9 أبريل، 2024 4:06 ص
Search
Close this search box.

انهيار الروح

Facebook
Twitter
LinkedIn

ان علم ديناميكية الجماعات البشرية يؤكد ان الانسان كائن جماعي عضوي ويتميز بمجموعه من الخصوصيات الأساسية كالتفاعل البيني، ووجود اهداف مشتركه لكل جماعه بالإضافة الى لاشعور جمعي وتوازن داخلي يوزع طبيعة العلاقة بين الافراد. ومن أكثر الامور التي ركزت عليها الانثروبولوجيا هو طرق تماسك الجماعات البشرية وتفاعلها مع بعضها، حيث تم تصنيف المجتمعات الى عدة درجات منها المتماسكة جدا والتي تملك عصبية ابن خلدون، والضعيفة التماسك والجماعات المفككة تماما” (السار تونيه)1.
تتميز المجتمعات العربية بغياب شبه كامل للتاعل الايجابي بين البشر وتحول مساحات الحركة الفردية الى صراعات سلبيه، تتفجر فيها العقد الحضارية وتبدد فيها طاقة المجتمعات وتنحبس قدرتها على الابتكار والانجاز، حيث ينهار السلم الأهلي وتتفجر الحروب الطائفية وتنهار الحضارة والعمران كما في (ليبيا)، (اليمن)، (العراق).يقول عالم الاجتماع تشارلز كولي ان الانا الفردية تتكون في تتابع ثلاث مراحل. التخيل الاولي لصورة الذات (الانا) في المجتمع. ثم الانطباع الذي يولده وجود الذات (الانا) في المجتمع. كأن يكون محبوبا” او مكروها… ثم المرحلة الأخيرة وهي الاستجابة الشعورية بعد إدراك المرحلتين الاولى والثانية…اي ان الذات (الانا) مرتبطة ارتباطا” كاملا” بوجود المجتمع. لذلك سيكون سلوك الانسان متناغم مع ما يجعل الذات مقبولة وقوية في وعي المجتمع.
تلعب العلاقة بين الا نويه والقيم الاجتماعية دورا” حاسما” في تحديد النمط الحضاري لأي مجتمع، فالقيم السائدة عند العرب مثلا” الكرم ,النخوة ,الشهامة, والشجاعة هي ليست افعالا” لذاتها وانما هي انفعالات لا شعوريه وتناغم مع ما يجعل (الانا) قوية ومقبولة في الوعي العام للمجتمع.
تتميز المجتمعات العربية بغلبة الطابع الفردي والذاتية المفرطة، إذ رغم كل المتغيرات الثقافية الحديثة التي أُدخلت او التي فرضت نفسها بالعولمة، ورغم الاموال الهائلة التي صرفت في تعزيز العمل الجماعي، لازال تأكيد الذات والفردية المغرقة تحكم السلوك السياسي والثقافي للأفراد، بالإضافة لانغراس وتجذر العداء مع المختلف واحتقان الغضب والانفعال، وترصد الزلات للإيقاع بالخصوم وتكفيرهم. يتجلى ذلك حتى في الصراع العائلي. وكم حفظ لنا التاريخ من قصص المذابح العائلية. 
العربي السياسي تجده, القائد الضرورة, وتجده يغزو الدول, ويهدم المجتمعات, ويغتصب قوميات كامله بمبررات قويه ترقى الى نصوص السماء. ولكن في الصلاة، في التهجد، في الترتيل، في مخاطبة السماء، تجده ملاك بنور انسان، كلماته مثل ضمير يـتأجج بالنقاء والروحانية المطلقة. عندما تسمع صلوات وادعية المساء وتهجد الليل، تشعر أنك لست في هذه الأرض التي يذبح بها طفل فلسطيني بتهم زائفه، او تفجر مدن كامله كالكراده، او يراق دم الحقيقة بلا عزاء للفارق الطائفي. تشعر انك في ارض الله الاتقى والاورع.في عاشوراء حيث تجهش الامه بالبكاء وتتوحد الروح بعرفانيه مدهشه , وفي مواسم الطواف والحج تتفجر الفضيلة وتتكلم في تجسيد مذهل للكمال. تشعر ان الأرض ارتفعت لنجوم السماء وان المسلمين سيعودون مساءا” انبياء. ولكن ان أطلت عيناك على مدن العرب واحياء الصفيح وخراب الحروب، وتصدع الدول في كل مفاصلها تشعر ان هذه الرؤية تجسيد فنتازي للعقل المريض. واننا في غاية البؤس الروحي والخواء الأخلاقي.
يقول سيناك مونكو2, كما كانت السياسة والفلسفة محرك التاريخ الاول عند الارسطيين , وكان الصراع الطبقي جوهر الانبثاق الهائل لفلسفة الاشتراكية, كان الحب محرك التاريخ الحقيقي وهادم الامم وصانع الحضارات, فالحب المسيحي مثلا هدم الوثنية في اوربا واشاع المسيحية. والحب العربي عندما امتزج بدماء الاسبان فجر ثورة النبل الذكوري وأحدث ثوره أخلاقية وادبيه لا حدود لوصفها في اوربا. ترى لماذا لا تتفجر كبرياء العرب في لحظة كهذه اللحظة، لقد وهن العظيم، وجفت الأوردة، وشابت العقول بعد ياس الخلاص. ضاعت ليبيا، وتبعها اليمن، وها هو نصف سوريا يلتهمه السرطان، والعراق في طريقه للإفلاس على يد الجهلة، ما للذي يمنع الان ان نقف كما الأمم في مراحل الهوان، وان نتكلم عما يفرقنا عن التاريخ ونقول ان رواة الحديث ليسوا كلهم صادقين، وان اتفاق العقائد ليس شرطا لاتفاق الشعوب وان من ورط العرب في حروب العقائد انتهازيين لم يعرفوا للدين اعتبار، وأننا بالإمكان ان نجتمع على كلمة سواء فقط لو نزعنا الأقنعة. الم يحن الأوان ليجلس العربي ويعاتب الضمير، لأنه هو نفسه من يرتكب الشر هو نفسه من يتلو صلوات الليل والنهار لنيل رضا القدس الاعلى. الم يأن الأوان لنكون من اتباع محمد (ص).يقول ديفيد هيوم أن الكراهية شعور غير قابل للاختزال ولا يمكن تحديده على الإطلاق، وغالبًا ما يؤدي إلى تدمير الكاره والمكروه معًا. واذا بقيت كراهية العرب لبعضهم البعض هي النشاط الوحيد الذي يجيده العقل العربي، لن يكون هناك امل ابدا” وسيموت أي امل بنشوء الحضاره, حتى الدول التي ترى نفسها في مأمن، لا اقول مغاليا” انها على قائمة الانهيار حتى لو لم تنهار جدران الاسمنت، ولكن روح من يسكنها ستلعنها الأبدية في الجحيم لأنها خذلت من استجار بها من الأخ في الدين او النضير في الخلق.
[email protected]     _________________________________________________1-نسبة الى جورج سارتون في كتابه سقوط الحضارة، ووصفه لهيكلية الأسرة في الحضارة الحديثة
2-مؤلف كتاب تاريخ الحب, وهو كتاب رائع في تاريخ علاقة المرأة بالرجل عبر التاريخ سواء في اوربا او الأمم الاخرى

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب