصل أحياناً إلى أكثر من 200 مليون دولار اسبوعياً، فلماذا ينهار سعر صرف الدينار ويتذبذب ليجعل الناس والمستثمرين ورجال الأعمال والسلطات النقدية في قلق ؟ إن المطلعين يعرفون الأسباب ويفهمونها جيدا، أنها نفس الأسباب التي تقف وراء انهيار الزراعة والصناعة والسياحة والنقل في البلد. وهنا سنحاول أن نعرض واحداً فقط من أسباب ذلك الانهيار ونترك الأسباب الأخرى (وبعضها ليس اقتصادياً) لأصحاب الشأن وللمختصين.فعندما نقرأ تاريخ العراق الاقتصادي ،فإن القرارات التي اتخذها عبد الكريم قاسم بتعريق بعض فروع المصارف الأجنبية والعربية ( أي جعل ملكيتها عراقية ) و قرارات تأميم المصارف  الأجنبية والأهلية وبعض المؤسسات التجارية والصناعية في العراق عام 1964 التي اتخذها عبد السلام عارف تستوقف الكثيرين . ورغم إن هذه القرارات تذكر بصورة سلبية وعلى إنها أدت إلى الإضرار بالاقتصاد العراقي وإنها قرارات خاطئة، إلا إننا إذا ما وضعناها في سياقها التاريخي وضمن ظروفها فإننا نتفهمها ونبرر لقاسم و لعارف ما فعلاه، لقد كان أهم مبررات تلك القرارات هو إن  المصارف الأجنبية والأهلية أخذت تمارس أعمالاً ونشاطاتٍ ضارة ومدمرة للاقتصاد الوطني ومن ذلك عدم مسايرة توجهات الدولة الاقتصادية في حينها  والتي كانت ذات توجه اشتراكي نوعما.
ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير هي قيام تلك المصارف بتهريب رأس المال الوطني خارج البلد وأمام أعين السلطات المختصة التي لاتستطيع  منع ذلك . والعملية بسيطة إذ يقوم التجار باستيراد بضاعة بمبلغ وتقديم قوائم لتحويل العملة بأضعاف مبلغ البضاعة الفعلي ( وهذه الممارسة يعرفها جيداً أعضاء لجان المشتريات في دوائر الدولة!!!!!!!!) فيقوم التاجر باستيراد بضاعة بمبلغ مليون دينار مثلاً ثم يقدم قوائم لتحويل العملة بمبلغ مليونين على انه ثمن البضاعة المستوردة فيحول مليونين عن طريق الجهاز المصرفي منها مليوناً يمثل  ثمن البضاعة الفعلي والمليون الآخر هو تهريب للعملة الصعبة خارج البلد . ولا تستطيع السلطات منع هذا الأمر، إضافة إلى ممارسات هذه المصارف الضارة الأخرى ومنها عدم توجيه قروضها بما يخدم عمليات التنمية الاقتصادية  وقيامها باستثمارات هامشية وغير مفيدة  وتوجيه تلك  القروض للاصحاب والأقرباء وغيرهم. واليوم تعود تلك المصارف ذاتها (نعم لقد أسست بنفس التسميات ومن قبل نفس الأشخاص) للقيام بهذا الدورليعيد التاريخ نفسه. فعندما ندقق في مصير ال(200) مليون التي يبيعها البنك المركزي اسبوعياً نجد إن (80%) أي (160) مليون دولار منها تذهب  كحوالات خارجية تتم من قبل مصارف محددة ( لها أو لمن خلفها نفوذ قوي )على أنها ثمن البضائع الداخلة إلى العراق من الدول الأخرى ، ولكن المختصين يقولون إن البضاعة الواردة إلى العراق في نفس الفترة ( أي الاسبوع ) لاتتجاوز ال(80) مليون دولار بمعنى إن ال(80) مليون الأخرى تهرب  خارج البلد ،أما ال (40) مليون التي تضخ في السوق المحلية فإنها تشترى من قبل نفس المصارف ومن قبل مكاتب الصيرفة الذين يجنون من ورائها أرباحاً بمئات الملايين من الدنانير  فهم يشترونها بما يقرب من (1190) دينار للدولار الواحد، ثم يبيعونها للناس بسعر ( 1350) دينارا للدولار الواحد أو أكثر وبعد ذلك  يهرب الجزء الأكبر منها بطرق أخرى ملتوية والنتيجة هي انخفاض المعروض من النقد الأجنبي ومن ثم ارتفاع اسعاره وانهيار سعر صرف الدينار. وهكذا تستنزف رؤوس الأموال الوطنية ويدمر اقتصاد البلد بأيدي المرابين الجشعين والمتآمرين واللصوص وقاطعي أثداء أمهاتهم وأصحاب الغرض.
فأين هو عبد الكريم قاسم لكي يعرِّق نوافذ السرقة من المصارف الأجنبية.؟
 وأين هو عبد السلام عارف لكي يؤممها مرة أخرى .؟
 ومن أين آتي بشاعر آخر ليقول ما قال أحد شعرائنا القدامى:
خذوا مالَ التِجارِ وسوفوهم     إلى  أجلٍ  فإنهمُ  لئــــــــامُ
وليس عليكمُ في ذاك إثمٌ        فإن جميعَ ما جمعوا حرامُ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

[email protected]